تأخرت عن كتابة هذا المقال 10 أيام وأكثر، لأنه من الصعب أن أجدني مضطرًا للحديث عن بديهيات انتهت في كنائس أخرى منذ عدة قرون، بينما لا زالنا نتحدث عنها في  في عام 2022، وكأننا نحاول اختراع العجلة من جديد، فـ"هذا الأسقف" الذي يملأ الدنيا ضجيجًا بلا طحين، وكأن كنيسة عريقة لا يوجد بها إلا هو ومن على شاكلته، يعبد الميكروفون ولا يمتلك لا شهادة علمية أو لاهوتية معتبرة، فأقصى شهادة حصل عليها هي "الدبلوم"، مع الاحترام لحملة هذه الشهادة الذين يمارسون بها تخصصاتهم، ولا يقحمون أنفسهم فيما لا يفقهون فيه.

“هذا الأسقف”، لا يعبد الله كأي مسيحي طبيعي، بل ال البطريرك السابق لكرسي الإسكندرية. فحياته كلها تدور حول عيد ميلاد قداسته، وعيد رهبنته، وعيد رسامته أسقف، وذكرى تجليسه على كرسي مار مرقس، وذكرى رحليه، ثم يملأ الدنيا ضجيجًا وصراخا مطالبًا الجميع بعبادة كتب ومحاضرات البابا شنودة وليس المسيح، ويتحدث عن أن هذا من أسس الإيمان اﻷرثوذكسي، لكنه بمنتهى التناقض لا يحترم ال البطريرك الحالي الجالس على كرسي القديس مرقس، ولا يعتبره موجودًا، بل عقله متوقف عند زمن البابا الراحل باعتبار إنه مخلد، أو حتى بعد نياحته سيُترك له كرسي مار مرقس باسمه ولن يعترف بأي بطريرك فيما بعد، وهي سمة ليست عند “هذا الأسقف”، بل عند كل عبيد البابا الراحل.

“هذا الأسقف” يتعامل وكأن إيبارشيته الواقعة في الصعيد هي محور الكون، ويريد أن يفرض ما يدور بداخلها على كل إيبارشيات داخل وخارج مصر، ونصب نفسه باعتباره حامي حمى الإيمان، لكنه ليس الإيمان المسيحي ولا الإيمان الأرثوذكسي، بل إيمان البابا السابق، فأصبحت إيبارشيته هي الكرسي الرئيس للإيمان “الشنودي”، فلديه متحدث إعلامي موازي، ولجنة إيمان وعقيدة موازية، ويخرج مرتين في الأسبوع ليشاكل في خلق الله! فكل عظاته تدور حول من تحدث عنه أو عن البابا شنودة ليرد عليه، أو ليرى ما يجري على نطاق الكنيسة سواء من البابا أو الأساقفة غير المنضمين لحظيرة البابا شنودة، ويبدأ في القراءة من الورق الذي يكتب له، ليقول عكسهم تمامًا.

“هذا الأسقف” فارغ وفاضي لدرجة أنه إذا وقع البابا تواضروس اتفاق ال كاتفاق “عدم إعادة المعمودية” بين كنيستي روما والإسكندرية، خرج مهاجمًا معتبرها كنيسة مهرطقة، وإذا وقع الأنبا إنجيلوس أسقف انجلترا اتفاقًا مع الكنيسة الإنجليكانية خرج يهاجم الكنيسة الإنجليكانية، ويشكك في كل شيء، فـ”هذا الأسقف” الذي يهرطق الجميع يمينا ويسارا، لا يستطيع قراءة الورق الذي أمامه ومن المفترض أنه كتبه بنفسه دون أخطاء كارثية لا يقع فيها طفل صغير في الصف الرابع الابتدائي. “هذا الأسقف”، لم يدرس في كلية لاهوتية أكاديمية محترمة، والشهادة التي يدعي أنه يحملها هي بالضبط كشهادة محو الأمية التي تمنحها الدولة لكبار السن بعد تعلمهم، ولا أعتقد من يحمل شهادة محو أمية يمكنه أن يعتبر نفسه كعالم ويقارن نفسه بأحد الخريجين من جامعة مثل هارفارد مثلا!

“هذا الأسقف” وقت انتشار وباء كورونا، كان من أصحاب غزوة “الماستير”، رافضا التخلي عن واحدة من أدوات ممارسة طقس وكأنها الذبيحة نفسها، مع أن “هذا الأسقف”، عندما كان مجرد راهب في إحدى الدول العربية، كان يناول الحضور بالكنيسة بغمس الجسد بالدم لأن الأعداد كانت كبيرة على أن يناول الجسد مرة ثم يعود لمناولة الدَّم مرة أخرى، فأحل هذا لنفسه ما ﻻ يحله لغيره في الكوارث واﻷوبئة، كالكتبة والفريسيين الذين توعدهم المسيح بالويلات لأنهم يحملون الناس أحمال عسرة ولا يريدون أن يمسّوها بإحدى أصابعهم، لكنه وقت الوباء ولمجرد العند: زايد عليهم جميعا.

“هذا الأسقف”، الذي كان يرتجف في زمن البابا شنودة، ولم يكن أحد يسمع به، يستغل الاحترام الزائد عن اللازم الذي يتعامل به البابا تواضروس مع الجميع، ليبحث لنفسه عن دور، وهؤلاء الطامعين الذين يحاربون البابا تواضروس سرا ولا يريدون الظهور، يستخدمونه أيضا ليعبر عنهم وعن مصالحهم التي فاحت رائحتها منذ سنوات عدة ومعها أصبحت صورة الكنيسة سيئة، ولكنهم يمارسون نفس اللعبة” و”هذا الأسقف” -محب الظهور- لا يوجد من هو أفضل منهم ليصدروه للمشهد، وينأوا بأنفسهم عن أي انتقاد.

لكن المشكلة ليست في “هذا الأسقف”، بل في منظومة الكنيسة التي تُظهر حتى الآن أنه ليس في استطاعتها التعامل معه ومع أمثاله ممن يخالفون النظام ويسيئون لكنيسة الإسكندرية أمام الكنائس الأخرى، فـ”هذا الأسقف” الذي يدعي حماية الإيمان، يروج للية وغيرها من الهرطقات، ولم يجد من يحاكمه أو يحاسبه! يدعون أنها كنيسة مجمعية ولكننا لم نر كرامة لهذا المجمع، فالبابا السابق كان يأخذ قرارته منفردًا وهم يصدقون فقط ولا يستطيع أحد أن يعارضه كما حدث في قرار عزل الدكتور بباوي دون محاكمة كنسية قانونية ووقع عليه غالبية أساقفة الكنيسة امتثالًا لأوامر الأنبا بيشوي سكرتير المجمع وقتها، وحاليًا يدخل “هذا الأسقف” وآخرين اجتماع المجمع ويسربون تفاصيله للجانهم الإلكترونية ولا يوجد حساب.

فإذا أمنت العقاب فأفعل ما شئت، وهذا ما يؤمن به “هذا الأسقف” ومن خلفه من أساقفة.

 

اقرأ أيضا:

 

كيف تقيّم هذا المقال؟

← إتجاه ← التقييم ← اﻷعلى ←

المتوسط الحالي حسب تقييمات من القراء

كن أوّل من يقيّم هذا المقال

بما أن المقال أعجبك..

ربما اﻷفضل مشاركته مع دوائرك كي يحظى بانتشار أوسع

من المحزن أن يكون تقييمك للمقال سلبيا

دعنا نعمل على تحسين ذلك

أخبرنا.. كيف يمكن تحسين المقال؟

بيتر مجدي
[ + مقالات ]

باحث وكاتب صحفي متابع للشأن الكنسي وشؤون الأقليات.
زميل برنامج زمالة الأقليات- مكتب المفوض السامي لحقوق لإنسان- الأمم المتحدة، جنيف/ ستراسبرج 2023.
زميل برنامج "" () لشبونة 2022.