أحيانًا كثيرة يجول بخواطرنا تساؤل إيماني، أو شك يأكل عقولنا، ندور نبحث عن إجابة منطقية مُقنعة، لكن في كل مرة لم تكن الإجابة على مقدار السؤال، وفي أحيانٍ أخرى كنا لا نجد إجابة من الأساس، و أحيان أخرى كان لا يوجد إلا تهديد ووعيد وتكفير و ترهيب.

ستجده يقول لك: حبيبي أنت لسه صغير، هو أنت ممكن تحط مياه البحر كلها في كوباية صُغيرة؟ أكيد لأ، أهو أنت بقى مخك قد الكوباية الصغيرة مش كل الأجوبة عقلك يقدر يساعها.

وممكن يقولك: حبيبي بلاش تفكر كثير، بلاش تفكر أصلًا، أنت عاوز ربنا يزعل منك، مفيش أحسن من الإيمان البسيط، لأنه بينما يتجادل اللاهوتيون في الأمور اللاهوتية العويصة يتسلل البسطاء للملكوت، خليك بسيط لأن كل اللي هرطقوا وهلكوا معرفوش يكونوا بسطاء، أنت عاوز نهايتك تبقى زي أريوس اللي انسكبت أحشاءه في مرحاض عام؟.. انطق عاوز تخش جهنم؟ أكيد هترد تقول لأ، يبقى خلي إيمانك بسيط.

ربما لم يمر السؤال عليه من قبل، لكنه لا يفضل قول “لا أعرف”، فتجده يقول كلام ليس له علاقة أصلا بالسؤال، وتجده يقول أمور  كثيرة من وقت ما خلق الله العالم حتى و”ننتظر قيامة الأموات وحياة الدهر الآتي آمين”،  لكن لا توجد إجابة، وقد تكون الإجابة سطحية مبنية من كتاب “ما يطلبه المستمعون”، وفي الغالب كل أجوبته غير أكاديمية وغير علمية وغير منطقية،  لكن كلها مبنية على كاريزما الكاتب، وأنه من المستحيل أن يتحدث شخص بأن هذه الإجابة خطأ وإلا مصيره سيكون أسوأ من أنه فكر وسأل أساسا.

ومن الممكن أن يكون حظك لو سألت حد أمين وقال لك لا أعرف الإجابة، أو قال لك أنا بحثت من قبل ووجدت كذا وكذا ولا أعرف أي رأي صح وأي رأي خطأ، يا سلام لو لاقيت شخص وقال لك على فكرة هذا السؤال نهاجم به ونحاول أن ندافع ونقول كذا وكذا لكن هذه الدفاعات ضعيفة ومردود عليها بكذا وكذا، ولا أجد مشكلة إذا كان هذا الهجوم سليم، وهذا  قد يكون راجع لخطأ في النسخ أو معلومة خطأ كانت عند الكاتب، أو معلومة خطا لكن كانت صح بالنسبة للكاتب، أو إن الفكرة المطروحة كانت مناسبة لزمانها أو لمكانها لأن فيه نمو ثقافي حصل مع مرور الزمن.

وقد تجد شخص بشجاعة يفهمك إن مفاهيم كثيرة تأثرت بثقافتنا العربية وإننا لا نؤمن بالوحي الحرفي وأن هناك نظريات مختلفة ل الكتابي وأن الطقس ينمو ويتطور ويتغير وإننا حين نطور في ممارسة معينة فهذا  لا يعني أبدا إننا نخون عقيدتنا فندشن الأيقونات بـ”الرول” ولا “نتشعلق” على سلم لن تفرق، نطبخ الميرون بالطريقة القديمة أم ننجز مادام في طرق حديثة، نطلع في الإنبل ونوعظ اعتمادا على حنجرتنا ولا نستعمل الميكروفون، الأنوار ولا الشموع.

في أحيان كثيرة كان يقول بنفسه إنه يكتب رأيه الشخصي غير الملزم للآخرين، وأن بعض تعاليمه عن المرأة كانت تخص بيئة معينة هي بيئة كورنثوس على سبيل المثال لا الحصر نتيجة انتشار الفجور والنجاسة في كورنثوس في المعابد الوثنية ودور الكاهنات الوثنيات في ذلك، وكان يحاول أن يفرق بين سلوكيات الوثنيات وسلوكيات المؤمنات.

الغريب أن من يحاولون أن يقمعوا الفكر بدعوى حماية الإيمان هم أكثر الناس إيذاءا وتدميرا للإيمان، لأننا لازم نفهم ونصدق ونتعلم ونعلم إن إيماننا غير مبني على مجرد نص مهما كان مقدس أو ممارسة مهما كانت عتيقة لكن إيماننا في الحقيقة مبني على علاقة حقيقية واختبار شخصي برب المجد يسوع المسيح، ساعتها لازم نمسك النِّقَاط التي نهاجم بها ونطرحها للبحث الدراسي الأكاديمي في اجتماعات الكهنة والخدام والشباب، ولا يوجد مانع إذا قولنا نعم هناك بعض الإشكاليات في بعض النصوص، وهناك بعض الإشكاليات في اختلاف آراء الآباء فيما بينهم، وأن هناك أسئلة وتساؤلات ستظل بلا إجابات شافية مهما حاول البعض إيجاد إجابات دبلوماسية ترضي جميع الأطراف ولكنها في الحقيقة إجابات تثير الشك أكثر من الدفاع عن الإيمان.

في الوقت الذي سنتعلم فيه التعامل مع نقاشاتنا بهذه الطريقة وندرك أنه لا يهم أن تنتهي كل الموضوعات كما في الأفلام العربي بنهايات سعيدة وأنه أحيانا  تكون الإجابات المتاحة غير مرضية أو إجابات مفتوحة وقتها لن نخاف على شبابنا من أي هجوم فكري، لأننا علمناهم التفكير، وعلمناهم أن يمتحنوا الأفكار، وعلمناهم ألا يخجلوا من شكهم لأنه سيقودهم لأمانة البحث وحتما سيصلون يوما لَمَّا يرو ظمأهم، أما لو أرهبناهم من التفكير وحاولنا عمل قوالب أو اسطمبات إيمانية نحفظها للكل سنخلق منهم مسوخ يعبدون إله لا يعرفونه في الحقيقة، ويمارسون طقوس يرون أنه ليس لها فائدة ويرددون كلام عقيدة لا يعيشون جوهرها ولا فاهمين دورها في خلاصنا.

من الأخر.. يا صديقي، الله لا يخجل إطلاقا من تساؤلاتنا وشكوكنا الإيمانية لأنه بمنتهى البساطة لو كان ربنا لا يريدنا ألا نفكر لم يكن ليخلق لنا عقل، ولو كان يريدنا  كلنا نسخة واحدة لم يكن يهتم بالتنوع، ولو كان لا يهمه أن نفهم لم يكن ظهر لتلميذي عمواس يفهمهم طول الطريق أن كل ما حدث كان ينبغي أن يتحقق حسب قول الأنبياء، ولو لم يفرق معه أفكارنا الضعيفة وشك إيماننا لم يكن ظهر مخصوص لتوما وقال له: “لكي لا تكون فيما بعد غير مؤمن، بل مؤمن”.

كيف تقيّم هذا المقال؟

← إتجاه ← التقييم ← اﻷعلى ←

المتوسط الحالي حسب تقييمات من القراء

كن أوّل من يقيّم هذا المقال

بما أن المقال أعجبك..

ربما اﻷفضل مشاركته مع دوائرك كي يحظى بانتشار أوسع

من المحزن أن يكون تقييمك للمقال سلبيا

دعنا نعمل على تحسين ذلك

أخبرنا.. كيف يمكن تحسين المقال؟

مايكل جميل
[ + مقالات ]