يعرض خلال هذه الأيام مسلسل "أعمل إيه" بطولة خالد الصاوي، من تأليف محمد الحناوي وإخراج أحمد عبد الحميد، جذبني الإعلان السابق لعرضه لمتابعة المسلسل، ورغم المثالية المبالغ فيها التي تبدو عليها شخصية مهندس الصوت "عبد الله الفولاني" بمعاييرنا اليوم، إلا أن المسلسل لفت نظري في أمر أخر وهو في وجود شخصية "عم جورج"، وهو شخصية ليس لها وجود فهو مُتوفّى، لكنه يظهر على لسان جيرانه في المسلسل.

المميز هنا أن المسلسل يعرض للعلاقة الطبيعية بين المواطنين المصريين المختلفي الديانة بشكل بعيدا عن الحساسيات الدينية والصور النمطية، وهنا أحيلكم لمقال أكثر من رائع للسيناريست فيبي أنور  هنا على الشبكة بعنوان “أين ذهب المسيحي البلطجي؟” رصدت فيه صورة الشخصيات المسيحية في السينما وكيف أصبحت نمطية، أو كما قالت:

“شيئا فشيئا أصبحت الصورة النمطية للمسيحي في كل الأعمال هي صورة الطيب الوطني اللطيف “ابن الرب” الذي إذا لطمه أحدهم على خده الأيمن حول له الآخر.. كم أزعجتني تلك الصورة المثالية بمثاليتها”.

(فيبي أنور، أين ذهب المسيحي البلطجي؟) 

لكن اللطيف في المسلسل أنه عندما يأتي ذكر “عم جورج” على لسان عبد الله أو زكريا، فإنك تشعر أنه واحدا منهم، ينتمي لهم وهم ينتموا إليه، وثلاثتهم ينتمون لفئة مما يمكن أن نطلق عليها “الفئة الأقل ماديا في الطبقة الوسطى المصرية”، التي تآكلت بمرور السنين وفقدت مِيزة وجودها كطبقة يجب أن تكون الأكبر عددا، وتصل بين الطبقات الأعلى والطبقات الأقل، وليس هذا فقط، بل مالت إلى الانغلاق والتشدد الديني وتبنتهم ظاهريا كقيم تمثل غالبية المنتمين لهذه الطبقة.

نعود لـ”عم جورج” وجيرانه، فقد أعتدنا الكليشيه السخيف الذي يروجه عادة المتشددون دينيا عن العلاقة بينهم وبين أتباع الدين الآخر، لنفي التشدد عنهم، لكن في الحقيقة من يعيش علاقة صحية بجيرانه وأصدقائه لن يكون مضطرا لاستخدام هذا الكلام.

في المسلسل ظهر موقفين يظهران عمق العلاقة بين هؤلاء الجيران، فـ”جورج” الذي هاجر من زمن إلى فرنسا وتوفى، ترك مفتاح شقته بالبناية مع جاره “عبد الله” الذي قرر صون الأمانة وعدم التفريط فيها أو استخدامها لحسابه الشخصي، بالرغم من الأزمة المالية التي يمر بها خاصة أنه أب لأربع فتيات، وحينما أقنعوه جميعا بتأجير الشقة والاستفادة منها ماديا، وافق بعد ضغوط كبيرة من أسرته، فظهرت “ليزا”، ابنة “جورج”، التي ولدت في فرنسا، لتجد شقتها كما هي.

الموقف الأخر هو حلم “الشيخ زكريا” بجاره “جورج”، في الوقت الذي ظهرت فيه “ليزا”، فشعر أن والدها يطلب منه أن يهتم لأمرها، وحين كانت تجلس في المقهى عنده، تشاجر ابنه مع أحد رواد المقهى من الذين نصفهم اليوم بأنهم “سرسجية” لكونه تحدث عن “ليزا” بشكل سيء، وتم طرده من المقهى.

المسلسل لم يذكر العلاقة بين المسيحيين والمسلمين ولم يشر إلى أية أمور دينية، لكنه عبر عن عمق هذه العلاقة من خلال المواقف، ورغم غياب “جورج” ولم يظهر أحد يؤدي دوره، لكن هذه الشخصية الغائبة كانت حاضرة بقوة بسبب وفاء وتصرفات جيرانه نحوه، فهل ينتبه صناع الدراما والسينما إلى رسم شخصيات مصرية بعيدا عن النمط الديني التقليدي الذي أشارت له فيبي في مقالها، وأن يهتموا بأبعاد الشخصية المختلفة بعيدا عن “التلزيق” والنمطية التي أعتادنا عليها عند ظهور شخصية مصرية تدين بالمسيحية؟

اقرأ أيضا:

كيف تقيّم هذا المقال؟

← إتجاه ← التقييم ← اﻷعلى ←

المتوسط الحالي حسب تقييمات من القراء

كن أوّل من يقيّم هذا المقال

بما أن المقال أعجبك..

ربما اﻷفضل مشاركته مع دوائرك كي يحظى بانتشار أوسع

من المحزن أن يكون تقييمك للمقال سلبيا

دعنا نعمل على تحسين ذلك

أخبرنا.. كيف يمكن تحسين المقال؟

بيتر مجدي
[ + مقالات ]

باحث وكاتب صحفي ومتابع للشأن الكنسي وشئون الأقليات