ينفجع قلبي ألمًا على رحيل الأنبا إبيفانيوس، ثمّ مرارة القلب وغصّة الحلق حينما علمتُ أنّ يدًا غادرة طالته.

لم أكن أبدًا أتخيّل أن أحبّ أحد الأساقفة إلى هذا الحدّ، ولم أكن أتحيّل مدى هذه المحبّة والتقدير له التي جعلت الألم يعتصرني والدموع المريرة تنهال طوال يوم الأمس بعد الخبر المفزع.

هل أطفأت طيور الظلام هذه النور وخمدت نار هذا الكوكب المتوهّجة؟

أوّلًا لا أستطيع تحمّل ذنب الإشارة بإصبع الاتّهام إلى أيّ أحد، لكنّ القاتل ومَن دفعه هو من أولئك الذين سمحوا للكراهية والحقد أن يعشّشوا في قلوبهم والتعصّب أن يعمي أبصارهم، بعد أن ارتووا وكبروا على تعاليم أساقفة جهلة ادّعوا العلم وادّعوا معرفة اللاهوت، وادّعوا القداسة بحركات بهلوانيّة خادعة في وسط شعب تنهش الأميّة المدنيّة والدينيّة في عقله ولحمه.

نعم، مقتل إبيفانيوس يشهد ويذكّر بالشرّ الكامن وسط ال، ووسط مَن يقتلون لأنّهم يظنون أنّهم بذلك «يؤدّون خدمة لله». تاريخ الكنيسة في يشهد على الاغتيالات. ما حدث الآن هو أكبر كشف عن مدى قرب كنيسة مصر من العصور الوسطى.

نعم، استطاعت يد هؤلاء اغتياله وقتله، ووقف إنتاجه الفكريّ. نعم! هذا صحيح. إلّا أنّ دماء إبيفانيوس التي أُريقَت لهي بذار لألف إبيفانيوس، وستلاحقكم أيّها القتلة روحه في كل مكان.

هناك آلف إبيفانيوس سيولَد في أرض مصر، في حضن الكنيسة المصريّة وستلاحقكم ابتساماته الهادئة، فكما انتصر عليكم في حياته سينتصر أكثر في مماته.

لقد انتصر إبيفانيوس حينما لم يدع مدخلًا للحقد والكراهية، التي تغوصون فيها، تتسلّل إلى قلبه النقيّ.

نعم، قُتِل إبيفانيوس، ذلك لأنّه شهد للحقيقة، وطارد الظلام في صمت، وفي سكينة وفي اختفاء واحتجاب.

قُتِل إبيفانيوس، لأنّه لم يعرف التزوير والنفاق والمراوغة.

قُتل إبيفانيوس لأنّه سار على خطى معلّمه يسوع المسيح لإنارة هذا العالم ومحاربة الظلام.

مقتل أبينا إبيفانيوس هو تهديد سافر لكلّ مَن تسوّل له نفسه قول الحقّ وفضح الزَّيف في الكنيسة. لكلّ من يفتح قلبه للمسيحيين جميعًا بغض النظر عن معتقداتهم.

اغتيال إبيفانيوس تكرار لاغتيال المسيح، وتهديد هنا في مصر والآن لمن يتجرّأ على السير على خطى يسوع.

لقد كان إبيفانيوس قدّيسًا على الأرض، في العالم وفي البرّية. ها قد كسبته الكنيسة الآن قدّيسًا في المجد، يصلّى من أجل كنيسته وشعبه.

 

كيف تقيّم هذا المقال؟

← إتجاه ← التقييم ← اﻷعلى ←

المتوسط الحالي حسب تقييمات من القراء

كن أوّل من يقيّم هذا المقال

بما أن المقال أعجبك..

ربما اﻷفضل مشاركته مع دوائرك كي يحظى بانتشار أوسع

من المحزن أن يكون تقييمك للمقال سلبيا

دعنا نعمل على تحسين ذلك

أخبرنا.. كيف يمكن تحسين المقال؟

جون جابريل
راهب في معهد الدراسات الشرقية للآباء الدومنيكان  [ + مقالات ]

صدر للكاتب:
كتاب نقدي: ، هل من روحانية سياسية؟
تعريب كتاب جوستافو جوتييرث: ، التاريخ والسياسة والخلاص
تعريب كتاب ألبرت نوﻻن الدومنيكاني: يسوع قبل المسيحية
تعريب أدبي لمجموعة أشعار إرنستو كاردينال: مزامير سياسية
تعريب كتاب ال: ومواهب الروح القدس