انشغل الرأي العام المصري على مواقع التواصل الاجتماعي خلال الأسابيع الماضية بقصص اختفاء الفتيات المسيحيات، وعودتهن، ويظل الغموض سيد الموقف. ففي حين تعاملت أسر الفتيات وذويهن مع الأمر على أنه اختطاف ومحاولة للـ"أسلمة"، تعامل البعض الآخر مع هذه الحوادث من واقع الخبرات الواقعية السابقة بقصص مشابهة على أنها مشكلات اجتماعية مستعصية الحلول، تجعل "المرأة المسيحية" تترك بيتها وأسرتها هربا من هذه المشكلات، والتي لن يتواجد لها حل من قبل قوانين الكنيسة، والتي بدورها تنكر وجود أزمات اجتماعية من طرفها، وتلقي بكل اللوم على اﻷسرة والمجتمع المسيحي إن اعترفت بمحاولات الهرب.
هل نساند حرية العقيدة والاعتقاد؟!
صرحت اﻷستاذة المحامية “نهاد أبو القمصان”، عضو المجلس القومي لحقوق الإنسان، في فيديو عبر حسابها على فيسبوك طارحة هذا السؤال، ورتبت الموقف المصري على مستويات أربعة. ارتأت فيها أن مصر تساند حريّة اﻻعتقاد على المستويين الدستوري والقانوني، أما على المستوى اﻹجرائي فيتم تسهيل الانتقال من المسيحية للإسلام بينما يمنع التغيير في الاتجاه العكسي. وأكدت أن مشاهداتها على المستوى الشعبي تقول بأن حرية اﻻعتقاد مرفوضة تمامًا وتغيير أي فرد لدينه يعامل معاملة الكارثة الكبرى فيما اسمته ب “نظام المكايدة” بين أعضاء الديانتين.
ويرى المحامي والباحث في علم اﻻجتماع القانوني “سعيد فايز” أن تغيير الدين حق إنساني محمي بقوة العهد الدُّوَليّ للحقوق المدنية والسياسية، الذي وقعت عليه الدولة المصرية، موضحًا أن غضب الأقباط يرجع لأن هذا الحق مقصور فقط في حالة التحول من المسيحية للإسلام، وأنه يتم تنظيم إجراءاته القانونية بمعرفة الدولة والأزهر. أما في حالة التحول من الإسلام للمسيحية، نجد عدم اعتراف من الدولة ولا يوجد تنظيم بل يوجد تجريم لهذا التحول؛ فنجد أحكام محكمة النقض تعتبر أن الخارج عن الدين الإسلامي هو والعدم سواء، ليس له أهليه قانونية أو شخصية فلا يرث أو يحق له/ا الوصاية أو الولاية على الأبناء.
خطف أم أسباب أخرى؟!
قسّم “فايز” بواعث التحول لعدة مجموعات رئيسية من اﻷسباب: قد يكون اقتناعًا، أو عَلاقة عاطفية مؤثمة اﻻستمرار دون تحوّل، أو هربا من خسارة أو مشكلة، أو طمعا في مكسب أو مركز قانوني، مشكلات الأحوال الشخصية هي مجموعة كاملة من مشكلات أصغر، بالإضافة للتغرير بالقصّر أو أي سبب آخر، لافتا النظر: “كثيرًا ما نجد الاختيار الشخصي المجرد، تحول إلى أزمة اجتماعية”.
وهو نفس ما أكدته المحامية “نهاد أبو القمصان” حين أشارت أن هناك عدة احتمالات مطروحة في تلك القضايا الملغّزة، فالإسلام لا يدعو إلى قطع صلة الرحم والانفصال عن العائلة. فلماذا الاختفاء؟ وأن تغيير الاسم يستلزم إجراءات معقّدة. فكيف تم بهذه السرعة؟ مشيرة بذلك إلى احتمالين مرجحين: الخطف، أو الهروب من الأهل والمشاكل الأسرية. وفي كلتا الحالتين يكون التغيير نابعًا عن ضغط وليس بالإرادة الحرة. ثم ناشدت النائب العام أن يستدعي الشخصية المثار حولها الجدل في مكان آمن بعيدًا عن ضغوط كل اﻷطراف للتأكد من أنها لا تتعرض لأي ضغط يؤثر على قراراتها.
في إشارة عن فرضية الخطف، والذي وصفته “نهاد أبو القمصان” بأنه إن صح وجوده فهو إرهاب أشد خطرا من إرهاب تفجير الكنائس، علق المحامي “شريف رسمي” قائلًا: “السيدات القبطيات عايشين في رعب و الأمهات خايفين علي بناتهم بجنون من انهم يتخطفوا. خلاصة الخلاصة … ربوا بناتكم علي محبة المسيح الحقيقية وشبعوهم محبة وحنان وأمان وامنحوهم ثقة بنفسهم و عزة نفس (نفس الشيء للزوجة) ساعتها مستحيل هتختفي أو تتخطف أيا كان المسمي سواء خطف أو اختفاء”
وأشار “شريف رسمي” في نفس السياق الخاص بهذه القضية إلى أنه يعمل في مِلَفّ اختفاء القبطيات منذ زمن، عرف فيه مئات القصص التي تنتهي دائمًا بأن أسرة الشخص المختفي نفسها تؤثر عدم توضيح أسباب المشكلة الحقيقية للرأي العام. متسائلا عن دور الكنيسة والبرلمان في تفعيل قانون أحوال شخصية يساعد على حل تلك المشاكل الاجتماعية المتكررة.
وناشد الأسر قائلًا: “المطلوب من الأهالي بعد عودة بنتهم .. الاعتراف بوجود مشكلة و العمل علي حلها فورا .. محاولة احتواء البنت وضرورة توصيل الحنان واشعارها بالأمان الحقيقي، مع وجود لغة حوار ونقاش نابعة من صداقة مع الأهل وثقة في عقلهم”
بينما أشار “سعيد فايز” إلى أنه: “ستكون الصدمة الأولى للمسيحين أنني لن أتكلم عن فرضية الخطف بل سوف أترك غير المختصين ينسجون الأساطير”، وتابع معللًا موقفه: “أنا مهتم بما يحدث نفسيًا واجتماعيًا وقانونيًا، ومدى تأثير ذلك على التماسك الاجتماعي للدولة”.
وبعيدًا عن عدم الاختصاص ونسج الأساطير، وضّحت الأستاذة المحامية “عزة سليمان” رئيسة مجلس أمناء مؤسسة قضايا المرأة المصرية، أن قضية مريم وهيب لم تكن جريمة خطف وإنما “عنف اسري”، وأن النساء القبطيات يحتجن للإحساس بانهن مواطنات في دولة مؤسسات تقوم بحمايتهن. واستطردت في توضيحاتها: “فيه ستات كتير بيروحوا أقسام الشرطة، أو بيخافوا يروحوا، ولا يتم حمايتهن لأنهن ناس تبع الكنيسة مش الدولة”
وأكدت “سليمان” على أنه: “نحتاج إلى قانون لحماية النساء من العنف، وتغيير قانون الأحوال الشخصية، الذي يجعل الناس تصل إلى الكفر وتغير الدين بعدما اتفقت عليهم كل الطوائف المسيحية، فيلجأون لتغيير الدين من أجل الخلاص”، وطالبت أن تكون النساء مواطنات، وأن مريم اختفت وظهرت ولم يعرف أحد ماذا حدث، كما طالبت بدور أكبر للمجلس القومي للمرأة، ووزارة التضامن الاجتماعي، والمجلس القومي لحقوق الإنسان. أيضا أشارت إلى أن عدم الشفافية في اختفاء السيدات، وعودتهن بعد انتشار أخبار عن تغييرهم لديانتهن، هو شيء شديد الْخَطَر يؤدي إلى اشتعال فتيل الفتن الطائفية.
تعمل “عزة سليمان” مع مؤسسة قضايا المرأة المصرية منذ بداية تأسيسها في عام 1995 من أجل المطالبة بقانون موحد للأحوال الشخصية يطبق على كافة المواطنات والمواطنين، قائم على مبادئ العدالة والإنصاف والمواطنة، وعلى قوانين الأحوال الشخصية للمسلمين وغير المسلمين، كما قامت المؤسسة على مدار كل هذه السنوات بإجراء موائد حوارية مع الكنيسة لدعم حق المصريين المسيحيين في قانون أحوال شخصية أكثر عدالة.
القاصر والبالغ
يقسم “سعيد فايز” التحول إلى الإسلام إلى عدة مستويات بحسب المركز القانوني والدعم اﻻجتماعي، وهي: إسلام قاصر أقل من ١٨ عاما – إسلام بالغ عازب تخطى ١٨ – إسلام متزوج معه أطفال، أخذهم لاختياره الجديد – إسلام متزوج معه أطفال تركهم للطرف الذي بقى على نفس معتقداته – الإسلام باختيار منفرد أو بواسطة دعم جماعات تهدف إلى أسلمة الأقليات وبالأخص مزدوجة الضعف الاجتماعي (امرأة + مسيحية).
إسلام قاصر أقل من 18 عاما
وضّح “فايز” أنه بخصوص إسلام قاصر أقل من ١٨ عاما، فإن القانون المصري رَقْم ١٢ لسنه ١٩٩٦ والمعدل بالقانون ١٢٦ لسنه ٢٠٠٨ يعرف الطفل بأنه كل من لم يتجاوز سنه الثامنة عشرة سنه ميلادية كاملة، والطفل هنا له حماية خاصة جنائية ومدنية ونفسية، ويشير إلى أن القانون يضع حماية للطفل حتى من أهله في حالة عدم أمانتهم عليه.
وأضاف: أنه لا يسأل الطفل أو يعاقب في بعض الحالات على ارتكاب الجريمة، وإن حدثت عَلاقة بين طفلة وبالغ، يعاقب الشخص البالغ بعقوبة الاغتصاب حتى لو أن هناك رضاء من القاصر، ويؤكد أن فلسفة المشرع ترى أن الرضا هنا يكون منقوصا ومنعدمًا لحداثة السن، وإمكانية التأثير النفسي والعاطفي على الإرادة بالترهيب أو الترغيب.
وتابع: “من غير المنطقي أن نقول إن حالة التحول الديني لقاصر هي نتاج معرفة أو دراسة للدين، ولكن أغلب الحالات هنا لمتحولين هي نتاج علاقات عاطفية وتفكك أسري يتم التغرير فيها بعقل القاصر”، ولفت إلى أنه: “كان من الجيد صدور قرار من الأزهر بعد ضغط خلال حكم الرئيس الأسبق مبارك بعدم جواز قَبُول إشهار إسلام من هم دون الثامنة عشر عاما.”
ووضّح أنه: “تظل الأزمة في اختفاء القاصر لحين اكتمال السن القانوني وظهورها في الأزهر تتمم إجراءات الإشهار”، وأشار إلى أنه: “بعد عام ٢٠١٣، كانت التعليمات الأمنية غير المكتوبة بضرورة تسليم القاصر إلي ذويها، فكان هذا القرار صاحب تأثير جيد جدا في احتواء الأزمة وتخفيف المشكلة لكونه قرار منطقي وقانوني”. وأكد: “لكن تظل الأزمة مع القاصرات في حالة استمرار الاختفاء وتجاهل الأمن لنداء أسرة القاصر”. وأشار إلى أنه: “على أرض الواقع يحدث تحايل بظهور القاصر وعقد زواج عرفي بينها وبين آخر، وقتها تجد النيابة نفسها في حرج، كون العقد سليم شرعا وباطل قانونا”، وتابع: “كما رصدنا في أكثر من واقعة بنات مختفية بتزوير أوراق ثبوتية لهن حتى تتم السن القانوني وتبدأ في إجراءات تغيير الأوراق”.
يرى “سعيد فايز” أن أزمة القاصرات قد تبدأ عاطفية فعلا أو بسبب غضب الطفلة من الأسرة، ولكنه أضاف: “وهنا لا نلوم إلا أسرة الفتاة سواء لعدم الاحتواء أو المتابعة ولن ننسى دور الكنيسة، لكن امتداد الأزمة يظهر متربصين يشكلون خلايا ويجمعون الأموال تحت شعارات نصرة الدين ومساعدة المسلمات الجدد، ومع هؤلاء لا نلوم إلا الأمن الذي سمح أو أجاز أو تجاوز عن وجود جماعات تستخدم أجندة بأموال خارجية تهدف إلى شق المجتمع بدعاوى دينية مستخدمين تعاطف الناس الديني. ولن أنسى فتاة كانت في زمن حكم الإخوان بالرغم من أنها قاصر ولكن تم استخدام موضوع الفتاة للحشد الديني وانشغل المسيحيين بعودتها والمسلمين بالنداء بحق أخواتنا المحبوسين في سجون الكنيسة، بينما كانت الفتاة في ليبيا مع الخلايا الجهادية متزوجة أحد الإرهابين هناك”
وفي هذا السياق قدم “شريف رسمي” النصيحة لأي أسرة تختفي منها قاصر قائلًا: “اعمل محضر اختفاء، ولو شاكك في حد معين هو سبب اختفائها اعمل محضر اختطاف واتهمه مباشرة. لو البنت المختفية قاصر والأمن وصل لها بترجع بنسبة ٩٩% وأظن أكبر دليل إن كل القاصرات في كل ربوع مصر رجعوا ما عدا مهرائيل صبحي فتاة شبرا الخيمة لإن الأمن موصلهاش”
مؤكدًا أن هذا هو الحل الفعال وليس النشر والصراخ على صفحات السوشيال ميديا والفضائيات التي جعلت “سيرتنا على كل لسان”. مشيرًا أن عدد القاصرات العائدات “بدون فضائح” أضعاف المنشور، ومطالبًا بشجاعة مواجهة الذات والاعتراف بأننا جزء من المشكلة التي تجعل بناتنا فريسة سهلة للمدربين على اصطيادهن.
إسلام بالغ/ة تخطى/ت سن ١٨ سنة وغير متزوج/ة
لفت “سعيد فايز” إلى استخدم لفظ اختفاء أو إخفاء قسري، موضحًا أنها جريمة، وأن الأزمة في اختفاء البالغ/ة يكون أسبابها من أطراف كثيرة، وليس طرفا واحدًا، وتحمّل المسؤولية لابد وأن يكون لكل الأطراف. وأوضح أن الاختفاء يكون عبر قصة عاطفية، وتابع: “رغم أنه حق إنساني أن تحب الفتاة وتختار وتتجوز ولو أرادت أن تغير دينها، لكن في الحقيقة أن هذه القصة البسيطة لعلاقة كلها مشاعر يكون معها عدة جرائم جنائية واجتماعية تجعلك تغضب من سذاجة البنت أو تساهل أسرتها أو تفكك الأسرة، ونصمت عن الجرائم لمجرد أن هناك خطأ منا، ومقابل الهروب من العار الاجتماعي”.
أشار “سعيد” إلى قصة رصدها بنفسه، لفتاة تعرفت إلى شاب عبر الأنترنت وبعد مدة اكتشفت أنه غير مسيحي، لكنها تعلقت به، وأصبح الاتفاق أن يرتبطا ويظل كل منهما على دينه. إلا أنه بدأ الحديث في الدين، وعندما حاولت التراجع هددها بالصور و”الشات” بينهما.
اقرأ أيضا:
كيف تقيّم هذا المقال؟
← إتجاه ← التقييم ← اﻷعلى ←
المتوسط الحالي حسب تقييمات من القراء
كن أوّل من يقيّم هذا المقال
من المحزن أن يكون تقييمك للمقال سلبيا
دعنا نعمل على تحسين ذلك
أخبرنا.. كيف يمكن تحسين المقال؟
نحاول تخمين اهتماماتك… ربما يهمك أن تقرأ أيضا:
- مجلس كنائس الشرق الأوسط والقضيّة الفلسطينية منذ أن تأسس مجلس كنائس الشرق الأوسط عام ١٩٧٤، وهو منشغل بالقضية الفلسطينية، ولا يكاد يخلو أي اجتماع من اجتماعاته من التعرض لهذه القضية، كما عقد المجلس على مدار نصف القرن من الزمان الكثير من المؤتمرات والندوات مطالبين بإقرار السلام القائم على العدل. منذ أسابيع، عقدت اللجنة التنفيذية لمجلس كنائس الشرق الأوسط اجتماعها الدوري في......