في نهاية الإصحاح الثالث عشر من إنجيل لوقا، قرأنا عن جدل كبير بين السيد المسيح وقادة اليهود بسبب شفاء المسيح للمرأة المنحنية منذ 18 عامًا. وجه رئيس المجمع اللوم للمسيح، لأنه كسر ناموسهم المتحجر وشفاها في يوم السبت قائلًا: «يا امرأة، إنك محلولة من ضعفك!» [1]. واستمر الجدل إلى أن انتهى الحوار بالعبارة الخالدة للسيد المسيح: هوذا بيتكم يترك لكم خرابًا! [2]. وأزعم أنه لو كان المسيح بيننا على الأرض الآن لقال لل الذين يسيطرون على (القبطية الأرثوذكسية): هوذا كنيستكم تترك لكم خرابًا، بعدما تمخض ، عقب اجتماع اللجنة الدائمة، وقرروا إلغاء رسامة ال، للشماسات، واستجابوا لابتزاز وأفكار الفريق الأصولي بزعامة ، أسقف مغاغة والعدوة.

بيان اللجنة الدائمة للمجمع بخصوص رسامة شماسات

لن أناقش في هذا المقال مدى صحة رسامة الأنبا بولس للشماسات، التي كتب عنها متخصصون مستشهدين بالكتاب المقدس والتقليد الكنسي، ووجود شماسات سواء في أو في كنائس أخرى تقليدية شريكة في الإيمان، مثل كنيستي السريان والأرمن الأرثوذكس. (للمزيد، يمكن الرجوع إلى سلسلة: د. أندرو يوسف، سلسلة المرأة والة [3] ). وسأكتفي هنا بوقفة مع ال ومجمع الأساقفة.

من المحبة إلى الرخاوة

يشتهر البابا تواضروس الثاني بأنه “بابا المحبة”، وهو لقب اكتسبه عن حق نتيجة تقديمه الكثير من المحبة تجاه شعبه والكنائس والطوائف الأخرى، وحتى مع الحرس القديم من الأساقفة الطامعين في كرسي بابا الإسكندرية منذ عهد ال، ومع لجانهم الإلكترونية المأجورة الذين لم يتركوا مناسبة ولم يفوتوا فرصة إلا وهاجموا البابا تواضروس وأي أسقف لا ينتمي إلى تيارهم المتطرف، كما حدث مع الأنبا بولس. ولكن أرجو أن يراجع البابا تواضروس نهجه في التعامل مع تلك العصابات ال، فالهوة شاسعة بين المحبة والسلبية وبين الحزم والتراخي، وطيلة الوقت نجد هذا التيار العصابي يقابل المحبة وطول الأناة بمزيد من القساوة والتمادي في الغيّ. وللأسف، يبدو من البيان الصادر عن اللجنة الدائمة لمجمع الأساقفة برئاسة البابا تواضروس أن للكنيسة بطريركًا رسميًا وبطريركًا خفيًا يدير من خلف الستار، والكنيسة كلها تستجيب لما يمليه ويفرضه.

والسؤال هنا، على فرض أن الأنبا بولس أخطأ برسامة شماسات في إيبارشية أوتاوا ومونتريال وشرق كندا، فما هو دخل الأنبا أغاثون، أسقف مغاغة والعدوة، في أن يعترض أو يرفض هذه الرسامة؟ وما فائدة قوانين مجامع الكنيسة التي تحصر صلاحيات الأسقف داخل نطاق إيبارشيته؟ ولماذا لا تُطبق عليه؟ ولماذا يخرج في بيانات ولقاءات على الهواء ليعلق على كل كبيرة وصغيرة تحدث في الإيبارشيات الأخرى ويقرر من قلب مغاغة ما يجب أن تسير عليه الكنيسة؟ أليس هذا افتئاتًا على دور البابا ومجمع الأساقفة؟ أليس هذا تطاولًا وتعديًا على سلطات غيره من الأساقفة، خاصةً أن لا يملك سلطة زائدة عنهم، وقوانين الكنيسة تمنع تدخل أسقف في شؤون إيبارشية أخرى غير المسؤول عنها؟ وإذا كان فعلًا يغار على الإيمان كما يدعي، أليس هناك نظام داخل المجمع ولجانه يسمح باستقبال شكاوى الأساقفة، والتعامل معها من خلال اللجان المختصة ودراساتها والتحقيق فيها، ثم إصدار النتائج والقرارات؟

فهل تنازل البابا تواضروس عن منصبه لصالح اﻷنبا أغاثون؟ وإذا لم يحدث هذا، فلماذا يستأسد البابا وأعضاء اللجنة الدائمة على اﻷنبا بولس الذي لم يخالف قوانين وتقاليد الكنيسة برسامة شماسات بينما ينعم اﻷنبا أغاثون بالحرية الكافية ليمارس التحرش اللاهوتي على كل الكنيسة دون حساب أو ردع؟ خاصة أنها ليست المرة اﻷولى لـ”هذا الأسقف” [4]، الذي مارس كثير من البلطجة على البابا تواضروس نفسه في مواقف سابقة وعلى غيره من اﻷساقفة، وفي إحدى المرات كان سيعاقب لتطاوله على البابا، ولجأ لكباره في الحرس القديم الذين توسطوا له لدى البابا ليقدم اعتذار وينجو من العقاب.

والسؤال هنا: كيف يمكن لنا كمتلقين أن نحترم قرار اللجنة الدائمة لمجمع الأساقفة، ونحن نرى أن عدالتكم عوراء تأتي على المحترم الذي تعرض للهجوم والتطاول من قبل من ليس له سلطة ليفعل ذلك، وتتركون المُتحرش الرعوي يمارس أعمال السيادة على إخوته؟

أحلال لدمياط، حرام على كندا؟

نفس صفحة المتحدث الرسمي باسم الكنيسة القبطية اﻷرثوذكسية التي نشرت البيان المعيب للجنة الدائمة للمجمع، يوم الجمعة 21 نوفمبر 2025 وجاء فيه: وبعد مناقشة نيافته في بعض اﻷمور الرعوية باﻹيبارشية، اتضح أنه اختلط على نيافته اﻷمر في موضوع إقامة فتيات كشماسات، وعليه يعتبر اﻷمر كأنه لم يكن، نشرت بيانًا في السبت 20 مايو 2017 بعنوان: رتبة “الشماسة الكاملة” لـ8 مكرسات بالبراري وجاء في البيان [5] :

قام نيافة الأنبا بيشوى وكفر الشيخ والبرارى ورئيس دير القديسة دميانة صباح اليوم في عيد تكريس كنيسة القديسة دميانة بصلاة القداس الإلهى بكنيسة الراهبات بالدير وخلاله قام نيافتة بمنح ٨ مكرسات رتبة الشماسة الكاملة.

(المتحدث باسم الكنيسة، بيان رسمي مايو ٢٠١٧)

السؤال هنا موجه إلى قداسة البابا تواضروس وأعضاء اللجنة الدائمة من للأساقفة، وإلى الأنبا أغاثون ولجانه الإلكترونية: ما هو الفارق بين رسامة الأنبا بيشوي لشماسات كاملات، ورسامة الأنبا بولس للشماسات؟ أم أنه حلال لبيشوي لأنه زعيمكم (أقصد أغاثون ولجانه الإلكترونية) وحرام على بولس لأنه ليس منكم؟

في كل الأحوال، فالعيب ليس في التيار المتشدد الرجعي على رجعيته، بل العيب على من في يده السلطة ولم يعدل فيها، ثم فرط فيها، وتخاذل مع تسلطهم على الخلق، واليوم خضع ﻻبتزازهم وألغى رسامة قانونية لشماسات كل ذنبهن أن قيادة الكنيسة ضعيفة ولا يمكن أن تأخذ قرارات رعوية في مواجهة العنصرية تجاه المرأة، فتخضع ﻻبتزاز الذباب اﻹلكتروني وبلطجتهم الصوتية، فاستأسدوا على الفتيات وعلى أسقف كندا الذي رسمهن.

كما أشجع الأنبا بولس على ردة فعله تجاه الأنبا أغاثون واعتدائه على اختصاصاته كأسقف مسؤول عن أوتاوا ومونتريال وشرق كندا. وظهر ذلك في حوار مع رعيته، وظهرت عبارته الشهيرة “come on boy” فهي ردة فعل طبيعية لإنسان حر، وأب وراعٍ، يعرف أن له دورًا في حماية أبنائه وبناته، وألا يروه متخاذلًا كما يفعل غيره في مواجهة التغول الريفي الرجعي ولجانه الإلكترونية.

 

الأمر العجيب فيما يخص جماعة حماة اﻹيمان والمسؤولين عنها داخل الكنيسة أنه ينطبق عليهم قول السيد المسيح في إصحاح الويلات [6] الذي وبخ فيه الكهنة والفريسيين على أفعالهم المتشددة وعبادتهم للحرف على حساب الناس. فنجد مُكرسة التي حصلت على رتبة شماسة وتكتب اسمها على حسابها بموقع فيسبوك “Deaconess Fiby” أي “الشماسة فيبي” تطالب مع اﻷنبا أغاثون رفيق الكفاح بإلغاء رسامة الشماسات في كندا.

الشماسة المكرسة فيبي تعترض على رسامة شماسات

«لكن ويل لكم أيها الكتبة والفريسيون المراؤون! لأنكم تغلقون ملكوت السماوات قدام الناس، فلا تدخلون أنتم ولا تدعون الداخلين يدخلون.

(إنجيل متى ٢٣: ١٣) 

يذكر أن الشماسة فيبي، أكبر المكرسات في أسقفية الشباب، انتقلت للخدمة من الكاتدرائية بالعباسية ودير الملاك في الدمرداش بوسط القاهرة إلى دير جديد باسم “الشماسة فيبي” في مزرعة عرابي بمدينة العبور شرق القاهرة. ولا ندري هل اسم الدير على اسم “الشماسة فيبي” تلميذة ، أم فيبي شماسة ومكرسة أسقفية الشباب؟

الجهل ينتصر في كنيسة اﻹسكندرية

منذ أن اعتلى البابا الأُميّ ديمتريوس رقم 12، الشهير بـ”الكرام”، كرسي القديس مرقس، بدلًا من أساتذة ومديري اللاهوتية، أصبحت كنيسة الإسكندرية تنزف من مكانتها كمنارة للاهوت بتحكم شخصيات لم تتلقَ تعليمًا كافيًا في مصير ومستقبل الكنيسة. فقد كره ديمتريوس العلوم واللاهوت، وتسلّط على العلامة أووس كأحد أهم مفكري ولاهوتي المسيحية عمومًا وليس كنيسة الإسكندرية فقط، واضطهد ديمتريوس إلى أن غادر مصر. ويتكرر نفس السيناريو على مدار التاريخ، وشاهدنا في عصرنا الحالي اضطهاد السلطة الكنسية في عهد البابا شنودة للأب والدكتور وغيرهم. وأخيرًا، اعترض أساقفة المجمع على حضور سيمنار يحاضر فيه الأكاديمي واللاهوتي دكتور فلتس، ووقتها تراجع البابا تواضروس عن تنظيم السيمنار.

ورغم أن البابا تواضروس، منذ اختياره في 4 نوفمبر 2012 ليجلس على ، يدرك جيدًا اتساع الكنيسة وانتشارها في قارات العالم الست المأهولة بالسكان، ويدرك جيدًا -كما صرح وقتها- أن الزمن تغير وصارت هناك ثورة ة كبيرة تستدعي من الكنيسة أن تواكب تلك التطورات وهي تخدم أبناءها، خاصة أن تحديات الكنيسة القبطية في السويد وكافة الدول اﻹسكندنافية تختلف عن تحديات الكنيسة في الوجه البحري بمصر، وتحديات الكنيسة في كندا وأمريكا تختلف تمامًا عن تحديات الكنيسة في مغاغة والعدوة، إلا أنه في كل مرة يحاول أسقف أن يتصرف في إيبارشيته وفق احتياجاته الرعوية، يخرج له أسقف مغاغة رافضًا ويحاول فرض ثقافته الرجعية على غيره من اﻹيبارشيات خارج مصر، وكأن حدود كنيسة اﻹسكندرية ﻻ تتسع حدود مركزي مغاغة والعدوة بالمنيا في جنوب مصر.

حينما طلب الأنبا سرابيون، ، الاحتفال ب في 25 ديسمبر – وبالمناسبة هو الموعد الأدق للاحتفال بالعيد – وفقًا لمتطلبات البلد التي يعيش بها ونظام الإجازات وارتباط الرعية بالامتحانات وأشغالهم، خرج أسقف مغاغة ليعترض وكأن موعد العيد من ضمن قانون الإيمان لا يمكن المساس به، في حين أنه أمر تافه مرتبط بالحسابات والتقويم ويخضع لتقدم العلم، ويتمسك بالموعد القديم باعتباره أمرًا إلهيًا نزل من السماء، رغم أن المسيحية لا يوجد بها وحي مُنزّل من السماء.

ونفس الأمر يتكرر مع رسامة شماسات، وهو أمر لا يخالف الكتاب المقدس ولا التقليد الكنسي. ومع ذلك، تدخل أغاثون مغاغة ليملي رفضه على أسقف شرق كندا، وهو بالفعل جاهل بالتحديات التي تواجه الكنيسة في المجتمع الكندي، وكيف أن أمرًا مثل رسامة الشباب والشابات شمامسة هو مجرد خطوة بسيطة لربطهم بكنيستهم الأم وإيمانها، رغم أن الأسهل هو انتمائهم لمجتمعهم الكندي الذي ولدوا وعاشوا فيه.

ألا يوجد عاقل يدرك إن هذه الكنيسة كبيرة، وعليها أن تفتح ذراعيها، وتعي وتستوعب كل أبنائها بكل ثقافتهم واختلافاتهم؟ وأخيرًا، بعد هذا العراك هل فكر أحد من مجمع أساقفة كنيستنا في نفسية الفتيات اللاتي تمت رسامتهن وهن يشعرن إنهن ينظر لهن باحتقار ﻷنهن نساء، رغم إنهن يعيشن في مجتمع يحترم النساء وﻻ يحتقرهن، أليس رابح النفوس حكيم [7] أم أن السبت أهم من اﻹنسان؟  قبل أن يتخذوا قرارهم “كأن اﻷمر لم يكن”؟

استيقظوا قبل أن تتحول هذه الكنيسة إلى “خراب”.

‎ ‎ هوامش ومصادر: ‎ ‎
  1. إنجيل لوقا 13: 12. [🡁]
  2. إنجيل لوقا 13: 35. [🡁]
  3. أندرو يوسف، المرأة والليتورجية، سلسلة من خمس مقالات نشرها على صفحته الشخصية. [🡁]
  4. ، هذا الأسقف، بتاريخ 28 نوفمبر 2022. [🡁]
  5. صفحة المتحدث باسم الكنيسة، رتبة “الشماسة الكاملة” لـ8 مكرسات بالبراري، بيان رسمي بتاريخ مايو ٢٠١٧. [🡁]
  6. راجع الإصحاح رقم 23 من إنجيل متى. [🡁]
  7. سفر اﻷمثال 11: 30 [🡁]

كيف تقيّم هذا المقال؟

← إتجاه ← التقييم ← اﻷعلى ←

المتوسط الحالي 4.6 حسب تقييمات 10 من القراء

كن أوّل من يقيّم هذا المقال

بما أن المقال أعجبك..

ربما اﻷفضل مشاركته مع دوائرك كي يحظى بانتشار أوسع

من المحزن أن يكون تقييمك للمقال سلبيا

دعنا نعمل على تحسين ذلك

أخبرنا.. كيف يمكن تحسين المقال؟

پيتر مجدي
[ + مقالات ]

باحث وكاتب صحفي متابع للشأن الكنسي وشؤون الأقليات.
زميل برنامج زمالة الأقليات- مكتب المفوض السامي لحقوق الإنسان- ، جنيف/ ستراسبرج 2023.
زميل برنامج "" () لشبونة 2022.

‎ ‎ نحاول تخمين اهتمامك… ربما يهمك أن تقرأ أيضًا: ‎ ‎