اليمين العلماني الجديد ده ضد الديمقراطية أصلًا، وضد الممارسة السياسية، وضد الشعب بالمرّة كمان. واللي بيتهمونا إننا مركوبين من الإسلاميين، دول اتركبوا قبلنا في ١٩٨٤ وفي ٢٠٠٥، فلا تعايرني ولا أُعايرك.(رفيق يساري)
التعبير “ضد الشعب” يذكرني بخطاب لهتلر وهو يتكلم عن أحزاب جمهورية ڤايمار، وهو يعد قبل وصوله لمنصب المستشارية بحل كل الأحزاب التي هي “ضد الشعب”.
حسنًا يا رفيق، هل انتهيت من حديثك؟
تعال لنشرح التفاهة التي كتبتها، لأن الموضوع ليس شعارات وعناوين تُرص جوار بعضها.
تجربة الوفد ١٩٨٤
حزب الوفد في هذا الوقت تحديدًا لم يُعرّف نفسه كحزب ليبرالي، ولا الوفد أصلًا عرّف نفسه في أيّ وقت بأنه حزب ليبرالي.
مصطلح الليبرالية، هو مصطلح جديد على السياسة المصرية. بل انظر يا أخي لعجائب القدر، عندما تعود لسنة ١٩٨٤، تكتشف أن فؤاد سراج الدين شخصيًا نزل الانتخابات بصورة ماسكًا فيها سبحة
، وله تصريحات رسمية مسجلة في أثناء الحملة الانتخابية وهو يؤكد على التزام الحزب بالاشتراكية وبمبادئ الشريعة الإسلامية وبأهمية إعادة مصر للمحيط العربي والإسلامي وبرفض كامب ديڤيد، ومنذ ذلك الوقت كان الوفد حاجزًا لمرشحيه رمز النخلة. وتأمل معي، ما هو شعار الوفد في أثناء خوض الانتخابات؟ أصلها ثابت وفرعها في السماء
.
في ذلك الوقت، طرح سراج الدين تقريبًا نفس الطرح الساذج الذي طرحه نجيب ساويرس لاحقًا بعده بثلاثين سنة، عندما استعان بـعالمة
ليس لها أي علاقة بتوجه حزب المصريين الأحرار، وقالها علنًا في أحد اجتماعات الحزب: أنتم عايزين مقاعد ولا عايزين شعارات؟
فـوفد إيه اللي أنت جاي تقول عليه
يا رفيق؟!
تجربة أيمن نور ٢٠٠٥
التجربة الثانية التي قرر الرفيق أن يستشهد بها هي أيمن نور في ٢٠٠٥، وإحقاقًا للحق، فأيمن نور كتلميذ لفؤاد سراج الدين، هو أيضًا يفكر بنفس المنطق البراجماتي الذي اقتنع جيلنا من الليبراليين بفشله، وهو أنه من الممكن صياغة تحالفات انتخابية مع تيارات شعبوية تُحسن من وضع القوى المدنية في التمثيل السياسي.
ورغم ذلك، لا يستطيع أحد أن يجزم كم صوت أخذ أيمن نور في ٢٠٠٥ من الإخوان المسلمين، ولا الإخوان أعلنوا رسميًا تأييدهم لأيمن نور أصلًا. والحقيقة أيضًا أن أيمن نور آنذاك طرق أبواب كل الأحزاب وكل الجماعات السياسية طالبًا الدعم، ولم يكن الموضوع مقتصرًا على الإخوان المسلمين، بل زار حتى الاشتراكيين الثوريين والحزب الناصري وحزب التجمع وحزب الوسط، ذهب للكل، ولكن الذي أُبرِز كان زيارته للإخوان، وجيلي وقتها انتقد بشدة هذا التصرف.
أما نحن، فعندما نقول إنكم مركوبين من الإسلاميين، فالحكم يأتي بناءً على مواقفكم السياسية المتماهية مع كل الجماعات الإرهابية، ومع حنينكم الدفين تجاه الملالي في طهران، الذين زارهم الكثير منكم في رحلات مدفوعة من الحكومة الإيرانية. دفاعكم عن حركة طالبان وحزب الله وحماس والحوثيين وتنظيم القاعدة أحيانًا بوصفها حركات مقاومة، ومواقفكم المتماهية مع كل تيارات الفاشية الإسلامية والقومية من كل التكتلات السياسية للأقليات في كل الأقاليم العربية: الأكراد والدروز والموارنة، وحديثًا الأقباط أيضًا.
حتى في الشأن المحلي
بالمناسبة، لسنا نحن من اتهمكم بالاستهتار بقضايا المرأة، مثلًا، ولا نحن من فضحكم في قضايا التحرش والتستر على المغتصبين، ولا نحن أيضًا من فضحناكم وقلنا إن قيادات اليسار كانت تقول للرفيقات اليساريات: إيه المشكلة لما تتحجبوا كام سنة في مقابل إننا نغير النظام السياسي؟
، وهناك فضائح أكثر بكثير، ولكن لا داعي لذكرها حاليًا. من فضلكم، لا تجبرونا على أن نجيبلكم من تحت الحوض
لو سمحت!
أما عن حكاية إنهم ضد الممارسة السياسية من حيث المبدأ بوصفها الطريق الملكي لهيمنة الإسلاميين.
فحقيقة لا أدري كيف إن رفيق يساري يقول مثل هذه الجملة، فماذا ترك لـ”عيال الإخوان”!!
لأن الليبراليين في مصر لم تكن لديهم مشكلة قط مع الانتخابات، ولكن مع ضوابط النظام السياسي من الأساس، ومع تكافؤ الفرص وبناء الأرضية السياسية للأحزاب، كل الأحزاب، ومع النظام الانتخابي، ومع تقسيم الدوائر، ومع نزاهة وشفافية العملية والرقابة على التمويل.
فنحن كليبراليين، بالنسبة لنا أن ينجح حزب اشتراكي في الانتخابات أفضل ألف مرة من نجاح إسلامجي أو دولجي، وبالمناسبة، هذا تاريخ مُسجَّل، عرضنا عليكم التمويل والتحالف في كل الفترة بين ٢٠١١ و٢٠١٣، لكن كالعادة كنتم مُتعالين وأخذتكم العزة بالإثم، وشتمتم من دخل الكتلة المصرية، وبعضكم ذهب لقائمة اﻷجهزة “الثورة مستمرة” أو ذهب لتملق الإخوان.
ثم هل طريقة إدارة الانتخابات في مصر كانت تأتي باليساريين مثلًا؟ ارجع -يرعاك الله- إلى كل برلمانات مبارك، وستجد أنه دائمًا ما يحافظ على الإخوان كأكبر كتلة برلمانية معارضة. حتى في تحالف الوفد والإخوان عام ١٩٨٤، أنجحوا عدد أكبر من البرلمانيين الإخوان لكي يبقوا أيضًا الكتلة الأكبر، وبعدها، انفَضَّ التحالف بمجرد انتهاء الانتخابات.
هل كسب اليسار أي شيء في أي انتخابات؟
هل رأيت الإسلاميين يطالبون بالانتخابات في أي وقت وهم متأكدون أنهم سيخسرون فيها؟ لقد قضوا سنة كاملة يرفضون أي انتخابات لأنهم كانوا يعرفون أنهم سيخسرون.
هل عمرك رأيت الإسلاميين يقبلون بنظام انتخابي يخسرهم مقاعد؟ كانوا يعلمون أن قانون الانتخاب سيصدر بشكل غير دستوري، ومع ذلك يكملون فيه!
هل رأيت في أي ديمقراطية عريقة حزبًا يطالب بانتخابات مبكرة وهو يعلم أنه سيخسرها؟
كنت أود أن آخذ رأيك بجدية كي أرد عليه في هذا الصدد، لكن الحقيقة أن الطرح مُراهِق لدرجة أنه لو تُرجم لأي لغة، فسيضحك من يقرأه، والله!
