عن (إنجيل مرقس ١: ١–٨) للراهب إدوارد سخلبيكس الدومنيكانيّ (ترجمة بالعامية المصرية)
في أحد القداسات قرأنا بس كام آية من مقدّمة إنجيل مرقس الطويلة وهي الآيات اللي بتتكلم عن “السابق” بتاع يسوع، يوحنا المعمدان. ساعات من الكويس إننا نوقّف شوية عند المرحلة الأولى دي من قصة الخلاص المسيحي.
مقدمة إنجيل مرقس ممكن نتخيلها كأنها بداية مسرحية دينية من اللي كان بيكتبها الشاعر الهولندي ڤوندل: قبل ما يبدأ الحدث الكبير، بيظهر على المسرح رسول [1] بييجي يقدّم البطل الحقيقي للجمهور.
الرسول ده مش بيكمّل في الحدث، هو بس بيعلن إن في حاجة عظيمة جاية، وبعد كده بيختفي، ساعات بيختفي للأبد. وساعات يرجع في النص علشان يقول للجمهور اللي حصل ورا الكواليس، أو يوضحلهم حاجات شخصيات المسرحية لسه ما تعرفهاش، لكن الجمهور محتاج يعرفها علشان يفهم اللي بيحصل.
فالمقدّمة دي مش عن الرسول نفسه، رغم أنه هو اللي بيظهر الأول. وده ممكن يسبب لبس، لأن كل التركيز الأول بيبقى عليه. لكن هو نفسه بيحاول يمنع سوء الفهم ده، وبيقول لنا إن الدراما اللي جاية مش عنه، بل عن شخص أقوى وأعظم منه [2].
في قصة النهاردة من إنجيل مرقس، يوحنا المعمدان هو الرسول ده الملاك أو المُبشِّر اللي بيمهّد الطريق. هو اللي بيقدّم الشخص الرئيسي في القصة: يسوع الناصري.
كمان هو اللي بيشرح للجمهور، اللي هما القرّاء، مين يسوع ده في الحقيقة. أما الشخصيات اللي جوه الحدث، التلاميذ وباقي اليهود، فكانوا لسه في الوقت ده ما يعرفوش الحقيقة دي.
والتوتر في القصة نابع من النقطة دي بالذات: إنهم مش عارفين، لكن الجمهور اللي بيقرأ عارف إيه اللي بيحصل.
فيوحنا، الرسول والمقدّم، بيحاول يجهّز الجمهور لظهور البطل الرئيسي، وبيكشف سره من قبل ما يدخل المشهد. وبعد كده، بيختفي من المسرح -حرفيًا ونهائيًا عند مرقس [3]، ومش بيظهر تاني غير في فلاش باك [4].
علشان نفهم المقطع القصير ده كويس، ونفهم معناه لينا النهاردة، خصوصًا في زمن المجيء (الاستعداد للميلاد)، لازم نلاحظ إنّه في الحقيقة نسيج متشابك من ذكريات ونصوص من العهد القديم: [5].
النصوص دي بقى كانت السبب في نشوء آمال مسيانيّة كتيرة في زمن يسوع.
اليهود وقتها كانوا عايشين أزمة حقيقية، وكان عندهم رجاء في مجيء موسى جديد وتحرير جديد.
الرجاء ده كان دايمًا مربوط بظهور رسول شِبه موسى، ييجي بالأخبار السارة، ويعلن بصوت عالي عن قرب لحظة التحرير. وفي نفس الوقت، كان الناس شايفين إن الرسول المنتظر ده هو نفسه إيليا النبي اللي اتاخد للسماء، واللي هييجي مرة تانية في يوم من الأيام قبل المخلّص.
كل التوقّعات دي بتتجمّع سوا في أول آيات إنجيل مرقس. بس مرقس بيقدّم الحدث الحقيقي، لبّ البشارة، الحدث التاريخي اللي هو يسوع نفسه، وبيستخدم لغة وصور من سفر إشعياء الثاني [6] النص اللي كاتبه نبي مجهول من آخر فترة السبي البابلي. واحنا لسه سامعين النص ده، وهو المفتاح الأساسي علشان نفهم مقدّمة إنجيل مرقس.
بداية إنجيل مرقس تشبه جدًا بداية سفر إشعياء ٤٠ فالاتنين مقدّمات لنفس الفكرة. في الحالتين، في رسول مبعوث من الله، لازم “ينادي بصوت عالي” إن تحرير الناس المذلولين والمقهورين قرب جدًا، بل هو ابتدا فعلًا يحصل. [7]
صدر للكاتب:
كتاب نقدي: اللاهوت السياسي، هل من روحانية سياسية؟
تعريب كتاب جوستافو جوتييرث: لاهوت التحرير، التاريخ والسياسة والخلاص
تعريب كتاب ألبرت نوﻻن الدومنيكاني: يسوع قبل المسيحية
تعريب أدبي لمجموعة أشعار إرنستو كاردينال: مزامير سياسية
تعريب كتاب البابا فرانسيس: أسرار الكنيسة ومواهب الروح القدس
