في ضوء الأحداث الطائفية المؤسفة التي شهدتها قرية نزلة الجلف التابعة لمركز بني مزار بمحافظة المنيا خلال الساعات الماضية، والتي أسفرت عن توترات واشتباكات بين عدد من المواطنين، وأدت إلى إتلاف بعض الممتلكات الخاصة، نؤكد أن ما وقع يُمثل حلقة جديدة من سلسلة أحداث متكررة تضرب في عمق قيم التعايش والمواطنة التي يقوم عليها المجتمع المصري، وأن التعامل مع مثل هذه الوقائع لا يحتمل التهاون أو التسويف.

إن ما حدث في المنيا لا يمكن اعتباره حادثًا فرديًا أو خلافًا عابرًا، بل هو واقعة طائفية تمسّ نسيج الوحدة الوطنية، وتستوجب تحركًا فوريًا من أجهزة الدولة كافة. فتكرار هذا النمط من الأحداث في المحافظة ذاتها على مدى السنوات الماضية يؤكد وجود جذور اجتماعية وثقافية تحتاج إلى دراسة ومعالجة شاملة. ولا يجوز بأي حال من الأحوال أن نكتفي بالمعالجات الأمنية المؤقتة أو بالتصالحات الشكلية التي لا تُنهي أسباب التوتر من جذورها.

لذلك، نطالب بتحقيق عاجل وشفاف في تفاصيل ما جرى، وإعلان نتائجه للرأي العام، وضمان تطبيق القانون بكل حسم وعدالة على جميع الأطراف دون أي استثناء أو تمييز، حتى لا يتكرر هذا المشهد مرة أخرى. كما نُعلن رفضنا القاطع لما يتردد عن عقد جلسات عرفية لتسوية الخلاف، لأن مثل هذه الممارسات تُكرّس مناخ الإفلات من العقاب وتضعف الثقة في مؤسسات الدولة، وتمثل التفافًا على القانون، في حين أن العدالة وحدها هي التي تضمن الأمن والاستقرار الحقيقيين.

حيث أن دولة القانون يجب ألا تعرف التهاون ولا تعترف بالعُرف حين يتعارض مع العدالة، ومن واجبنا جميعًا أن نصون وحدة الوطن ونحمي نسيجه من أي محاولة للتمزيق، عبر تطبيق القانون على الجميع بلا استثناء، وترسيخ ثقافة أن المصريين جميعًا شركاء متساوون في الحقوق والواجبات، لا تفرقهم عقيدة ولا مذهب، بل تجمعهم راية واحدة هي الراية المصرية.

كما نُذكّر بأننا سبق أن تقدمنا في مجلس النواب منذ أكثر من عامين بأوّل مشروع قانون لإنشاء مفوضية مكافحة التمييز، تنفيذًا للاستحقاق الدستوري المنصوص عليه في الفقرة الأخيرة من المادة (٥٣) من الدستور المصري، والتي نصّت على أن تلتزم الدولة باتخاذ التدابير اللازمة للقضاء على كافة أشكال التمييز، وينظم القانون إنشاء مفوضية مستقلة لهذا الغرض.

ورغم مرور ما يقرب من عشر سنوات على هذا النص الدستوري، لم يُناقَش مشروع القانون حتى الآن، على الرغم من أنه يمثل أحد أهم الأدوات التشريعية لترسيخ المساواة وتعزيز قيم المواطنة ومنع تكرار مثل هذه الأحداث المؤسفة.

في هذا السياق، فإننا نُشدد على أن إنشاء مفوضية مكافحة التمييز بات ضرورة وطنية عاجلة وليس ترفًا سياسيًا؛ فهي التي ستعمل على رصد مظاهر التمييز والتعصب، ومعالجة الأسباب الاجتماعية والثقافية التي تُنتج مثل هذه التوترات، إلى جانب اقتراح السياسات والإجراءات الكفيلة بتعزيز ثقافة التعايش والسلام المجتمعي.

وفي الختام، نؤكد أن ما جرى في المنيا هو جرس إنذار جديد يستوجب وقفة حقيقية من الجميع؛ الدولة والأحزاب والمؤسسات الدينية والمجتمع المدني والإعلام، لمواجهة خطاب الكراهية والتعصب، والعمل على بناء وعي وطني جامع يقوم على قيم المساواة والاحترام المتبادل والمواطنة الكاملة. فترك مثل هذه الأحداث تمرّ دون مُحاسبة حقيقية أو مُواجهة فكرية ومُجتمعية حازمة يعني أننا نسمح بتكرارها في المستقبل بصورة أوسع وأكثر خطورة.

كيف تقيّم هذا المقال؟

← إتجاه ← التقييم ← اﻷعلى ←

المتوسط الحالي 4.3 حسب تقييمات 6 من القراء

كن أوّل من يقيّم هذا المقال

بما أن المقال أعجبك..

ربما اﻷفضل مشاركته مع دوائرك كي يحظى بانتشار أوسع

من المحزن أن يكون تقييمك للمقال سلبيا

دعنا نعمل على تحسين ذلك

أخبرنا.. كيف يمكن تحسين المقال؟

مها عبد الناصر

مها عبد الناصر

عضو مجلس النواب في البرلمان المصري   [ + مقالات ]
‎ ‎ نحاول تخمين اهتمامك… ربما يهمك أن تقرأ أيضًا: ‎ ‎