ننقل في سطورنا هنا ما جمعه الأب ال في كتابه القداسات الثلاثة متقابلة مع الضبط والشرح والصادر عام 1979م [1]، وتأتي أهمية هذا في أنه يستند إلى آباء الكنيسة الأعمدة الثقات، بعيدًا عن جدل أطروحات العقود الأخيرة، الذي جاء متأثرًا بما تقول به الأدبيات اليهودية والإسلامية، والتراث الشعبي السائد.

وقد ركز الكاتب على آراء آباء القرون الأولى وعلى ما قالت به ال، تعاليم الرسل، وهو كتاب يعد من أهم كتابات فجر المسيحية، ويقدم لنا خبرات تفاعل العقيدة بالواقع وكيف قدمت كنيسة الرسل رؤيتها في إشكاليات الكنيسة وقتها، وعلى ذكر كتاب الدسقولية ننوه بتوافر نسخة عربية مدققة له، إعداد وتعليق الأستاذ الدكتور ، المستشار ونائب رئيس مجلس الدولة. وقد حظي الكتاب في نسخته هذه، حسب ما وثقته مقدمته، بتقدير خاص من قداسة ال الثالث الذي قدم عنه في عرضًا شاملًا، قال فيه: إن الكتاب ثمرة بحث مدى عشرين سنة (من 1958 إلى 1978) عكف فيه المؤلف على تعاليم الرسل؛ وما تشملها من شرح الرعاية وطبيعة الكنيسة وشئون عبادتها، وما يتعلق بهذا من مفاهيم مسيحية أخذت أصالتها منذ القرون… كتاب الدسقولية ـ كتابان: عرض للدسقولية وبحث لاهوتي كتابي.

دعونا نقرأ معًا الرؤية الكنسية “الأرثوذكسية” لطهارة الجسد والتناول:

وقيل لنا إنه يتحتم علينا أن لا نتقدم إلى الذبيحة أو الصلوات إلا ونحن مغتسلون وفي نضارة وبهاء، حيث أن الكنيسة هي جماعة الذين يسجدون في الصلوات ويعطون أصواتهم بانسجام كما من فم واحد.

( السكندري)

ولكن علينا أن نستعد لكي نقترب من الحَمَل السمائي وأن نؤهل للمس الطعام السمائي، كان التناول يُعطى في يد المتناولين، ولكن أُبطلت هذه العادة، بسبب سوء استخدامها.

(البابا )

بخصوص الذين يحدث لهم فيض [استحلام] ليلي بدون إرادتهم؛ عليهم أن يتبعوا شهادة الضمير فالذي يتشكك كما في أمر أكل اللحم [2] يُدان إذا أكل، لذلك مثل هذه الأمور كل واحد يريد أن يقترب من الله يَلزم أن يكون بضمير طاهر وثقة حسنة على قدر ما يحكم هو نفسه. [3].

(ال الكبير)

• ويجيب القديس أثناسيوس على هذا السؤال:

وإني أتعجب أيضًا من خبث ، لأنه رغم أنه هو الفساد بذاته والسوء بعينه فهو يوعز بأفكاره تحت مظهر الطهارة، وتكون النتيجة فخًا لا امتحانًا، فإنه ـ كما سبق أن قلت ـ يكسلهم عن تأملهم المفيد الذي إعتادوه، ولكي يظهر أنه ينتصر عليهم، فإنه يثير بعض أفكار طنانة مثل تلك التي لا فائدة في الحياة لها، بل هي أمور باطلة وسخافات يجب على الإنسان أن يطرحها جانبًا… فأخبرني أيها المحبوب [آمون] والكثير التقوى جدًا ما هي الخطية أو النجاسة في إفراز طبيعي، كما لو كان فكر الإنسان مهتمًا بأن يجعل من إفرازات الأنف أو بصاق الفم ـ وهي ضرورة طبيعية ـ أمرًا يستحق اللوم؟ فإن كنا نؤمن، كما تقول الكتب الإلهية، أن الأنسان هو من عمل يدي الله، فكيف يمكن أن يَنتُج عمل دنِس من قوة نقية؟ وإذا كنا ذُرية الله حسب ما جاء في أعمال الرسل الإلهية فليس في أنفسنا شيء نجس، ولكننا حينما نرتكب الخطية، وهي أكثر الأشياء قذارة، فعندئذ فقط يُجلب الدنس. ولكن عندما يحدث أي إفراز جسدي بدون تدخل الإرادة، فإننا نعرف بالخبرة أن هذا يحدث كما في أشياء أُخرى بضرورة الطبيعة.

(البابا أثناسيوس الرسولي)

• ويجيب القديس تيموثاوس بابا الإسكندرية الـ 22 (382 ـ 388م.) وأحد آباء على هذا السؤال: هل يحق التناول بعد نجاسة الإفرازات فيقول:

إذا كان ذلك نتيجة شهوة امرأة فلا يجوز له، أما إذا كان نتيجة تجارب الشيطان فيسمح له بالتناول، لأن الرب سيسنده كلما أنتوي التناول.

(ال الأول)

• أما الدسقولية (تعاليم الرسل) فتقدم لنا التعليم الصحيح والموافق لروح الإنجيل فتقول:

لأنه طبقًا لشريعة العهد القديم ـ  إذا لمس إنسان ميتًا أو قبرًا يجب أن يغتسل، [4]، لكن أنتم طبقًا للإنجيل أو حسب قوة الروح القدس، اجتمعوا حتى في المدافن… لأنه بهذه الأعمال هكذا لا يكون المؤمنون مع المخالفين، وهي لا تقدر أن تنجس طبيعة الرجل ـ أعني الزواج كالناموس أو الدم القاطر أو فيض الحلم، ولا تقدر أن تفِّرق منا الروح القدس… فلا يقدر كفن ميت على أن ينجس نفسًا، لا عظم ميت ولا قبر ولا شيء من الأكل ولا احتلام. لكن تتنجس النفس من جهة النفاق وحده، ومخالفة الناموس وظلم صاحبك أو الجور أو الفسق أو الزنا ـ لأجل هذا يا أحبائي ابعدوا من الاحتراسات التي قلناها وأهربوا منها لأنها من أعمال الوثنيين، فالتثنية وضعت بسبب عمل العِجل وعبادة الأوثان، لكن أنتم بالمعمودية قد خَلُصتُم، وقد حُرِّرتُم من التثنية التي أُقيمت بسبب الأوثان، لأنه في الإنجيل جدَّد (ربنا) وكمَّل وثبَّت الناموس [5]، ونقض التثنية وجعلها باطلة. فإنه لهذا جاء ليثبِّت الناموس ويبطل التثنية، وليكمل سلطان الحرية الإنسانية وليُظهِر قيامة الموتى…

ولكن إذا كنت حسب التثنية تغتسل بعد فيض أو بعد علاقات زوجية، فيجب عليك أيضًا أن تغتسل إذا سرت فوق فأر [6]، ولن تكون قط طاهرًا ـ لأن حذاء قدميك مصنوع من جلد أموات ـ جلد حيوانات مذبوحة، ملابسك أيضًا مصنوعة بصوف حيوانات مذبوحة، وإذا دُست بقدميك عظم ميت، وإذا سرت فوق قبر فلابد أن تتطهر [7]، ولن تصل قط لأن تكون طاهرًا.  فعوض الاغتسال كل يوم اعطانا معمودية واحدة، هذه التي نلناها بموته.

إنك تنقض معمودية الله وتجدد خطاياك، وتوجد من جديد في خطاياك الأولى، وتجذب أيضاً اللعنة عليك لأنك عندما تحفظ التثنية فإنك تشارك في اللعنة التي توجهها لمخلصنا.

(الدسقولية)

ثم توجه الدسقولية نفس الكلام للمرأة قائلة:

فإن كنت أيتها المرأة المقيمة في الدم سبعة أيام تفتكرين أنك صرت مقفرة من الروح القدس لهذا السبب، فإنك إذا متِ فجأة تذهبين وقد صرت غريبة من الروح القدس، وتعوزك الدالة والرجاء الكائن عند الله، ولكن الروح ساكن فيك بغير افتراق، فيجب عليك أن تصلي كل حين، وتنالي من الشكر [الأفخارستيا]، وتغتنمي حلول الروح القدس عليك.

(الدسقولية)

ثم توجه الدسقولية الكلام للمرأة النفساء (إذا ولدت):

ولا أيضًا الطهر الطبيعي بمرذول قدام الله الذي دبره، لأن يكون للمرأة في خلال ثلاثين يومًا لأجل منفعة وعافية. لأنهن حينئذ يكن بالأكثر غير متحركات وجالسات في البيت كل حين.

(الدسقولية)

تريد الدسقولية أن تقول إن المرأة في هذه الأوقات تكون غير مهيأة نفسيًا وجسديًا، لهذا تكون جالسة في البيت، ليس بسبب نجاسة أو عدم طُهر [8].

‎ ‎ هوامش ومصادر: ‎ ‎
  1. الأب القس كيرلس كيرلس، القداسات الثلاثة متقابلة مع الضبط والشرح، للطباعة، 1979. [🡁]
  2. رسالة بولس اﻷولى إلى كرونثوس 8 [🡁]
  3. قانون رقم 4 [🡁]
  4. سفر العدد 19 : 16 [🡁]
  5. إنجيل متى 5 : 17 [🡁]
  6. سفر اللاويين 11 : 29 [🡁]
  7. سفر اللاويين 19 : 11 [🡁]
  8. انظر الدسقولية ـ تعاليم الرسل ـ فصل 33 و 34ـ طبعة أولى 1979ـ إعداد وتعليق وتقديم د. وليم سليمان قلادة [🡁]

كيف تقيّم هذا المقال؟

← إتجاه ← التقييم ← اﻷعلى ←

المتوسط الحالي 5 حسب تقييمات 2 من القراء

كن أوّل من يقيّم هذا المقال

بما أن المقال أعجبك..

ربما اﻷفضل مشاركته مع دوائرك كي يحظى بانتشار أوسع

من المحزن أن يكون تقييمك للمقال سلبيا

دعنا نعمل على تحسين ذلك

أخبرنا.. كيف يمكن تحسين المقال؟

كمال زاخر موسى
كاتب ومفكر قبطي في التيار ال المصري   [ + مقالات ]

صدر للكاتب:
كتاب: : صراعات وتحالفات ٢٠٠٩
كتاب: قراءة في واقعنا الكنسي ٢٠١٥
كتاب: الكنيسة.. صراع أم مخاض ميلاد ٢٠١٨

‎ ‎ نحاول تخمين اهتمامك… ربما يهمك أن تقرأ أيضًا: ‎ ‎