تلقيت قبل سنوات عديدة هذا الكتاب [1] إهداءً من كاتبه أبي وصديقي ال، كاهن كنيسة مار جرجس بخماروية بشبرا، رحل الكاتب إلى المجد، وتاه الكتاب وسط كتب تحتشد بها رفوف مكتبتي، وفيما كنت أحاول ترتيبها، وهي مهمة لو تعلمون ثقيلة، انتبهت لهذا الكتاب، كنت أظنه تنويعة على كتب الات، تلك الكتب التي ترتب عرض صلوات الكنيسة الطقسية وتحديدًا القداسات، تساعد المُصلي على تتبع ما يُتلى من صلوات، سواء بالعربية أو القبطية.

لكنني تفاجأت أنه دراسة عميقة، ومجهدة، قال عنها الدكتور بباوي في تقديم الكتاب: إنه محاولة جادة وشاقة للكشف عن الأعماق الروحية للقداس الإلهي، ومحاولة بحث عن التاريخ والطقس واللاهوت… وقد زيَّن الأب كيرلس كيرلس دراسته بأقوال الآباء، كما اعتمد على مصادر التاريخ القديم ، وأضاف: يا صديقي القارئ علينا أن نمزج الصلاة بالمعرفة، لكي تتقدم وتنمو الصلاة، ثم علينا أن نمزج المعرفة بالصلاة لكي تصل معرفتنا إلى اختبار الأمور التي درسناها، وكل صلاة بمعرفة هي وصول بالمعرفة إلى الصلاة، وعندما تصل معرفتنا إلى مجال الشركة مع الله ـ أي الصلاة فهي في النهاية باقية معنا إلى اليوم الذي نقوم فيه في مجد المسيح.

يتتبع الكاتب تاريخ القداس منذ إرهاصاته الأولى التي أسسها الرب يسوع المسيح مع تلاميذه عهدًا جديدًا، قبيل صلبه، فيما يعرف بالعشاء الرباني، وينقب عن تنوع القداسات، وتطور ترتيبه كوثيقة حياتية تتفاعل مع الإنسان وتواصله مع الله، التي تنتهي بلقاء حميمي بينهما، يؤكد عضوية المرء في جسد المسيح. وثباته فيه.

أعد القارئ بعرض هذا الكتاب بشكل أعمق لما يحمله من رؤى تضبط كثير من القضايا الملتبسة وربما المرتبكة في زماننا هذا الذي يئن من السيولة اللاهوتية.

ما أنقله اليوم طرح الكاتب للضوابط التي يتوجب الالتزام بها عند حضور القداس، التي أفرزتها خبرته الكنسية ككاهن وباحث، وقد تتفاجأ معي بما أورده تفصيلًا متعلقًا بطهارة الجسد، كما رآها أباء الكنيسة الأعمدة، التي تحسم الجدل حولها، وسوف أعرضها كما هي في جزء ثان.

دعونا نعود لوصايا الأب الكاهن ويقول فيها:

يجب أن يَرَاعي من يحضر القداس، أو يتناول، الوصايا التالية:

1 ـ أن يقوم بخدمة هذا السر كاهن مشرطن قانونياً أخذًا من الرسل يقول القديس أغناطيوس (30 ـ 107م.) فلا ال ولا المعمودية ولا الأغابي [طعام المحبة] تقوم بدونه.

2 ـ أن يغفر لأخيه ويصطلح معه كقول الرب اذهب أولًا واصطلح مع أخيك … تعال قدم قربانك [2]، ويقول القديس (150م.) هذا الطعام ندعوه إفخارستيا [الشكر] ولا يُسمح لأحد أن يشترك فيه إلا:
أ . الذي يؤمن أن ما نُعلّم به هو حق.
ب . أن يكون قد نال الاغتسال [المعمودية] أي غفران الخطايا والتجديد.
جـ . أن يكون سالكًا حسبما أَمَرَنا السيد المسيح، فكل من كرَّس نفسه للمسيح عليه أن يسلك خارج الكنيسة بنفس السلوك الذي كان عليه داخلها.

3 ـ أن يكون طاهر القلب والضمير، كل من هو طاهر فليتقدم، الذي ليس طاهرًا فليتب [3]، بالإضافة إلى طهارة الجسم أيضًا، فلنتقدم بقلب صادق بيقين الإيمان مطهرة قلوبنا من ضمير شرير، ومغتسلة أجسادنا بماء نقي [4].

4 ـ أن يحضر مبكرًا ولا يكون متكاسلًا أو متهاونًا  أنا أحب الذين يحبونني والذين يبكرون إليَّ يجدونني [5].

5 ـ أن يكون صائمًا (تسع ساعات على الأقل)، مهتمًا بالطعام الباقي للحياة الأبدية. كذلك الصوم عن المعاشرات الزوجية؛ يقول العلامة : لأنه إن كان الشخص، لكي يسمح له أن يأكل من خبز الوجوه يلزم أن يكون بعيدًا عن النساء [6]، فماذا إن كان سيتناول الخبز، الخبز الذي هو أعظم من خبز الوجوه ذلك الذي استُدعىَ عليه اسم الله والمسيح بالروح القدس، ألا ينبغي أن يكون هذا الإنسان أكثر طهارة؟ حتي يتناول بالحق من الخبز للخلاص. وفي هذا تقول ال، : الزواج مكرم والمضجع غير دنس، فالرجل والمرأة إذا عرفا بعضهما بعضًا في الزواج، فلا يحرصا على الاستحمام الطقسي، بل ليصليا، ولا يستحما لأنهما طاهرين [7]، ولكن كما يقول القديس تيموثاوس إنه يتعين عليهما أن يمتنعا في أيام السبوت والآحاد لأن الذبيحة تقدم في هذين اليومين [8]

6 ـ أن يدخل في حضرة الله بكل هيبة ووقار، ويسجد أمام الهيكل متمثلًا ب: أما أنا فبكثرة رحمتك أدخل بيتك وأسجد أمام هيكل قدسك بخوفك [9]. وأن يقف في أثناء القداس، يقول القديس يوستين الشهيد: نقوم جميعًا واقفين ونقدم الصلوات.

7 ـ أن يلزم الصمت، لأنه في حضرة الله، الرب في هيكل قدسه، فلتصمت أمامه كل الشعوب. [10]. الذي يتكلم في الكنيسة يخرج، ولا يتقرب من السرائر، فكم بالحري من يضحك، ولا يبصق أحد ـ في منديل ـ دون ضرورة وجع؟

8 ـ ألا يخرج قبل انتهاء القداس، لأن ذلك:
أولًا : يعطل على الآخرين عبادتهم، ويقطع شركتهم واتصالهم بالله.
ثانيًا: يعطي قدوة سيئة فيخرج الباقون وراءه.
ثالثًا: يدل على أنه لم يطق ولم يحتمل أن يمكث مع الله هذه المدة القصيرة، فكم بالحري مع المسيح في الأبدية.
رابعًا: يُحرم من البركة الختامية، ولا يخرج أحد إلا بعد رفع القربان وبركة الكاهن والتسريح. وحتى لا نتشبه بيهوذا الذي خرج قبل أن يأخذ البركة الأخيرة مع يسوع.

لذا يجب علينا أن نعلم أولادنا كيف يدخلون البيعة ويخرجون، ويكون الأب والأم مع الأطفال، في مكان قريب من الباب، حتى لا تحدث شوشرة عند الخروج للضرورة.

9 ـ أن تكون الملابس سواء بالنسبة للرجال أو النساء في حشمة ووقار، وأن تغطي المرأة رأسها، علامة الخضوع من أجل الملائكة [11]، ولا يطقطف أحد أصابعه، أو يستخدم مِسبَحَة، أو يهز رجاه، أو يضع رجل على رجل. ببيتك يا رب تليق القداسة، ولا يكون سلام (تحية) إلا أثناء القُبلة المقدسة.

10 ـ أن ينظر إلى المسيح ولا ينظر إلى الداخل والخارج. ناظرين إلى رئيس الإيمان ومكمله يسوع [12].

نلتقي في مقال تالٍ مع الجزء الثاني: طهارة الجسد، كما رآها أباء الكنيسة الأعمدة.

‎ ‎ هوامش ومصادر: ‎ ‎
  1. الأب القس كيرلس كيرلس، القداسات الثلاثة متقابلة مع الضبط والشرح، دار العالم العربي للطباعة، 1979. [🡁]
  2. إنجيل متى 5 : 24 [🡁]
  3. ال [🡁]
  4. رسالة بولس إلى العبرانيين 10: 22 [🡁]
  5. سفر الأمثال 8 : 17 [🡁]
  6. سفر صموئيل الأول 21 : 4 [🡁]
  7. الدسقولية 33: 120 [🡁]
  8. سؤال 13 [🡁]
  9. مزمور 5 : 7 [🡁]
  10. سفر حبقوق 2 : 3 [🡁]
  11. رسالة بولس الأولى إلى كورنثوس 11 : 2و 10 [🡁]
  12. رسالة بولس إلى العبرانيين 12 : 4 [🡁]

كيف تقيّم هذا المقال؟

← إتجاه ← التقييم ← اﻷعلى ←

المتوسط الحالي 0 حسب تقييمات 0 من القراء

كن أوّل من يقيّم هذا المقال

بما أن المقال أعجبك..

ربما اﻷفضل مشاركته مع دوائرك كي يحظى بانتشار أوسع

من المحزن أن يكون تقييمك للمقال سلبيا

دعنا نعمل على تحسين ذلك

أخبرنا.. كيف يمكن تحسين المقال؟

كمال زاخر موسى
كاتب ومفكر قبطي في التيار ال المصري   [ + مقالات ]

صدر للكاتب:
كتاب: : صراعات وتحالفات ٢٠٠٩
كتاب: قراءة في واقعنا الكنسي ٢٠١٥
كتاب: الكنيسة.. صراع أم مخاض ميلاد ٢٠١٨

‎ ‎ نحاول تخمين اهتمامك… ربما يهمك أن تقرأ أيضًا: ‎ ‎