كل يوم، ومع نهاية اليوم، بتخاف.
تخاف تبص وراك على اللي ضاع من أيامك،
أو اللي فات منك أنت، وأيامك بتفوت!
تخاف تبص أحسن تشوف…
تكتشف أن مع كل جريك وسعيك وتنطيطك، فعليًّا ما عملتش حاجة تُذكر!

تخاف تتواجه مع نفسك:
أنك اخترت غلط، ومشيت غلط،
لما قلت: “أجيب، ولما أجيب هافرح وانبسط.”
جريت وجبت فعلًا، وفرحت باللي أنجزته،
لكن في نهاية اليوم، وأنت لوحدك، اتبخّر كل ده…
وما فضِلش غير إنك لسه خايف!

أحيانًا، من شدّة الخوف، تقول:
“أنام وأصحى من جديد، لعل اليوم الجديد ييجي ومعاه بداية بشكل تاني.”
تخاف تسأل نفسك: “إيه هو الجديد ده؟” فتهرب بالنوم!
وتخاف تتجرأ وتقف تفكّر:
“طب ما يمكن بكره ما ييجيش أصلًا،
أو ييجي وما يلاقينيش،
أو ييجي وما يجيبش معاه اللي بتتمناه وتحلم بيه!”
فيتعمّق الخوف بعمق الأسئلة دي كلها وغيرها،
فتخاف تقف وتسأل… فتكمل هربان!

بكل الوسايل والطرق تحاول تهرب من الخوف.
الهروب مش بس في النوم؛
الهروب في الشغل الزايد،
في العلاقات السطحية، في التسلية،
في إغراق نفسك في المعرفة والمعلومات.

وفي كل مهرب وطريق وباب تتحامي وراه، يتخلق خوف جديد.
كأن الخوف هوّة عظيمة بتزيد جواك؛ كل ما تهرب منه… يزيد!

كتير تسأل الناس، وساعات تلاقي عندهم إجابات.
كلامهم يسكّن شوية… لكن الخوف يرجع تاني أقوى وأشد!
وأوقات كتير يقولولك: “ما تخافش.”
وأنت شايف إن الخوف هو أصلاً اللي بيحركهم عشان يطمنوك!

ومع كل سؤال وإجابة، يتولّد غم جديد وخوف أعمق من اللي عرفته.
وتكتر الأسئلة والمعلومات.
ومن شدّة الخوف… تسأل أكتر، لئلا تنسى اللي عرفته!
فتلاقي نفسك هربان من الخوف… بالنظريات!

وساعات تفكّر وتقول لنفسك: “مش يمكن أقدر أواجه مخاوفي؟”
فتبدأ تسأل: “هو مين اللي زرع الخوف جوايا؟”
تدوّر: تلاقي مرات الظروف، ومرات الناس اللي حواليك، وكثير نفسك.
لكن لما الصورة كلها تتجمع قدّامك مرة واحدة… تصدمك الحقيقة!
فتخاف أكتر، وتهرب من جديد، وتقول: “أبعد بسرعة يمكن أرتاح.”

تبعد بعيد أكتر… فترتاح شوية… لكن هناك بعيد تكتشف إنك لسه خايف.

وفي لحظات السكون هناك،
حين تختلي بنفسك بعيدًا،
ومعك صديقك القديم “خوفك”،
ينبثق من أعماقك صوت آخر…
صوت يختلف عن كل الأصوات التي اعتدتها.

ليس بالصرخة ولا بالعاصفة، بل همس رقيق،
يحمل حنان أبٍ يفتقد ابنه، ويناديه باسمه: “يا بني… أنا هنا.”

لكن خوفك يتقدّم عليك، فيشوّه الصوت في أذنك.
تظنّه خصمًا يعاديك، أو قوة أخرى تريد تزيد جراحك.
فترتعد، وتركض، وتختبئ وراء آلاف الأسباب المعتادة،
وقيودك تمسك بيدك لتسحبك بعيدًا عنك وعنه.

ومع ذلك، يظل الصوت قائمًا، ثابتًا، لا يسكت ولا ييأس.
يناديك لا ليُدينك، بل ليردّك.
لا ليزيد خوفك، بل ليهبك سلامه.
لكن قلبك المرهَق، وقد أُنهكته المخاوف،
يختار أن يكمل الهروب… حتى من الوحيد الذي يطلب له الحياة.

ومع كل تلك المهارب والمحاولات،
تخاف أن تكتشف أنك فاضي وفارغ من فرح الحياة الحقيقي،
وسلامها، وحكمتها، وكل غناها.
الفرح الذي يكمّل معك في نومك، وتصحو لتجده مرسومًا على وجهك،
في ضحكة صافية تستقبل بها تحديات يومًا جديدًا!

تخاف أن ترى نفسك، فتهرب منك.
إلى أين؟ ما تعرفش.
فتخاف أكتر وأكتر.
صار عندك بدل الطريق عشرات،
وبدل الطريقة مئات وأكثر… للهروب!

فتخيّل لو أنك، رغم كل هذه المخاوف واوجاعها وعدم س الناتج عنها، ظللت هاربًا.
أو أقمت في الوهم داخل الوهم: “إن بكره أحلى”، بينما خوف اليوم وغدك واحد… ويزيد.

تخيل لو استطعت أن تُخرس ذلك الصوت، وتنكر نتائجه وجراحه داخلك.
تخيل لو أنك، حين عجزت عن تبديد الخوف بحق، توهّمت أنه بلا علاج،
وأن الحل هو أن تظل هاربًا منه دائمًا، وأن تنكر نتائجه وأسبابه.

وتخيل لو أنك، في النهاية، هربت حتى من الصوت وصاحبه؛
ذلك الصوت الذي ناداك وأنت هارب بخوفك: “أين أنت؟”، وكملت هربان!

يبقى ساعتها هتكون مُتّ فعلاً؛ مُتّ عن الحياة، لكنك عايش… وانت ميت.

لكن إن رفعت عينيك، وناديت على الرب وانتظرته، هتختبر بنفسك الوعد المكتوب:
طلبتُ الرب فاستجاب لي، ومن كل مخاوفي أنقذني.[1]

‎ ‎ هوامش ومصادر: ‎ ‎
  1. مزمور 34 :4 [🡁]

كيف تقيّم هذا المقال؟

← إتجاه ← التقييم ← اﻷعلى ←

المتوسط الحالي 0 حسب تقييمات 0 من القراء

كن أوّل من يقيّم هذا المقال

بما أن المقال أعجبك..

ربما اﻷفضل مشاركته مع دوائرك كي يحظى بانتشار أوسع

من المحزن أن يكون تقييمك للمقال سلبيا

دعنا نعمل على تحسين ذلك

أخبرنا.. كيف يمكن تحسين المقال؟

أشرف سمير
Environmental Planning & Management Systems Specialist في Vodafone Egypt   [ + مقالات ]