لطالما دافعت الكنيسة الكاثوليكيّة عن المهاجرين، خصوصًا الفارّين من الحروب والمناطق الفقيرة. وفي الماضي، وجّه البابا فرنسيس بعضًا من أوضح العبارات في حبريّته دعمًا للمهاجرين وتوبيخًا للذين يرفضونهم:

يجب أن يُقال بوضوح: يوجد مَن يعمل بشكل منظّم وبكل الوسائل الممكنة على صدّ المهاجرين. وهذا، عندما يُفعل بوعي ومسؤوليّة، خطيئة جسيمة.

في زمن الأقمار الصناعيّة والطائرات المسيّرة، يوجد رجال ونساء وأطفال مهاجرون لا يريد أحد أن يراهم. إنّهم يُخفونهم. الله وحده يراهم ويسمع صراخهم. هذه قسوة حضارتنا.

(البابا فرنسيس، بابا ال الأسبق)

أكّد الكرسيّ الرسوليّ مرارًا على الدفاع عن المهاجرين. ففي يونيو دعا البابا المؤمنين إلى الاتّحاد في الصلاة من أجل جميع الذين اضطرّوا لترك أرضهم بحثًا عن ظروف عيش كريمة. وحسبَ أنّ حماية المهاجرين واجب أخلاقي، مؤكّدًا أنّه يجب استقبالهم والتعامل معهم بإنسانيّة.

تعليم الكنيسة الكاثوليكيّة

يوجد تراثٌ غني في تعليم الكنيسة يشمل الرسائل البابويّة، وبيانات الأساقفة، والرسائل الرعويّة، وقد شدّد باستمرار على واجبنا الأخلاقي أن نعامل الغريب كما نعامل المسيح نفسه. ويعلّم التعليم المسيحي للكنيسة الكاثوليكيّة أنّ الدول الغنيّة مُلزَمة، بقدر استطاعتها، أن ترحّب بالغرباء الباحثين عن الأمن وسبل العيش التي لا يجدونها في أوطانهم.

على مرّ العقود، عبّر البابوات عن مواقف مشابهة لموقف البابا فرنسيس. ففي عام ١٩٥٢، وصف البابا بيّوس الثاني عشر هروب العائلة المقدّسة إلى مصر بأنّه النموذج الأصليّ لكلّ عائلةٍ لاجئة. وأضاف أنّ الكنيسة اهتمّت دومًا بأن توفّر كل رعاية روحيّة ممكنة للحجّاج والغرباء والمنفيّين والمهاجرين، مشيرًا إلى أنّ جمعيّاتٍ تقويّةً كثيرة أنشأت عبر القرون عددًا لا يُحصى من دور الضيافة والمستشفيات لخدمة المهاجرين.

تطبيقات وتبعات التعليم الكاثوليكيّ

شدّد تشاد بيكنولد، أستاذ اللاهوت النظامي في الجامعة الكاثوليكيّة الأمريكيّة، على أنّ التعليم المسيحي يعترف بحقّ الدول في الحدود والتعريف الذاتي، ومن ثمّ، فالتعليم الكاثوليكي لا يدعو إلى سياسة الحدود المفتوحة. وأضاف: «وجد واجب رعاية تجاه الهاربين من الخطر، لكن لا تُمنح المواطنة لمجرّد عبور الحدود، ولا يُعدّ الدخول غير الشرعيّ دينًا على الدولة.

المحامي پول هنكر، الذي شغل منصب المستشار القانوني الرئيس لدائرة الهجرة والجمارك الأميركيّة (ICE)، قال: على الدول مسؤوليّة تجاه مجتمعاتها، لذا يجب أن تنظّم الهجرة بطريقة لا تضرّ بالخير العامّ. وأقرّ في الوقت نفسه بأنّ استجابة الكاثوليك للأزمات عبر تقديم المساعدات ليست خاطئة.

كثير من المنظّمات الكاثوليكيّة تقدّم مأوى وطعامًا ومساعدة قانونيّة للمهاجرين، وقد أثقلتها الأعداد المتزايدة عند الحدود الجنوبيّة للولايات المتحدة.

التحدّيات القانونيّة والانتقادات

النائب العام لولاية تكساس، كين باكستون، فتح تحقيقًا مع مؤسّساتٍ كاثوليكيّة متّهمة بخدمة المهاجرين غير الشرعيّين، ومن بينها Annunciation House [بيت البشارة]. وقد ردّ محامو هذه المؤسّسة بأنّها تخدم المهاجرين غير الموثّقين جزءًا من الإيمان الكاثوليكيّ ووصيّة يسوع في محبّة القريب من دون استثناء.

وتشدّد وثائق كنسيّة عديدة على البعد الخيريّ في التعامل مع المهاجرين:
-البابا يوحنا الثالث والعشرون (١٩٦٣، السلام في الأرض): لكلّ إنسان حقّ التنقّل والإقامة داخل دولته، وله عند وجود أسباب عادلة، أن يهاجر ويقيم في دول أخرى.
-البابا بندكتوس الـ١٦ (٢٠٠٩، المحبّة في الحقيقة): الهجرة تمثّل تحدّيات دراميّة، لكن المهاجر ليس مجرّد سلعة أو قوّة عمل، بل إنسان له حقوق أساسيّة غير قابلة للتصرّف.

، أستاذ الفلسفة في كاليفورنيا، أوضح أنّ الكنيسة تُعلّم أنّ على الدول أن ترحّب بالمهاجرين، وأن تكون حسّاسة تجاه معاناتهم، وألّا تجعلهم كبش فداء لمشاكلها الداخليّة. لكنّه شدّد أيضًا على أنّ التعليم المسيحي يوضح أنّ استقبال المهاجرين يحدث بقدر الاستطاعة وأنّ الدول يحقّ لها وضع شروط قانونيّة لهذا الحقّ.

لذلك، ليس في التعليم الكاثوليكي ما يعارض مطالبة المواطنين أو السياسيّين بإنفاذ قوانين الهجرة، بل التعليم المسيحي يساندهم في ذلك. ومن المشروع أن تراعي السياسات الهواجس الاقتصاديّة والثقافيّة، وأن تُرحِّل من يدخل بشكل غير شرعيّ، مع الانتباه إلى الحالات الفرديّة (مثل تفريق العائلات أو إعادة شخص إلى ظروف تهدّد حياته).

التوازن بين الرحمة والأمن

أوجز الأب ثيودور هيسبرج (رئيس جامعة نوتردام ورئيس لجنة سياسة الهجرة واللاجئين في الولايات المتّحدة في الثمانينيّات) هذا التوازن بقوله: ليس كافيًا أن نتعاطف مع آمال ومعاناة المهاجرين غير الشرعيّين، بل يجب أن نأخذ في الحسبان عواقب عدم ضبط الحدود. وتساءل: ماذا عن طموحات المواطنين الذين ينافسون على فرص عملهم؟ وماذا عن المهاجرين أنفسهم الذين يُستغلّون من أرباب عمل جشعين أو يموتون في الصحراء بسبب المهرّبين؟
وختم بالقول: لا يجب أن ننتظر حتّى نجد أنفسنا أمام خيار بين فوضى الهجرة وإغلاق الحدود.

ترجمة لمقال دانيال باين: ماذا تعلم الكنيسة الكاثوليكية عن الهجرة والمهاجرين؟ محرّر Catholic News Agency.

كيف تقيّم هذا المقال؟

← إتجاه ← التقييم ← اﻷعلى ←

المتوسط الحالي 2.3 حسب تقييمات 3 من القراء

كن أوّل من يقيّم هذا المقال

بما أن المقال أعجبك..

ربما اﻷفضل مشاركته مع دوائرك كي يحظى بانتشار أوسع

من المحزن أن يكون تقييمك للمقال سلبيا

دعنا نعمل على تحسين ذلك

أخبرنا.. كيف يمكن تحسين المقال؟

چون جبرائيل الدومنيكي
راهب في معهد الدراسات الشرقية للآباء الدومنيكان   [ + مقالات ]

صدر للكاتب:
كتاب نقدي: ، هل من روحانية سياسية؟
تعريب كتاب جوستافو جوتييرث: ، التاريخ والسياسة والخلاص
تعريب كتاب ألبرت نوﻻن الدومنيكاني: يسوع قبل المسيحية
تعريب أدبي لمجموعة أشعار إرنستو كاردينال: مزامير سياسية
تعريب كتاب ال: ومواهب الروح القدس

‎ ‎ نحاول تخمين اهتمامك… ربما يهمك أن تقرأ أيضًا: ‎ ‎