شخصان ربطت بينهما صداقة ممتدة، من الطفولة حتى سني الشباب، حتي صارا -بالتتابع- كاهنين يخدمان الله، فبادر أصدقائهم وذويهم بتهنئتهم على نعمة الكهنوت، على صفحتيهما بالفيسبوك، وهذا أمر معتاد.

فإذا بعديد من اللجان الإلكترونية المتربصة والنشطة، تقتحم المشهد، في تعليقات تهاجم إيمانهما وتكيل الاتهامات له والتشكيك في صحته بل وصحة المسيحية، وعندما صادفني هذا كتبت تعليقًا:

إخوتنا الأعزاء المتأففين والممتعضين، يبدو من تعليقاتكم حداثة أعماركم.
كم الغاضب والمستَنفَر لن ينتهي إلى شيء إيجابي، وقصوركم في استيعاب مضمون ودقائق الإيمان المسيحي هو أقرب تفسير لهذا.
دعونا نترك الحكم في هذه الأمور لله، واهتموا بترجمة معتقدكم إلى افعال بنائية لخدمة الإنسان المطحون بدلا من تعميق الفجوة بين الناس.

فإذا بواحد من الشباب يخصني بسؤال عن الإيمان المسيحي، واختلاف بعض القيادات المسيحية القبطية المعاصرة فيما بينهم، وتكذيب بعضهم بعضًا على صفحات الفيسبوك (حسب فهمه)، ويطلب أن يجيبه أحد عن تفسير هذا التخبط الذي يؤكد -عنده- عدم صحة هذا الإيمان.

فأجبت على سؤاله، الذي يتردد عند كثيرين:

عزيزي…

لست موكلًا أن أرد عن أحد، ولكني أملك أن أُعبر عن إيماني، فما تظنه اختلافًا وربما تراه تناقضًا، هو نتيجة طبيعية لاختلاف مفهوم النص بل و بين دين وآخر، فالمسيحية تؤمن أن المسيح نفسه هو كلمة الله، وروح منه، ومن ثم فهو النص وهو الوحي.

وما تم تسجيله في الأناجيل هو شهادات معاصريه وتلاميذه الذين حسب كلامهم تابعوه بتدقيق وسجلوه مسوقين من الروح القدس، وجاءت شهادات مؤرخين معاصرين لهم، ودراسات أكاديمية لاحقة عليهم، من أطياف مختلفة، منهم ملحدين ويهود ومسيحيين، وحتي بعد تطور علوم المخطوطات واللغات والعلوم الإنسانية، تشهد لصحة مدونات الإنجيل.

والكنيسة نفسها كانت حارسًا أمينًا لما تأسس في كنيسة القرن الأول، وعندما يظهر من يشوه أو يخرج عن هذا الخط يتم تصحيح ما ذهب إليه عبر ما عرف تاريخيًا بالمجامع المسكونية، التي كان يلتئم فيها كل الكنائس في كل العالم. وهناك فرق بين العقيدة؛ النص والشرح والتفسير، وهو ما حسبته اختلافًا. أما إيماننا فمصدره الإنجيل مدعوما بنبوات ال والعهد القديم، وفهم الكنيسة الأولى له.

وقد توثق كل ذلك فيما يعرف بقانون الإيمان الذي يحدد محاور هذا الإيمان، وينطلق من نقطة محبة الله الذي بها خلقنا وأعالنا -في - وعندما سقط آدم في العصيان خرج من دائرة حماية الله بإرادته، ببحثه عن مصدر معرفة آخر غير الله، عندما أكل من الشجرة المنهي عنها، التي اسمها في التوراة شجرة معرفة الخير والشر. في إشارة إلى رفض آدم أن يكتفي بالمعرفة الإلهية، فاقتحمه الموت بانفصاله عن مصدر الحياة. وفسدت طبيعته وصارت قابلة للتحلل والاضمحلال (الموت)، وتوارثنا نحن ذريته نتائج العصيان، فساد الطبيعة البشرية، وامتدت العقوبة لكل البشر.

لكن محبة الله لم تترك الإنسان بل تعهدته بسلسلة متصلة من الأنبياء، ثم لكي يرد الله المحب الإنسان إلى موضعه الأول ويصل ما انقطع، جاء هو نفسه، بقدرته التي لا يحدها شيء وتستعصي على الاستيعاب البشري القاصر، وأخذ جسدًا وولد من عذراء وعاش بيننا يؤسس لملكوت جديد ثم يحمل خطية آدم ويموت عنه في أرقى وأعمق صور المحبة، ويصالح آدم معه ويقوم منتصرًا ليقيم آدم معه، وننال نحن هذه النصرة. ويحول العقوبة (الموت) خلاصًا، ولا يصبح ما بعد الموت الجسدي عدمًا واضمحلالًا بل حياة أبدية في معية الله. ولا يصبح الموت الجسدي نهاية إنما ارتقاء.

هذا إيماني الذي أعيشه وأترجمه في محبة صارت لي من المسيح وفيه، التي أنتجت سلامًا وقبولًا للمختلف وأطلقت العقل من عقاله ليبدع وينتج ويتطور ويخدم كل البشرية.

وتقبل محبتي حسب وصية المسيح يسوع.

كيف تقيّم هذا المقال؟

← إتجاه ← التقييم ← اﻷعلى ←

المتوسط الحالي 5 حسب تقييمات 1 من القراء

كن أوّل من يقيّم هذا المقال

بما أن المقال أعجبك..

ربما اﻷفضل مشاركته مع دوائرك كي يحظى بانتشار أوسع

من المحزن أن يكون تقييمك للمقال سلبيا

دعنا نعمل على تحسين ذلك

أخبرنا.. كيف يمكن تحسين المقال؟

كمال زاخر موسى
كاتب ومفكر قبطي في التيار ال المصري   [ + مقالات ]

صدر للكاتب:
كتاب: : صراعات وتحالفات ٢٠٠٩
كتاب: قراءة في واقعنا الكنسي ٢٠١٥
كتاب: الكنيسة.. صراع أم مخاض ميلاد ٢٠١٨

‎ ‎ نحاول تخمين اهتمامك… ربما يهمك أن تقرأ أيضًا: ‎ ‎