أعلنت وكالة الأنباء الكنسية اليونانية على موقعها الرسمي؛ Romfea.gr، أن بطريركية القدس للروم الأرثوذكس قد أصدرت أمس الأحد، ٣١ أغسطس ٢٠٢٥، بيانًا بشأن النزاع على السلطة الروحية، الجاري بدير القديسة كاترين المقدس في جبل سيناء. أكدت البطريركية في بيانها دعمها الكامل للأخوية السينائية، مع الاعتراف بحقوق آباء الدير. كما دعت اليونان إلى التعاون لضمان النظام والوحدة الطبيعية في الدير [1].
ΑΚΟΛΟΥΘΕΙ Η ΑΝΑΚΟΙΝΩΣΗ ΤΟΥ ΠΑΤΡΙΑΡΧΕΙΟΥ ΙΕΡΟΣΟΛΥΜΩΝ
فيما يلي إعلان بطريركية القدس
Τὸ Πατριαρχεῖο Ἱεροσολύμων στηρίζει πλήρως τὴν Σιναϊτική Ἀδελφότητα, ἀναγνωρίζοντας τὰ δικαιώματα τῶν Πατέρων τῆς Ἱερᾶς Μονῆς, ὅπως αὐτὰ ἔχουν κατοχυρωθεῖ ἀπὸ τοὺς θεμελιώδεις κανονισμοὺς της καὶ διαφυλαχθεῖ στὴ μακραίωνη μοναστικὴ της παράδοση
إن بطريركية القدس تدعم بشكل كامل الأخويّة السينائية، معترفة بحقوق آباء الدير المقدس، كما هي مكرسة في أنظمتها الأساسية ومحفوظة في تقاليدها الرهبانية التي تعود إلى قرون مضت.
Ἡ στήριξη αὐτὴ ἐκφράζεται ἐντὸς τοῦ πλαισίου τῆς πνευματικῆς καὶ κανονικῆς δικαιοδοσίας ποὺ ἀσκεῖ τὸ Πατριαρχεῖο Ἱεροσολύμων ἐπὶ τῆς Ἱερᾶς Μονῆς Σινᾶ
ويأتي هذا الدعم في إطار الولاية الروحية والقانونية التي تمارسها بطريركية القدس على دير سيناء المقدس.
Στὸ πλαίσιο αὐτὸ, τὸ Πατριαρχεῖο, στηρίζει καὶ καλεῖ τὴν Ἑλληνικὴ Πολιτεία καὶ ὅλες τὶς σχετικῶς ἐμπλεκόμενες πλευρὲς σὲ συνεργασία, προκειμένου νὰ διασφαλισθεῖ ἡ κανονικὴ τάξη καὶ νὰ ἀποκατασταθοῦν ἡ εἰρήνη καὶ ἡ ἑνότητα στὴν Ἱερὰ Μονή
وفي هذا السياق، تدعم البطريركية وتدعو الدولة اليونانية وجميع الأطراف المعنية إلى التعاون، من أجل ضمان النظام الطبيعي واستعادة السلام والوحدة في الدير المقدس.(بيان بطريركية القدس، ٣١ أغسطس ٢٠٢٥)
هل تتبع سيناء مصر أم القدس؟
من الجدير بالذكر أن تقسيمات الإيبارشيات والكراسي المسيحية العابرة للقوميات، مختلفة عن التقسيمات القومية التي وُضعت أسسها في اتفاقية سايكس پيكو [2]، على سبيل المثال لا الحصر، فشبه جزيرة سيناء بالكامل ليست ضمن نطاق كرسي مار مرقس (الكنيسة القبطية الأرثوذكسية)، كما أن الخمسة مدن الغربية الموجودة جغرافيًا في الجماهيرية الليبية، هي ضمن نطاق الكرسي المرقسي للأقباط الأرثوذكس [3].
الوجود اليوناني يرجع في أصوله للثقافة الهلينية المتداخلة مع المسيحية عمومًا، والشرقية [الأرثوذكسية] بالخصوص، لكن هناك نقاط تاريخية مثيرة للجدل في علاقة السلطات اليونانية بكرسي مار يعقوب (أورشليم / القدس) متداخلة بشكل معقد مع الصراع الجيوسياسي بين العرب وإسرائيل [4].
نعود فنؤكد أن التأثير اليوناني وإن كان ذو تأصيل ثقافي واجتماعي لا يمكن لمُنصف إنكاره، إلا أنه لا وجود له على خارطة الملكية للأرض، أو السلطة الدينية للمعتقدات العابرة للقوميات كالعقيدة الأرثوذكسية. وما يلزم إيضاحه بشكل جليّ لتجنب أي التباس في تاريخ تبعية منطقة سيناء، وتحركات هذه التبعية، أنها دارت بمجملها بين كرسيين (كنيستين) كلاهما روم أرثوذكس (ملكاني / خلقيدوني)، حتى وإن كانت أرض سيناء مصرية، أو أن لمصر كنيسة مستقلة ذات أبعاد قومية (قبطية). فالأخيرة هنا هي مجرد تشابه في الأسماء.
بطريقة أخرى، لم تكن الكنيسة القبطية الأرثوذكسية طرفًا في هذا النزاع في أيًا من المحطات التاريخية السابقة أو الحالية. وأي ذكر للكنيسة الأرثوذكسية المصرية في هذا المقال، يُقصد به كنيسة الإسكندرية للروم الأرثوذكس.
بطريركية القدس للروم الأرثوذكس كانت هي البطريركية التي تتبعها سيناء حتى عصر الإمبراطور جستينيان الأول، ولهذا استخدم بيانها التعبير: هذا الدعم في إطار الولاية الروحية والقانونية التي تمارسها بطريركية القدس على دير سيناء المقدس
. ربما يكون مفيدًا توضيح أن اسم أورشليم / القدس وقتئذ كان: إيليا كابتولينا
، وليس أورشليم أو القدس [5].
في وقت الحملات الصليبية، تحركت تبعية منطقة سيناء من كنيسة أورشليم (إيلياء
) إلى كنيسة الإسكندرية للروم الأرثوذكس. ووقتها تحول اسم إيلياء
بواسطة الصليبيين إلى بيت المقدس
.
ثم عادت تبعية منطقة سيناء إلى ولاية بطريركية القدس في وقت الدولة الأيوبية، وقت أن حول الناصر صلاح الدين الأيوبي اسم بيت المقدس
إلى القدس
.
ثم عادت تبعية منطقة سيناء مرة أخرى إلى ولاية كنيسة الإسكندرية للروم الأرثوذكس في عصر الخلافة العثمانية، أثر شراء مساحات كبيرة من الأراضي في سيناء من الدولة العثمانلية [6].
الاستقلال الكنسي لسيناء المصرية
أثرت التغيرات المتعاقبة في الكنائس والكراسي سلبًا على الحياة الرهبانية والنسكية، ويسجّل التاريخ الكنسي احتجاجات ومظالم جديدة من الرهبان السينائيين عقب كل تحول في تبعية الدير.
لكن عند لحظة تاريخية محددة بالعام ١٥٧٥م.، وفي أثناء وجود منطقة سيناء تحت ولاية كنيسة الإسكندرية للروم الأرثوذكس، تدخلت كنيسة أنطاكية لتدعم مظالم الرهبان السينائيين أمام كرسي القسطنطينية المسكوني.
اجتمعت الكراسي الملكانية الأربعة (القدس والإسكندرية والقسطنطينية وأنطاكية) في مجمع ١٥٧٥، لتعطى سيناء بكاملها استقلالًا إداريًا وكنسيًا، تُمنح فيه السلطة العليا للإدارة للجمعية العمومية، أو ما نسميه إعلاميًا باسم: الأخوية السينائية
.
ومن الجدير بالإعلان عنه بشكل واضح: أن كافة الإدارات الكنسية الشرقية (الأرثوذكسية) تُدار بأشكال متباينة من التشاور المجمعي، ولا تعرف الكنائس أو تعترف بقرارات رئاسية أو فردية حتى على مستوى البابا البطريرك، والذي تنص الأدبيات الأرثوذكسية أنه “متقدّم في الكرامة بين متساوين”.
بطريقة أخرى: السلطة العليا في كافة الكنائس الأرثوذكسية تعطي للمجالس والمجامع، وليس للرئيس الديني سوى شرف التمثيل لكامل المؤسسة، لكن لا مجال لقرارات فردية حتى لو كان ظاهرها النهائي هكذا.
تُحدد اللوائح الداخلية لكل “تجمّع كنسي” سلطات المجمع في الانعقاد، ومواعيد هذا الانعقاد، وشروطه والنصاب القانوني اللازم لإقرار القرارات المجمعية، بما فيها سلطة العزل للرئيس الديني.
طبقا للوائح الداخلية الأساسية لكنيسة سيناء، والموثقة في آخر تعديل في عام ١٩٧١م.، قام الرئيس الديني؛ دميانوس، رئيس أساقفة سيناء، في سنواته الأخيرة، بارتكاب 4 مخالفات من إجمالي 5 بنود تجعله معرضًا للإقالة من منصبه، حيث تنص التقاليد الأرثوذكسية واللوائح الداخلية الأساسية على العزل الديني (القطع / الشلح) لمرتكب أحدها [7].
وتم شلحه (إقالته) في الفترة من الخميس ١٧ إلى الأربعاء ٣٠ يوليو ٢٠٢٥. تضمنت الإجراءات دعوة لجميع أعضاء الأخوية السينائية، وعُقدت جمعية عامة استثنائية في الدير المقدس بجبل سيناء، وقررت الجمعية بالإجماع إنهاء مهام مطران سيناء وفاران ورعيته؛ دميانوس، في جلستها الختامية المنعقدة بتاريخ ٣٠ يوليو ٢٠٢٥، وهو ما تم إبلاغه على الفور لصاحب الغبطة؛ بطريرك القدس، في حينه.
لاحقًا، اقتحم دميانوس مساء الثلاثاء ٢٦ أغسطس الجاري دير سيناء بمجموعة من الملثمين، وهجموا على الرهبان وطردوهم حفاة في منتصف الليل، وأغلق أبواب الدير عن الشرطة المصرية التي حضرت استجابة لاستنجادات أطلقها رهبان سيناء [8].
حاولت الشرطة المصرية التوسط لإعادة رهبان سيناء إلى ديرهم الأثري، لكن دميانوس رفض وأصر على أن الرهبان “إنقلابيون”، وأنه استخدم سلطانه الكنسي في حرمهم.
يصرح دميانوس في الصحافة اليونانية أنه قبل توبة من تراجع منهم وأقر بخطأه. وأن كل “حروماته” ليست انتقامًا شخصيًا وإنما لأغراض حفظ النظام والاستقرار للكنيسة [9].
في الوقت ذاته، يكافح الرهبان في أخوية سيناء، محاولين تجميع شتاتهم بين البعض الذي نُقل إلى مستشفى شرم الشيخ لتلقي العلاج، والبعض الذي حرر محضرًا في قسم شرطة سانت كاترين، وقسم شرطة نويبع [10].