في فصل المفتش الكبير من رواية للأديب الروسي ، يناقش دوستويفسكي من خلال مشهد ظهور السيد المسيح بهيئته المعروفة داخل إحدى الكاتدرائيات في ، فساد ال (الكهنة) وكيف ساروا بممحاة على تعاليم المسيح التي كان هدفها تحرير البشر من العبودية، لتحويلهم إلى عبيد مرة أخرى لاحتياجاتهم المادية، وبالتالي حاجتهم لرجال الدين الذين يلبون احتياجاتهم. يشرح البابا، كبير المفتشين، كل هذا للمسيح، معلنًا أنه سيطلق سراحه، ولكنه إذا عاد مجددًا سيعدمه!

يتكرر المشهد في دير الأثري المصري في جنوب سيناء على يد المطران ، رئيس الدير (المعزول بقرار من مجمع رهبان الدير)، الذي اقتحمه مساء الثلاثاء 26 أغسطس الجاري بمجموعة من الملثمين وهجموا على رهبان الدير وطردوهم حفاة في منتصف الليل، ودخل إلى الدير وأغلق بابه من الداخل كي يمنع قوات الشرطة من إفساد حفلة الانتقام من للرهبان.

يعود عزل دميانوس إلى عدة أسابيع مضت حين وجد مجمع رهبان دير سانت كاترين مخالفات وفساد مالي على رئيس الدير، وحين واجهوه بالمخالفات هرب إلى اليونان،. فاجتمع مجمع رهبان الدير وصوتوا على عزله بتصويت ثلثي الرهبان على القرار.

حاول دميانوس مقاومة قرار العزل، وصور المشهد في الصحافة اليونانية على إنه انقلاب وليس عزل قانوني، وفي مساء، 26 أغسطس 2025، ظهر في دير سانت كاترين بشكل مفاجئ ومعه مجموعة من الحراس الملثمين يقدر عددهم بـ10 واقتحموا الدير اﻷثري بقيادة الأب أكاكيوس حيث أخرج الملثمين الآباء واحدًا تلو الآخر من قلاياتهم. ومن لم يستجب من الرهبان كسر الملثمون الأبواب والشبابيك وأخرجوهم بالقوة، حتى أنهم طردوا الرهبان حفاةً بدون أحذية.

بعد اﻻعتداء على الرهبان نقل بعضهم إلى المستشفى في شرم الشيخ، المقتحمون مع المطران أغلقوا باب الدير وظلوا داخله طوال الليل، بينما تُرك الرهبان وعددهم 12 راهبًا، وقد حدث كل هذا بالرغم من أن الشرطة وجهاز الأمن التابع للدولة المصرية حضروا خارج الدير وظلوا يطالبون بإصرار أن يفتح لهم المقتحمون، لكن دون جدوى. في صباح اليوم التالي حرر أربعة من رهبان الدير محضر في قسم شرطة سانت كاترين، وهم الآن في طريقهم إلى قسم شرطة نويبع لتحرير محضر آخر.

والمطران دميانوس (91 عاما)، رئيس دير سانت كاترين المعزول دخل في صراعات عدة خلال اﻷشهر اﻷخيرة، فبعد حكم محكمة استئناف اﻹسماعيلية حول المواقع التي وضع يده عليها باسم دير سانت كاترين في جَنُوب سيناء، خرج ليثير العالم بأن الدير في خطر وأن الدولة المصرية تريد أن تضع يدها على الدير اﻷثري، وطلب من حكومة اليونان التدخل، وكاد اﻷمر أن يتطور إلى أزمة دبلوماسية بين مصر واليونان، حيث تجمعهم الصداقة والتحالف والمصالح المشتركة إضافة لتاريخ مشترك ومتداخل منذ أكثر من 2300 سنة.

ظل دميانوس المعزول من قبل رهبان دير سانت كاترين يأجج الموضوع عبر شراء مقاﻻت وتقارير صحفية في بعض الصحف اليونانية، وواحد منها حول الموضوع الخاص بالدير إلى صراع إثني عنصري استدعى فيه القومية الهيلينية للحديث عن الدير، وتحول اﻷمر من كونه شأن كنسي لشأن قومي، [1]، ومع ذلك طلب رهبان الدير بعدم انصياع الحكومة في اليونان إلى دميانوس كونه أسقف غير شرعي وتم عزله من قبل رهبان الدير، وفق القواعد الحاكمة للدير ورهبانه ورئيسه.

دميانوس ﻻ يهمه سوى نفوذه وسيطرته على الدير ومقدراته وفي سبيل ذلك يستخدم كل علاقاته لتصوير اﻷمر على أنه اضطهاد من مصر، ثم يطالب بوضع خاص للدير باعتباره ملكية خاصة باليونان وأن يعامل مثل السفارات وهو أمر مرفوض ﻷن الدير مصري يخضع لطائفة الروم اﻷرثوذكس عقائديًا (ورثة ) ولكنه ﻻ يتبع اليونان أو بل هو له وضع مستقل ويتبع إداريًا كرسي أورشليم في القدس للروم اﻷرثوذكس، وﻻ يحق لليونان وكنيسة اليونان التغول على نطاق كرسي آخر. فتدخل كنيسة اليونان أو حكومة اليونان ليس له معنى.

وما حدث في الدير  من اعتداء من قبل دميانوس ورجاله الملثمين على رهبان الدير العزل، يتوجب أن تتدخل الدولة المصرية عبر جهاز الشرطة والنيابة والقضاء لتحقيق العدالة ونظر بلاغات الرهبان ضد اﻷسقف المعزول، وألا تقف الشرطة موقف المتفرج، وشخص يمارس العنف عبر بلطجية ويروع رهبان أمنين، الموضوع تحول إلى قانوني بحت، وأصبح دميانوس غير أمين في الحفاظ على الدير الذي يمثل أثر تاريخي للإنسانية بعد اﻻعتداء على الرهبان وتحطيم القلايات وﻻ نعرف تحديدًا حجم التلفيات وهل مست ما هو أثري وﻻ يمكن تعويضه؟ بالتالي يجب أن تتدخل وزارة اﻵثار المصرية والهيئات الدولية ذات الصلة مثل ال للحفاظ على الدير في وسط هذا الصراع.

 

‎ ‎ هوامش ومصادر: ‎ ‎
  1. ، خمسة عشر راهبًا يونانيًا على صدر «دميانوس» رئيس دير سيناء. [🡁]

كيف تقيّم هذا المقال؟

← إتجاه ← التقييم ← اﻷعلى ←

بما أن المقال أعجبك..

ربما اﻷفضل مشاركته مع دوائرك كي يحظى بانتشار أوسع

من المحزن أن يكون تقييمك للمقال سلبيا

دعنا نعمل على تحسين ذلك

أخبرنا.. كيف يمكن تحسين المقال؟

پيتر مجدي
[ + مقالات ]

باحث وكاتب صحفي متابع للشأن الكنسي وشؤون الأقليات.
زميل برنامج زمالة الأقليات- مكتب المفوض السامي لحقوق الإنسان- ، جنيف/ ستراسبرج 2023.
زميل برنامج "" () لشبونة 2022.

‎ ‎ نحاول تخمين اهتمامك… ربما يهمك أن تقرأ أيضًا: ‎ ‎