لم يعد مستغربًا، أن يرتكب “اللي ميتسموش” من وحراس العقيدة، جريمة في حق البشر، ويضطهدون حرية الرأي، ويكفِّرون المُفكرين، ويمنعون البحث والسؤال، وينشرون قائمة بالكتب المحرم شرائها، ويخيفون أتباعهم من مجرد الاطلاع عليها، ويبدؤون في انتقادها بدون فهم أو إدراك، رغم أنهم حتى لم يقرؤوها.

وأدواتهم في ذلك لا تزيد عن الشللية والمحسوبية لذوي القربى مثل رأي الخادم فلان، أو فتوى الأنبا علان، أو تعليمات طاسوني ترتان، الذين أصبحوا بحكم مناصبهم أوصياء على الفكر وأولياء على الشعب، الذي في نظرهم جاهل وساذج، يحتاج من يمنحه الـ”رضعة” الإيمانية، ويغيًر له حفاضات، ويغسله وينيمه؛ لأنه ما زال إيمانه بسيطًا، ولا يعرف يمينه من شماله!

وعندما ينشرون ردودًا، تكون عبارة عن رزمة بيانات ضعيفة، ركيكة، كوميدية، غير واقعية، غير محايدة، هزلية، وغير موضوعية، يقرأها (أو بالأصح يحاول جاهدًا أن يقرأها) شخص ما، انفرد بالحديدة دونًا عن باقي البشر.

ورد الفعل العام من أي شخص طبيعي مُتعلم، وخصوصًا من النخبة المثقفة العاقلة (الدارسين) الذين يؤمنون بحرية الرأي وقبول الآخر. أن يغضب بشدة من ذلك الإرهاب الفكري، والتكفير، والمنع الواقع عليه وعلى غيره.

عندما يطرح شخص عادي جدًا  رأيًا مختلفًا في منشور على السوشيال ميديا أو مقال، يحمل في طياته أسئلة حائرة وشائكة، دون أن يكون لديه أي غرض آخر من سؤاله، ويطرحها أمام بعض النخبة المثقفة (الدارسين)، ويسأل بطريقة عادية وطبيعية جدًا على أساس أنهم أناس يتقبلون الرأي الآخر وما إلى ذلك، مُنتظرًا إجابات لأسئلته الحائرة، فالمفروض أن النخبة المثقفة العاقلة المستنيرة ترد بكل وضوح وموضوعية وأمانة علمية، وتقول ما لها وما عليها في السؤال المطروح. لكن ما يصدم حقًا أنه أحيانًا يحدث خلاف ذلك تمامًا، فيتحول الأمر إلى سيرك أو مسرحية.

خصوصًا إذا كان هذا السؤال أو الرأي يعارض رأي وفكر وتوجهات وعقائد وتفضيلات تلك الـ”شلة” التي احتكرت الأرثوذكسية في أنفسها وميولها السياسية وانتماءها الديني وفكر أصدقائها الجمعي وفريقها المفضل ومقاس أحذيتها، فنفس (القبطي محتكر الأرثوذكسية حاليًا) الذي كان ولا يزال يعاني طوال عمره من المنع والتحريم واضطهاد رأيه وأفكاره، يمارس نفس ما مارسه عليه ملاعين “حماة الأرثوذكسية” في الآخرين. فينتقد السؤال من الأصل مع قائمة اتهامات جاهزة بالعمالة والانتماء لتيارات دينية وطائفية مختلفة أو الانتماء لتيارات إلحادية، إلى أخره من التهم المعلبة سريعة التحضير، وهو نفس ما يفعله أشاوس الفرز العقائدي من بوابين الملكوت.

الأسلوب الآخر، وهو السمة الغالبة عليهم، هو أن الشخص منهم يرد بتعجرف ونرجسية على صاحب السؤال؛ لأن الأخير تجرأ على طرح سؤال أو كتابة شيء يخالف تقليدًا أو معتقدًا أو رأيًا أو إيمانًا أو أفكار الكتاب المفضلين لدى هذا الشخص “محتكر الأرثوذكسية”. ويتحول الأمر برمته إلى كوميديا سوداء، إذ إن البعض منهم (اللهم احفظنا) يرد على صاحب السؤال بنفس طريقة الشيخ محمد حسين يعقوب: “ده رأينا/إيماننا”. وإذا لم يعجبك هذا يا أخي، اتركه وذهب إلى كندا!

ولا يخلو ذلك الحوار الميلودرامي من فصول كوميدية بنفس طريقة المغاغي: طريقتك في طرح السؤال فيها تشكيك، ونحن لا نقبل التشكيك في العقائد والإيمانيات، وتختتم بـ: “فلتكن آناثيمًا”. أما باقي الممثلين العاقلين قليلًا، فهؤلاء يحاولون أن يحفظوا ماء الوجه فيردون بشتى الطرق الملتوية، أقوال من فلان وعلان يمينًا ويسارًا، هذا قال وهذا عاد، وقص ولصق آيات كتابية، واقتطاع مواقف/كلمات خارج سياقها وخلفياتها، ويقدمونها للزبون على أن هذه هي الخلاصة، و(اطفح وأنت ساكت) يعني نفس الكرباج الذي طالما ضُربت به طوال عمرك… تضرب به غيرك!

نصيحة أخوية: لو الشخص الذي يسأل يسب أو يستهزئ، أو كان على شاكلة الإسلاميين الذين يدعون لدين الله بالانتقاص من الآخرين بشكل متعسف، فمن حقكم المواجهة. بخلاف ذلك، التزموا بالرد أو اصمتوا، فلن يلومكم أحد. لكنكم ستخسرون الكثير جدًا نتيجة هذه العجرفة الاحتكارية.

إياكم أن ترتكبوا جريمة منع الرأي، حتى ولو كان في نظركم ونظرنا مجرد كلام فارغ، وهراء، وعك، رجاء لا تحجروا على فكر أي شخص، حتى وإن كان معارضًا لأفكاركم ومعتقداتكم، وحتى إيمانياتكم. وإلا فإنكم تعطونه دافعا إضافيًا وتساعدونه على البقاء بعيدًا عن الإيمان، لأنه لم يجد إجابة تحترمه، وتحترم عقله.

لا يصح أن تكون متفتحًا وموضوعيًا وعاقلًا وأنت تصادر حق من أمامك في طرح الأسئلة أو حتى الاختلاف معك. لأن ببساطة، هذا حقه الطبيعي في التعبير عن رأيه، وطرح أسئلته وشكوكه وأفكاره، حتى ولو كانت كلها بالنسبة لك خاطئة.

هل تذكر أنت نفسك كنت تتهم الأنبا فلان وأنبا علان بأنهم يمارسون الوصاية على الفكر؟ ولما كنت تتهم حماة الإيمان بأنهم جبناء (هم فعلًا كذلك، مختلفناش) ويخيفون الناس من القراءة والمعرفة وطرح الأسئلة؟ (فاكر ولا نسيت؟) فهو يا تكون متفتح كلك على بعضك، يا تركن على الرصيف جنب أخواتك بائعي الباذنجان وحراس الفكر وحماة الإيمان. لأنه من الواضح أنك متعصب (لأفكارك) ولأفكارك فقط، فمفرقتش عنهم في أي شيء إطلاقًا!

كيف تقيّم هذا المقال؟

← إتجاه ← التقييم ← اﻷعلى ←

بما أن المقال أعجبك..

ربما اﻷفضل مشاركته مع دوائرك كي يحظى بانتشار أوسع

من المحزن أن يكون تقييمك للمقال سلبيا

دعنا نعمل على تحسين ذلك

أخبرنا.. كيف يمكن تحسين المقال؟

تامر فرج
[ + مقالات ]
‎ ‎ نحاول تخمين اهتمامك… ربما يهمك أن تقرأ أيضًا: ‎ ‎