الدُوْسَتِيّة السياسية (Political and Ecclesiastical Docetism)

أودّ اليوم أن أقترح مصطلحًا حاولتُ صياغته هو الدُوْسَتِيّة السياسية، الدُوْسَتِيّة الكنسيّة.

استلهم هذا المصطلح من البدعة الكرستولوجيّة المسيحية القديمة “Docetism”، التي تؤمن بأن جسد المسيح كان وهمًا أو كان يبدوا في الظاهر جسدًا ولكنه ليس حقيقيًا، وكأنه ليس إلّا مظهرًا لا يعكس الواقع الحيّ الحقيقيّ.

في كثير من الدول العربيّة والكنائس الشرقية المتأثرة بوجودها فيها، توجد مؤسّسات (مثل حقوق الإنسان، برلمانات، سينودسات، مجالس إيبارشيّة، كلّيات لاهوت، مجالس رعوية إلخ) تُظهِر “وجهًا ًا” أو سينودسيًّا أو أكاديميًا أو تنظيميًّا، لكنّها تفتقر إلى “الجوهر الحقيقي”. فهذه المؤسسات أشبه بواجهات رمزية بلا تأثير ملموس أو استقلال فعلي. ويمكن إطلاق المصطلح المجازي «الدُوْسَتِيّة السياسية» أو Political Docetism في الشقّ المدنيّ وEcclesiastical Docetism على الشق الكنسيّ لهذه الظاهرة.

المفهوم السياسي المستحدث Political Docetism، يعني وجود مؤسسات تبدو واعية بتعددية السلطة وسيادة القانون، لكنها لا تؤدي فعليًا وظائفها الحقيقية؛ فهي مجرد واجهات فارغة من المحتوى السياسيّ.

والأمر نفسه في الكنيسة بمؤسّساتها، تظل في الكثير منها صوريّة، ويتمركز كلّ شيء في يد من له السلطة المطلقة ويغلفها بسلطة روحيّة.

السمات الرئيسة

1. وجود هياكل شكلية أو إجرائية (مثل: انتخابات، لجان، سينودسات، تبادل آراء ومعاهد، لقاءات تكوينيّة، لقاءات مسكونيّة إلخ) لكنّها من دون مضمون حقيقي أو استقلال، ويخضع عملها لسلطة مركزية.

2. تشابه مع ما يُعرف بـ”الأنظمة الهجينة”، حيث يبدو النظام ديمقراطيًا من الخارج، لكن السلطة الفعلية تسيطر على كل شيء، مما يُحبط أي تحول حقيقي.

3. في سياق الكنيسة، قد تُستَغل “السينودسات” أو “المجالس الإيبارشيّة والمحاكم الكنسيّة والمجالس الرعوية” كـ«واجهات» طبيعية رسمية، من دون أن تتمتع بقدرة على النقد أو اتخاذ القرارات بشكل مستقل أو أن تطبّق القانون.

أمثلة من داخل الكنيسة

-سينودسات تُقدّم على أنها منفتحة وتعددية أنّها تتخذ قرارات، لكنها في الواقع لا تفعل شيء وتدلي بتصريحات باهتة، وإن نفّذت قرارات فهي تنفذ قرارات مركزية من دون نقاش أو مشاركة فاعلة مع الشعب.

-تعليم الكنيسة ومؤسساتها المعنيّة بحقوق الإنسان تُوجَّه غالبًا نحو الحفاظ على صورة المؤسسة أكثر مما تهتم بقضايا المؤمنين المعيشية، من دون جرأة نقدية.

-مجالس رعوية تُصرّح بكونها منتديات للحوار، لكنها في الهيكل التنفيذي لا تتعدى دعم النظام وإدامة الشرعية الرمزية.

النتيجة؟

خلق وهم عن التمأسس والهيكلية والتعددية والمشاركة الديمقراطية، مع أن عمل هذه الهيكليات صوريّ أو ظاهريّ.

– استخدامها أداةً في تجميل الشرعية الرمزية، داخل الكنيسة وخارجها.

– إنتاج فجوة بين ما هو ظاهر وما هو حقيقي -مظهر بلا مضمون، وواجهة بدون جوهر.

كيف تقيّم هذا المقال؟

← إتجاه ← التقييم ← اﻷعلى ←

بما أن المقال أعجبك..

ربما اﻷفضل مشاركته مع دوائرك كي يحظى بانتشار أوسع

من المحزن أن يكون تقييمك للمقال سلبيا

دعنا نعمل على تحسين ذلك

أخبرنا.. كيف يمكن تحسين المقال؟

چون جبرائيل الدومنيكي
راهب في معهد الدراسات الشرقية للآباء الدومنيكان   [ + مقالات ]

صدر للكاتب:
كتاب نقدي: ، هل من روحانية سياسية؟
تعريب كتاب جوستافو جوتييرث: ، التاريخ والسياسة والخلاص
تعريب كتاب ألبرت نوﻻن الدومنيكاني: يسوع قبل المسيحية
تعريب أدبي لمجموعة أشعار إرنستو كاردينال: مزامير سياسية
تعريب كتاب ال: ومواهب الروح القدس