ترجمة تفسيرية لمقال: ساعة الصفر لدير سيناء: ١٥ راهبًا من أصل ٢٢ يطالبون باستقالة دميانوس، والمنشور على vimaorthodoxias.gr [خطوة أرثوذكسية]، للمحرر:چورچ ثيوشاريس، بتاريخ أول أغسطس الجاري.
تشهد الأوساط الكنسية اليونانية اضطرابًا غير مسبوق داخل دير القديسة كاترين التاريخي في سيناء، حيث أفادت مصادر حكومية يونانية أن مجموعة من 15 راهبًا تسعى لعزل المطران دميانوس، رئيس أساقفة سيناء وفاران ورايثو، وسط تطورات سياسية وقانونية متسارعة تهدف إلى إعادة تشكيل الوضع القانوني للدير بحيث يخضع للسيادة اليونانية بدلًا من السيادة المصرية.
وتشير أوساط قانونية تحدثت إلى الموقع اليوناني خطوة أرثوذكسية
إلى أنَّ تدخل وزارة التربية والتعليم اليونانية بشكل مباشر في قضية تقع ضمن اختصاص وزارة الخارجية، المعنية بالشؤون الكنسية المتعلقة بالبطريركيات الناطقة باليونانية وجبل آثوس، لم يكن في الاتجاه الذي يخدم بقاء المطران في منصبه، أو تحقيق الوضع الأمثل لحكومة اليونان التي تستهدف إنتزاع ملكية الدير من الحكومة المصرية.
في الوقت ذاته، يستعد البرلمان اليوناني للتصويت على مشروع قانون مقدم من وزارة التربية والتعليم، ينص على منح دير سانت كاترين بجبل سيناء صفة شخصية اعتبارية مستمدة من القانون العام داخل اليونان، وذلك لأول مرة، بما يضمن تمثيلًا مؤسسيًا للدير اليوناني المُقام على الأراضي المصرية، ومحاولات تحجيم السيادة المصرية على أراضيها وإعتبار الدير “مشروعًا يونانيًا” لا يخضع لسلطات فض المنازعات المحلية، بل للتحكيم الدولي.
تبلغ المواجهة ذروتها قبل أيام من زيارة مرتقبة لوزير الخارجية المصري بدر عبد العاطي إلى أثينا، حيث كان من المقرر أن يلتقي نظيره اليوناني چورچ جيرابيتريتيس في 6 أغسطس، في سياق اتفاقية ثنائية بين مصر واليونان تهدف إلى تأمين الوضع الدولي للدير.
«الانقلاب» في سيناء والتصويت السري
وفقًا لوثائق ومحضر تصويت، أُرسل طلب عزل دميانوس إلى رئيسه الديني، ثيوفيلوس الثالث الملكاني، بطريرك القدس [1]، يطالب فيه 15 راهبًا يونانيًا ممن في دير القديسة كاترين بجبل سيناء، بعزل رئيس الأساقفة دميانوس.
في الوقت ذاته يحاول اليونان المدافعون عن بقاء دميانوس التشكيك في التأسيس القانوني أو النظامي الذي يستند إليه هؤلاء الرهبان، ويعللون ذلك بأن لوائح الدير تنص على ضرورة موافقة ثلثي رهبان الدير البالغ عددهم [مستنديًا] 25 راهبًا. [هذا يعني 16 توقيعًا وليس 15]، بينما يسعى المؤيدون لعزل دميانوس إلى اعتماد رقم 22 فقط كعدد فعلي [أي 14 توقيعًا كحد أدنى]، في محاولة لفرض أغلبية مزيفة
على حد تعبير چورچ ثيوشاريس
، محرر موقع خطوة أرثوذكسية
.
وقد أُبلغت وزارة التربية والتعليم اليونانية رسميًا، فيما شددت مصادر حكومية على أن محاولات عزل دميانوس لا تؤثر على التمثيل الرسمي للدير في اليونان، والذي يُكرس قانونيًا بموجب مشروع القانون المعروض حاليًا للتصويت.
التشكيك في القيادة الحالية للدير
المدافعون عن بقاء دميانوس لم يكتفوا بوسم مطالب الرهبان بانها «انقلاب»، وﻻ بإثارة الجدل حول لائحة الدير التي صنعها أساسًا المطران دميانوس، والتي تشرط توقع 16 بدلًا من 15 في إجراء شكلاني للغاية، بل أثاروا اهتمامًا أشبه بمحاكم التفتيش حول هويّة أسماء الرهبان التي قامت بالتوقيع، فقالوا أن الموقعون هم “قلة مندسة” يتزعمها الراهب إيسيخيوس، الذي يقود حركة داخلية تشكك في نزاهة القيادة الحالية لرئيس الدير دميانوس.
أيضًا المدافعون عن بقاء دميانوس أثاروا الاهتمام حول توقيع الراهب بامفيلوس ضمن المطالبين بالشلح [2]، الراهب بامفيلوس كان من رهبان دير القديسة كاترين فعلا، ثم تم نقله منذ سنوات إلى رهبانية جبل آثوس. المدافعون هنا يظهرون أنه لا ينتمي منذ سنوات إلى دير سيناء، ويقيم حاليًا في جبل آثوس. مما يرونه يعزز نظرتهم المؤامراتية، حول وجود دوافع خفية ومحاولات تأثير خارجي تهدف إلى تقويض الجهود اليونانية لفرض سيادة دولية على الدير.
وفقًا لدوائر كنسية، يستدعي الوضع تدخلًا مباشرًا من بطريركية القدس وتنسيقًا عاجلًا مع وزارة الخارجية اليونانية قبل الاجتماع الدبلوماسي المرتقب الأسبوع المقبل.
اليوم يترك يهوذا المُعلِّم
في تصريح عاطفيّ يصف الرهبان بالخيانة، علّق رئيس الأساقفة دميانوس، البالغ من العمر 91 عامًا، كاشفًا عن النهج الأبوي البدائي الذي يُدير به الدير. وأكد في بيانه أنَّ ما يحدث هو انقلاب كنسي
يستهدف تمزيق وحدة الشراكة وتهدد بقاء الدير ذاته. بطريقة أخرى، فهو يرى نفسه هو والدير كيان واحد.
وقال دميانوس في بيانه: «التصرفات غير النظامية تثير الشكوك لدى المؤمنين المسيحيين، وتقوض الوحدة، وتدفع بالدير نحو أسر بابلي جديد»
، مستخدمًا عبارة للشاعر اليوناني ديونيسيوس سولوموس: الفُرقة تمسك صولجانًا خادعًا
وذكّر دميانوس بأن الدير كان قد وُضع تحت المجهر القضائي في مصر عام 2012، في حين أعادت محكمة استئناف الإسماعيلية بقرارها بتاريخ 28 مايو 2025 فتح ملف ملكية ممتلكاته. كما وصف مشروع القانون اليوناني بأنه وحدة وطنية
وتضامن مع الهوية اليونانية [الهلينية] للدير، خاصةً أنه حظي بتأييد جميع الكتل السياسية [اليونانية].
قدم رئيس الدير دميانوس، في بيانه، خطاب قومي يوناني هليني بامتياز، بشكل يجعلنا نعيد النظر في قرار رئيس الجمهورية السابق، محمد أنور السادات، الذي منحه الجنسية المصرية بالقرار الجمهوري رقم ٧٣١ لسنة ١٩٧٤.
مرفقات: نسخة ضوئية من بيان الأنبا داميانوس باللغة اليونانية، والمكتوب من أثينا على أوراق المقر الإداري للدير [١٨ ميدان الضاهر، ص.ب: ١١٢٧١، القاهرة].
أبعاد دبلوماسية في انتظار القاهرة
الحكومة المصرية، من جهتها، أبدت دعمًا واضحًا لرئيس الأساقفة دميانوس، مؤكدةً على دوره المؤسسي، وداعية إلى استمرار المحادثات مع الجانب اليوناني لضمان حماية الوضع القانوني للدير.
في حين تشير مصادر دبلوماسية يونانية إلى أن الاتفاقية المرتقبة بين مصر واليونان، والمقرر توقيعها في 6 أغسطس، ستكون خطوة حاسمة لترسيخ الوضع الدولي للديّر، ومواجهة تداعيات الحكم القضائي المصري.
وأكدت مصادر يونانية حكومية لموقع خطوة أرثوذكسية
أن الاتفاق يهدف إلى:
* تأمين أملاك الدير داخل اليونان (إعتباره يونانيًا ومُقام على أراضي يونانية كما السفارات)،
* ضمان الاستمرارية المؤسسية لقيادته الدينية (التعامل مع دميانوس كمواطن يوناني وليس كمواطن مصري)،
* عزل المحاولات الداخلية التي تضعف موقف الأرثوذكسية في الساحة الدولية (الإطاحة بالرهبان المعترضين على دميانوس، والتنكيل بهم).
علام ينص مشروع القانون اليوناني؟
مشروع القانون الذي قدمته وزارة التربية والتعليم اليونانية يتضمن ما يلي:
* تأسيس شخصية اعتبارية عامة للدير في اليونان، تكون مسؤولة عن إدارة ممتلكاته وإيراداته ونقلها إلى داخل اليونان.
* تمكين الدير من التمثيل القانوني والإداري المباشر دون الحاجة إلى وسطاء خارجيين (التحكيم الدولي وليس القضاء المصري).
* دعم حرية المعتقد الديني، والاحتجاج بالحفاظ على الطابع التاريخي للدير الذي أدرجته منظمة اليونسكو كموقع من مواقع التراث الثقافي العالمي.
أزمة تتجاوز حدود الدير
ليست الأزمة الراهنة في دير سيناء مجرد صراع كنسي داخلي، بل تشكل قضية جيوسياسية، وموضوعًا قوميًا بالنسبة لليونان، واختبارًا مؤسساتيًا يمس العلاقات بين مصر واليونان، وحرية الاعتقاد الديني، حيث يُنظر لهذا الدير المصري ذو القديسة السكندرية على أنه أداة وحدة للشتات اليوناني حول العالم.
يؤكد مراقبون كنسيون في اليونان: إن دير سيناء ليس مجرد دير. إنه رمز لوجود الهيلِّينية على جبل الله. ومن يسعى لتفكيك هذا الرمز، إنما يطعن في الذاكرة والإيمان والاستمرارية التاريخية للأمة [الهلّينية].
يمثل منح دير سيناء شخصية اعتبارية من قبل القانون اليوناني خطوة محورية تتجاوز أبعادها التقنية القانونية إلى مجالات استراتيجية متعددة. حيث أن هذا الإجراء يوفر للدير حماية قانونية مؤسسية داخل اليونان وكأنه تحت السيادة اليونانية أو على أراضيها. مما يضمن استقلالية إدارة ممتلكاته وأصوله المالية دون تدخل خارجي أو تلاعب مصري
[3] داخلي، وهو بشكل آخر ما يتعارض بشكل فج مع سيادة مصر على أراضيها الحاملة للدير.
تشكل هذه الخطوة آلية هجومية يونانية فعالة ضد المحاولات القضائية المصرية لتغيير الوضع القانوني [ذو الملكية الهلينية] للدير، خاصة في ظل إعادة فتح ملف ملكية الممتلكات من قبل محكمة استئناف الإسماعيلية.
الإطار القانوني اليوناني سيخلق طبقة حماية إضافية تجعل أي تدخل مصري في الممتلكات ذات الطابع الهليني تواجه عقبات قانونية معقدة على المستوى الدولي.
التداعيات الجيوسياسية للأزمة الداخلية
تكشف محاولة عزل رئيس الأساقفة دميانوس عن أبعاد تتجاوز الصراع الكنسي الداخلي لتصل إلى مستوى مؤثر على العلاقات الثنائية بين مصر واليونان. خاصة في مثل هذا التوقيت الحساس، الذي يسبق مباشرة اجتماع وزيري الخارجية المصري واليوناني.
يتعامل الطرف اليوناني المؤيد لبقاء دميانوس على أنه مؤامرة مصرية
تشير إلى وجود أجندة خفية تهدف إلى التريث وتعطيل الجهود الدبلوماسية الرامية لتسوية الوضع القانوني للدير. بينما حقيقة الأمر أن الخلاف داخل الدير هو “يوناني يوناني”، ويخضع لرئاسة دينية مقرها القدس، ﻻ اليونان! إلا أن الصحافة اليونانية تحاول التأثير بشكل غير أمين وغير منصف لوضع الطرف المصري في موقف المهدد المُطالب بإثبات أنه لم يقم بمؤامرات!
كما أن الشكوك حول دور الراهب بامفيلوس، الذي لا ينتمي حاليًا إلى جبل سيناء ويقيم في جبل آثوس، تعزز الاعتقاد بوجود تأثيرات موضوعية منصفة ومعارضة للمؤامرة اليونانية التي يُدبرها اليونانيون ضد مصر. فما مصلحة راهب يوناني كان من الدير وإختبره وإختبر قيادته قبل أن يتركه، في ألا يشهد بالحقيقة في فساد دميانوس، رئيس الدير، واعتدائه على أراضي الدولة المصرية بشكل إستيطاني إستعماري؟
الطرف اليوناني يحاول إعادة تشكيل الوعي الدولي بأن تبدو هذه التدخلات من أورشليم القدس، أو حتى من مصر، وكأنها تسعى لاستغلال التوترات الداخلية لخدمة أهداف سياسية أوسع. هذا النمط من التحفظ ومعاداة الشفافية الدولية ﻻ يمكن أن يكون ساعيًا لتدويل مشكلة الدير على أسس نظيفة! وأغلب ما نراقبه أن هذه التدخلات (إن صح تسميتها تدخلات أساسًا) تهدد استقرار الفساد المؤسسي داخل الدير، ويضعف موقف الأرثوذكسية اليونانية المشهورة بالفساد المالي في المنطقة [4].
تشكل الأزمة الحالية تهديدًا جديًا لاستمرارية المؤسسة الدينية الفاسدة والمتلاعبة سياسيًا، خاصة مع تقدم رئيس الأساقفة دميانوس في السن وخبرته العاطفية الطويلة في إدارة شؤون الدير بالشكل الأبوي الذي لا يسمح بمحاسبته من أبناءه. أي تغيير مفاجئ في القيادة دون توافق داخلي حقيقي قد يؤدي إلى تصدعات مؤسسية يونانية تستغرق سنوات لإصلاحها. وفي اليونان فبقاء المؤسسات الفاسدة مُقدم على أي أخلاقيات إنسانية عامة، فالعبرة بالدير أنه “مصدر دخل اقتصادي” لليونان المفلس! [5].
اليونان تعمل على تعجيل سريع لعملية توقيع اتفاقية ثنائية بين مصر واليونان، لتدويل الوضع القانوني للدير قبل أن ينتبه المصريون للتوترات الداخلية في الدير ذاته.
أخيرًا، من الناحية الكنسية المؤسسية، تحتاج بطريركية القدس للتدخل المباشر لحسم النزاع وفق اللوائح الكنسية المعمول بها، في حين اليونانيون يحاولون الدفع بوزارة الخارجية اليونانية في عملية الوساطة لضمان بقاء رجلهم دميانوس الذي كان يقمع الصراعات الداخلية للدير ويضمن لليونانيين مصالحهم الاستراتيجية الأوسع.
جميع ما ورد بهذا المقال من معلومات مصدرها موقعخطوة أرثوذكسيةالتابع لكنيسة اليونان الأرثوذكس، وعليه وحده يقع عبء الإثبات في صحة ما ورد من معلومات. ومن جهتي كناشر، لم أقم بمجرد ترجمة من اليونانية للعربية، بل تدخلت في إعادة الصياغة لنفس المعلومات بحيث تتوافق مع معايير الصحافة المهنية المنضبطة، حيث أن الأصل اليوناني كان منحازًا بشكل واضح للثقافة الهلينية وبشكل شوفيني فخور متداخل مع معتقدات المحررين اليونان. كما ارتأيته منحازًا أيضًا للرئيس الديني دميانوس، بشكل يعادي الـ١٥راهبًا يونانيًا الذين يرون رئيسهم الديني "فاسد ماليًا" وقد اختاروا الرئاسة الدينية الصحيحة [في القدس، لا اليونان] لمحاسبته أمام رؤسائه بشكل كنسي منضبط، حيث أن هذا الدير ملكًا لنظم الرهبنة الشرقية في كرسي القدس. واستولت كنيسة اليونان عليه من كنيسة القدس في صفقة مشبوهة، وهو ما يُصر الطرف اليوناني أن يتعامى عنه، سواء كنيسة أو دولة. [6].