في غُربتهِ، أراد أنْ يَبنيَ بيتًا يفرحُ بهِ ويرتاحُ فيه…

لمْ يَجدْ أحدًا يُعلِّمه أو يُرشِدهُ كيفَ يَبني بيتًا سليمًا…

فذهب ينظرُ حولهُ ليَجِدَ كثيرين يَلهُون مُبتسمين، فظنَّهُم فَرِحين…

فــــقــــال في نفسه: سَأبني بيتـــي مثل بيوتِهم…

سَأبني في البيت دورًا للنّجاح والتفوّق على أقراني… وبِتفوّقي ســأفــرح!

وسَأسعى لأعملَ في عملٍ جيّدٍ يأتي لي بالمالِ الوفير… وبِعملي ومالي ســأفــرح!

أصنعُ بهِ ما يُفرِحني ويَسُرُّ نفسي، وما تَشتهيهِ عَيْناي!

وأيضًا، سَأبني دورًا آخَر لإقامةِ علاقاتٍ مع هؤلاء الباسمين، حتى أفرحَ معهم وبهم أحيانًا!

وأخَذ يرسمُ مُخططاته وأحلامهُ للبيت…

كلُّها وَفق مشيئتِهِ، كما رأى فيمَن حوله، أو كما قالوا له وأشاروا عليه…

وعندما هَمَّ في البناء، أتاهُ صوتٌ خفيفٌ مِن داخلهِ!

حَبيبي، ماذا تَفعل؟

ماذا تراني أفعل؟! … أَبني بيتــــي!

بيتُك؟! … وبيتي، مَسكن راحتك وس، متى سَنَبنيه؟!

لا تَقلق… فأنـــــــا لنْ أَنسَاك، فسيكونُ لكَ دورٌ كاملٌ في البيت… وبعدين، ما هو بيتـــي بيتك 🙂

ولكنّك تَبني غَلَط!

كيف ذلك؟! وأنــــــا قد حَسَبتُ كلَّ شيء، وصمّمتُ جيدًا للبناء!

أَلَمْ تَلحَظ أنَّ حَجَرَ الزاويةِ في الأساس هو… أنــــــــــــــــــتَ وليس أنـــا؟!

نعم، فأنـــــا أُريد أن أفرَح… ما المشكلةُ في ذلك؟!

أليس هذا ما تُريدهُ أنتَ… أنْ أفرَح؟!

أوَ لعلّك لا تُريدني أن أَبني، وأَنجَح، وأَعلُو؟!

أليستْ هذه مَشيئتك؟!

ألستَ أنتَ القائل: “إنّك تُعطينا النجاح، ونحن عبيدُك نَقوم ونَبني”؟!

نعم، مشيئتي أن تفرَح وتَرتاح، ولكن أنتَ غيرُ مُؤهَّلٍ للبناء الآن، وــــــ…

فقاطعَه، لأنهُ شَعَرَ بأنَّ الوقتَ يَضيعُ في الحديث…

وشَعَر أنَّ هذا الصوت قد أتى ليُفسِد مُخططاتِه في البناء…

فقام مُسرعًا ليبدأ البناء حسب مشيئتِه، كما يرى فيمَن حوله، لذاتِه…

أخذ يَبني مِن سنةٍ إلى سنة؛ لذاتِه، حسب مشيئتِه وأفكاره!

أصبحَ البيتُ مِن الخارجِ جَميلًا، بِشهادةِ كثيرين حوله!

في البداية، انخدعَ كثيرًا بمدحِهم له…

لكنّهُ، مع مرورِ الوقت، بدأ يَشعُر بالضيق، وعدم الفرح داخلهُ!

وتسيرُ الأيام، ويَصيرُ الحالُ من رديءٍ لأردَأ،

وحُلمُ الفرحِ يَتلاشى مع مرورِ الأيام!

والبيتُ تَتصدَّع جدرانُه، والسقفُ يتشقّقُ من فوقه، مُنذرًا بالسقوطِ عليه وعلى من معه!

في يومٍ، تذكّر الصوتَ الخفيف الذي أتاهُ عندما هَمَّ بالبناء،

ليَلتفتَ إلى أساسِ البيت…

ولكنّهُ أَهمَله وتجاهله، وراح يُكمِلُ طريقَه في البناء، وفي علاجِ التصدعاتِ بطريقته، كما بَناه!

فَحدَثَ ما كان خَوفُه يُنبِّهُه إليهِ كلَّ يــــــوم!

نَزَل المطر، وجاءتِ الأنهار، وهبّتِ الرّياح كعاصفةٍ شديدة،

ووقعت على البيت، وصَدمته…

فسَقَط… وكان سُقوطُهُ عظيمًا ومُؤلمــــــًا!

انهدم البيت، بعدَ كلِّ هذه السنين… وهذا التــــــــعب!

تألّم كثيرًا، واكتَئب…

شَعَر بالوَحدةِ المُوحشة، بالرغمِ مِمَّن كانوا حولهُ يُعزّونه…

فقدَ الأملَ في كلّ شيء، وخاب رجاؤهُ في نفسِه…

فَتمنّى الموتَ لنفسِه، لعلّهُ يَرتاح… ويُريح من حوله!

فصرخ، لعلّ أحدًا في السماءِ أو على الأرضِ يَسمع أنينَه!

حينها أتاهُ الصوتُ الخفيف، مرّةً أُخرى،

قائلًا بصوتٍ مملوءٍ بالسَّلام والهدوء:

حبيبي… لا تَخف. أنا هنا معك، لم أتركك طوال الطريق…

بل كانت عَينايَ عليك طوالَ هذه السنين…

كنتُ دائمًا مُنتظرك، تُنادي لي، تَصرخ من أعماقك بصدق،

لآتي وأُخلّصك…

ولن أتركك… فلدينا عَمَلٌ يجبُ أن نُنجزهُ معًا.

لا، يا سيّد… أنتَ تعلم… فأنـــــا لا أُجيد البناء…

أخيرًا أدركتَ

أخيرًا اعترفتَ بأنك وَحدَك، بدوني، لا تقدر أن تفعل شيئًا!

سَأظلُّ جالسًا عند قدميك… أسمع، وأُطيع…

حتى لا أُعيقَ عَملك فيَّ!

دعني أُخبرك بسِر…

سَتصبر طويلًا، فوَضعُ الأساس سيأخذُ وقتًا…

أحيانًا، سيطول انتظارُك!

اصنع، يا رب، كما شئت…

فأنتَ أدرى بأعمالِك…

كُلُّ أعمالك كاملة، حَسَنةٌ جدًّا،

وكلُّ طُرقِك عدل.

فبدأوا البناء… هذه المرة معًا.

والرّب هو بانـي بيته… مَسكن راحتِه.

ويســــــــــــــــــــــــــوع…في الأساس: حَجَرُ الزاويــــــــــــــــــة.

كيف تقيّم هذا المقال؟

← إتجاه ← التقييم ← اﻷعلى ←

المتوسط الحالي 0 حسب تقييمات 0 من القراء

كن أوّل من يقيّم هذا المقال

بما أن المقال أعجبك..

ربما اﻷفضل مشاركته مع دوائرك كي يحظى بانتشار أوسع

من المحزن أن يكون تقييمك للمقال سلبيا

دعنا نعمل على تحسين ذلك

أخبرنا.. كيف يمكن تحسين المقال؟

أشرف سمير
Environmental Planning & Management Systems Specialist في Vodafone Egypt   [ + مقالات ]