بعدَ عناءِ طريقٍ طويلٍ في يومٍ شاقٍّ، سعيًا وراءَ لُقمةِ عيشِه، جلسَ على أريكةٍ خشبيّةٍ في حديقةٍ قدِ اعتادَ الجلوسَ فيها، وأخذَ يُفكّرُ في واقِعه، يُحدِّثُ نفسَه قائلًا:

أوووووف… زهقتْ! زهقتْ من العيشةِ واللي عايشينها… البلدُ واللي عايشين فيها… عيشةُ قرف في قرف!

(وصوتهُ ارتفعَ في كلمة “قرف” الأخيرة).

فبالصُّدفةِ، سمعَهُ رجلٌ عجوزٌ جالسٌ إلى جوارهِ، مبتسمًا.

فاغتاظ وقال له:

ـ بتضحك ليه، يا با؟ في حاجة؟!

ـ لا يا بُني، مفيش… بس شكلك تعبان وقرفان.

ـ يعني هو في حاجة تبسِط وأنا ما انبسطش؟!

ـ صراحةً، عندك حق… كل حاجة في العيشة دي ما تبسِطش ولا تفرّح. بس إنت لسه صغير على كل ده.

ـ شُفت بقى، يا با؟ الدنيا بقت سريعة جدًا دلوقتي، مش زي أيامكم…

يعني الدنيا عاملة معايا الجلاشة بدري بدري، تُقلش عليّا تار وبتخلّصه في جتّتي.

ـ طب ما تحكيلي… يمكن أقدر أساعدك.

ـ أقولك إيه ولا إيه!

قعدوا يعلمونا: “عيشوا الواقع، عيشوا الواقع!”

وادّيني متهبِّب ومتطّين… عايش “الواقع”.

تعب وهم وتحديات، ومحدّش بيرحم حد، وعيشة بتغلى كل يوم، والكل بيستغلّ وبيتجاحد على كله.

ـ طب جرّبت تواجه كل ده؟

تواجه الواقع الأليم؟

تعرف أسبابه وتحاول تغيّره؟

ـ (ضحك ضحكة خفيفة ساخرة): يييييه، حاولت كتير وفشلت…

ـ طب ما تجرّب تحاول تاني… بطريقة تانية؟

أقولك: استعن بصديق… أو اطلب مشورة الجمهور

ـ إنت بتهزر، يا عم الحاج!

بقولك: حاولت كذا مرة وبرضه مش عارف أعيش في الواقع ده… وزي ما إنت شايف: قرفان، يا عم الحاج.

ـ طب إيه رأيك تعيش واقع تاني؟

ـ أعيش؟ يا عم، بس المهم أعيش.

ـ بس المشكلة إنّ الطريق للواقع التاني مش سهل… طريقه ضيّق وكَرب.

ـ يا سيدي، قول… ما أنا كده كده ميت. قول.

ـ يسوع.

ـ نعم؟ ما سمعتكش كويس… يسوع؟! ماله؟

آه، كنت ياما باسمع عنه في الكنيسة…

فدانا وخلّصنا، بس برضه إحنا لسه متبهدلين.

ـ يسوع هو الواقع التاني.

هو الطريق الحقيقي للحياة السليمة.

خلّيه يتولد ويعيش وينمو جواك…

وهو هيشيل التراب اللي متراكم على صورتك الأصلية.

هيديك حياته تعيش بيها في واقعك.

وساعتها، إنت هتتغيّر من جوه، وهتعرف تغيّر الواقع اللي برّاك،

زي ما هو غيّر الواقع اللي حواليه بحياته، وأقواله، وبذله.

ولو حتى الواقع اللي برّه ما اتغيّرش…

إنت جواك هيكون مطمئن، ومليان بسلامه وفرحه، ومش قلقان.

ـ برضه ما عرفتش أعمل إيه؟

ـ ما تعملش حاجة! هو اللي هيعمل.

إنت بس: اقبله صديق ورفيق ومخلّص.

عيش معاه، وانشغل بيه.

ولما يشاورلك على حاجة مقيّداك أو معطلاك عن الحياة…

الجأ له فورًا ومن غير مناكفة.

وهو هيخلّصك ويشفيك بصليبه.

لأنه: بِجَلدَتِهِ شُفِيتُم [1]

ومع الوقت، هتسلّمله، وهيصير هو الملك والسيد على كل حياتك.

ـ بس أنا ما اتعودتش أعيش جوايا لفترة طويلة…

ده أنا أول ما بقعد مع نفسي، بيجيلي إحباط، وأدخل في اكتئاب، وبيبقى حالي صعب.

ـ ما هو ده وجه من أوجه صعوبة الطريق… ده هو حمل الصليب اللي اتكلم عنه.

بس ما تخافش…

هو مرتبلك مكان وسط جسده وعيّلته،

اللي هايبقوا إخواتك بجد،

وهتلاقي وسطهم كتير من اللي أعماقك محتاجاه.

ـ بص… بالرغم إنّ الواقع المهبب قدام عينيّا ملعلع،

إلا إنّ حدّة القرف اللي كانت قبل ما نتكلم بتتلاشى…

مش فاهم إزاي!

تكنّش ساحر يا با؟! شكلك ساحر

وشاعر بالأمل والرجاء في ك.

ـ طيب… موافق. أمتى أبدأ؟

ـ النهارده… من دلوقتي. لو حبيت.

إذ قِيلَ: «اليَومَ، إِنْ سَمِعتُم صَوتَه، فَلا تُقَسّوا قلوبَكُم» [2]

‎ ‎ هوامش ومصادر: ‎ ‎
  1. رسالة ى ٢: ٢٤ [🡁]
  2. رسالة بولس إلى العبرانيين ٣: ١٥ [🡁]

كيف تقيّم هذا المقال؟

← إتجاه ← التقييم ← اﻷعلى ←

بما أن المقال أعجبك..

ربما اﻷفضل مشاركته مع دوائرك كي يحظى بانتشار أوسع

من المحزن أن يكون تقييمك للمقال سلبيا

دعنا نعمل على تحسين ذلك

أخبرنا.. كيف يمكن تحسين المقال؟

أشرف سمير
Environmental Planning & Management Systems Specialist في Vodafone Egypt   [ + مقالات ]