- أسطورة ١٦ فرقة مسيحية أنكرت الصَّلب
- إنجيل برنابا
- إنجيل يهوذا
- رؤيا بطرس
- أعمال يوحنا
- العظة الثانية لشيث العظيم
- رسالة بطرس إلى فيلبس
- باسيليدس السكندري الغنوصي
- إنجيل مرقيون السينوبي
- ☑ الأبيونيين والنازوريم [النصارى]
سنة 1718، نشر چون تولاند [1] كتابًا بعنوان Nazarenus: or, Jewish, Gentile, and Mahometan Christianity
، [نصراني: أو المسيحية اليهودية، المسيحية الأممية، المسيحية المُحمدية
] يناقش فيه الأصول اليهودية للمسيحية [2].
چون تولاند كان مهتمًا بفكرة إنجيل برنابا، ورآه وسيلة مفيدة لنقد المسيحية. وأطروحة تولاند كانت أن الأبيونيين والنازوريم (النصارى) يؤمنون بنفس ما يخبر به إنجيل برنابا، وبالتالي كانوا يقولون إن يسوع لم يُصلَب، وبدلًا منه صُلب سمعان القيرواني [3].
حسنًا، هل هذا هو الرأي الأكاديمي الذي يقوله المتخصصون في المسيحية المبكرة والكتابات غير القانونية؟ لا.
دعنا نستعرض مثالًا من مايكل جولدر، وورقته البحثية التي بعنوان: Hebrews and Ebionites
، [العبرانيين والأبيونيين
]:
اعتقد الأبيونيون أن المسيح كان كيانًا سماويًا من الدرجة الثانية، وقد حلَّ في يسوع في المعمودية.[4]
علم الأبيونيون أن الكيانات الروحية لا تتألم، لذا انسحب المسيح من يسوع قبل الآلام، وتألم يسوع الإنسان وحده.[5](مايكل جولدر، العبرانيون والأبيونيون)
إذن، بناءً على ملاحظات جولدر، لا يعتقد الأبيونيون بوجود شبيه ولا أي شيء من هذا القبيل.
وافتراض چون تولاند أن الأبيونيين يؤمنون بإنجيل برنابا هو مجرد افتراض خاطئ ناتج عن تأثره بقراءة إنجيل برنابا، والذي، حين درسناه، تبين أنه نص من القرون الوسطى لا قيمة تاريخية له [6].
باختصار شديد: لم ينكر الأبيونيون موت يسوع على الصَّليب، بل فصلوا يسوع
عن المسيح
، وبالتالي مات الإنسان يسوع
على الصليب بمعزل عن الطبيعة السماوية المسيح
التي صاحبته من معموديته حتى ما قبل صلبه.
ممكن نروح لكتاب هانز خواكيم شويبس، بعنوان Jewish Christianity: Factional Disputes in the Early Church
، [المسيحية اليهودية: النزاعات الفئوية في الكنيسة الأولى
] حيث يذكر أن تقاليد المسيحية اليهودية الخاصة بالناصريين، أو الـ Nazorim، تشير إلى حدوث شقاق كبير [7] في السنة السابعة بعد موت يسوع [8].
بعبارة أخرى، بالنِّسبة للفئة المسماة بالأبيونيين أو الناصريين، كانت الأحداث الكبرى تُؤرَّخ بموت يسوع، فيقال في السنة السابعة بعد موت يسوع
. فهل يُعقل أن يكونوا ينكرون صلبه ويؤرِّخون بموته؟
أيضًا، يذكر شويبس أن إنجيل الأبيونيين كان فيه فقرات عن القيامة [9]. فهل سيكون ليسوع قيامة بدون أن يموت، أو لو مات أحد آخر بدلًا منه؟
ويذكر التفاصيل بشكل واضح لاحقًا، وإن الأبيونيين لم ينكروا الصلب، ولكنهم أنكروا لاهوت بولس الذي يضع وزنًا كفاريًا لموت يسوع [10].
ومن الجدير بالذكر، أن إبيفانيوس، أسقف سلاميس، يذكر أن الأبيونيين كانوا يعتبرون المعمودية طقسًا محوريًا جدًا، مثل الأرثوذكس بالضبط، وكانت لديهم أيضًا طقس يُمارس سنويًا في ذكرى موت يسوع
[11].
هنا أيضًا نرى أن الصراع ليس حول “يسوع التاريخي” الذي يتحدث عنه الباحثون، بل حول مسيح الإيمان. الأبيونيين، بفصلهم بين الإنسان يسوع والطبيعة السماوية للمسيح، استطاعوا تخليق مساحة لنفي الحقيقة التاريخية مع الإقرار بظاهرها.
خاتمة سلسلة: أسطورة ١٦ فرقة مسيحية أنكرت الصَّلب:
في النهاية، نعود فنقول أن التمييز بين آراء اليسوعيين في موت يسوع حدث بعدة طرق: بعض الفرق قالت إن يسوع كإنسان تألم بشكل طبيعي، وفي الوقت نفسه ظهر يسوع الروحي لتلاميذه ليفهمهم الحقيقة. وفرق أخرى قالت إن الصليب نفسه كان له مستويان: مستوى العقوبة الرومانية، ومستوى سماوي. وقالت فرق أخرى إن يسوع كان على الصليب، لكن آلامه كانت ظاهرية، لأنه في الحقيقة لا يتألم. وارتأت فرق أخرى في لحظة حمل سمعان القيرواني للصليب اللحظة المناسبة ليغير يسوع شكله، فيُصلب سمعان بدلًا منه، مخادعًا بذلك إله العهد القديم وأتباعه. كل ما يحدث هنا هو تأملات وانعكاسات في نصوص موجودة ومكتوبة، وهي نصوص الأناجيل الأربعة.
إنّ المؤرخ لينظر في خبر يحتاج لخبر قديم من مصادر متعددة، ولا يخالف ما نعرفه عن سير الطبيعة. المؤرخ في دراسة الصَّلب متوفر لديه كل ما يحتاجه، وفي نفي الصَّلب ينقصه كل شيء. ينقصه مصادر قديمة متعددة ترجع لزمان ومكان الحدث، وتواجهه إشكالية معرفية كبيرة: بديل الصَّلب هو أن الناس رأوا بعيونهم شيء، والواقع شيء آخر، وأساسًا المعرفة تتحرك من افتراض مسبق بصدق الحواس. فلو الحواس غير صادقة، واحتمال أن نرى شخصًا يُصلّب وهو ليس كذلك، إذن لا معرفة أصلًا ولا جدوى للحواس.
المؤرخ ليس لديه سوى خبر واحد متسق مع أدواته التاريخية ومع السياق الزمني والثقافي ومع علم المعرفة، وهو أن شخصًا يهوديًا في القرن الأول تم صلبه، وانتشر خبر موته وسط أتباعه وخارجهم. لا يوجد شيء غريب أو مخالف لسير الطبيعة أو للخبر المنتشر نفسه. لذلك، الذين طرحوا إشكاليات معرفية على المعجزات والقيامة والنبوات لم يكن لديهم أي مشكلة في القول إن “الصَّلب هو الحقيقة التي لا تقبل النزاع” في حياة يسوع.
