المقال رقم 5 من 8 في سلسلة أسطورة ١٦ فرقة مسيحية أنكرت الصّلب

النص الرابع الذي يتم الاحتجاج به هو أعمال يوحنا، والادعاء هو أن النص “يؤكد نجاة المسيح”.

مبدئيًا، هناك نصان باسم “أعمال يوحنا”.

النص الأول لكاتب اسمه لوشس كارينوس (Leucius Charinus) كتب خمس نصوص لأعمال الرسل، تعود إلى ما بين القرنين الثاني والثالث الميلاديين [1]، وما يهمنا منها هو نص أعمال يوحنا، الذي يُرجح برنارد پيك تاريخ كتابته إلى ما بين 150-180م. كتب لوشس كارينوس؛ أعمال يوحنا، وبطرس، وبولس، وأندراوس، وتوما. ومع ذلك ينسب بعض الدارسين (مثل شميت) أعمال يوحنا فقط إلى لوشس [2]، بينما دارسن آخرين (مثل وچيمس) يرون أن لوشس كارينوس كاتب أعمال يوحنا هو نفسه كاتب أعمال بطرس [3].

وهناك نص آخر كتبه بروكوروس (Prochorus) في القرن الخامس، وهو رواية مصنّفة أدبيًا على أنها أدب رومانسي، تحكي الأعمال المُعجِزية ليوحنا في جزيرة بطمس [4].

من المهم أن نعرف هذه المعلومة، لأن النص الأول، والخاص بأعمال يوحنا من القرن الثاني أو الثالث، لا توجد منه مخطوطات كاملة. ويحاول الباحثون تجميع ما يقرب من 70% من النص من نصوص ثانوية، ومن ضمنها أعمال يوحنا التي كتبها بروكورس. لأن بروكورس اعتمد على نص لوشس كارينوس وأضاف عليه تفاصيل وأحداثًا لإنتاج النص النهائي في القرن الخامس [5].

أيضًا، من المهم معرفة أن مسألة كون لوشس كارينوس هو الكاتب، تستند إلى كلام فوتيوس، بطريرك القسطنطينية، من القرن التاسع. كما ذُكر لوشس كارينوس هذا في أحد كتب ، أسقف سلاميس، باعتباره أحد تلاميذ يوحنا [6].

لاحظ برنارد پيك أن النص فيه سمات دوسيتية، ويعني هذا أنه يفصل بين يسوع الحقيقي أو الروحي وبين جسده أو صورته المادية [7]. نفس الكلام يقوله قاموس Yale حيث يتكلم عن ويقول إنها كانت فرقة تتجنب عار الصليب عن طريق القول بأن يسوع الروحاني لم يتألم، وكان واقفًا يضحك بينما تُصلب صورته [8].

ما تتكلم عنه الدوسيتية هنا ليس فكرة الشبيه، بل شيء أقرب لفصل الطبيعتين؛ فيُصلب إنسان يسوع، لكن يسوع الإلهي أو الروحاني غير معرض للآلام، وهو شيء مشابه لما رأيناه في دراسة إنجيل يهوذا [9]، ورؤيا بطرس [10].

لاحظ دنيس رولاند ماكدونالد أنه في أعمال يوحنا وبطرس ظاهرة تسمى polymorphism [تعدد الأشكال]، بمعنى أن يسوع دائمًا لديه صور متغيرة ويظهر بصور مختلفة حتى قبل قيامته أيضًا [11].

ويذكر أن إريك چونود وچان دانيال كاستلي يتفقان مع الرأي نفسه ويستخدمانه في حُجة معينة ليقولا إن أعمال يوحنا كُتبت قبل أعمال بطرس، مثلًا في أعمال يوحنا 87، يأخذ يسوع صورة يوحنا وصورة شاب [12].

المهم إنه في أعمال يوحنا 97، يوحنا يرى يسوع مصلوبًا يوم الجمعة في الساعة السادسة من اليوم، ويرى أن ظلمة حلَّت على الأرض. ولأن يوحنا لم يستطع تحمُّل المنظر، هرب إلى كهف. وهناك، يرى يسوع الذي ينير الكهف كله، ويقول له: إني أمام شعب أورشليم أُصلب، ويُقدَّم لي الخل والمر.

والذي نحتاج أن نفهمه هنا هو أن هيئة يسوع المتغيرة والقدرة التي يستخدمها، حتى قبل قيامته، ليست فكرة الشبيه الموجودة في نصوص أخرى مثل إنجيل ال. الفكرة هنا هي أن ليسوع طبيعتين: طبيعة إنسانية تُصلب، وطبيعة روحية أو إلهية لا تموت، تظهر ليوحنا بلا هيئة ويسوع “الحقيقي” على صليب من نور، ولكن يوحنا كان يسمع صوته الإلهي فقط، كما هو مذكور في أعمال يوحنا 98.

أنتم تسمعون أنِّي تألَّمت، ولكنِّي لم أتألَّم. وتسمعون أنِّي لم أتألَّم، ولكنِّي تألَّمت. تسمعون أنِّي ثُقِبت ولكنِّي لم أُسحَق، وعُلِّقت ولم أعلَّق. تدفَّق الدّم من جنبي، ولم يتدفَّق. ما يقولونه عنِّي لم يُصِبني، وقد عانَيتُ ما لم يقولوه. لذا فافهموا أنتم أيضًا التَسبيح الذي للكلمة، طعن الكلمة، دم الكلمة، جراح الكلمة، تعليق الكلمة، آلام الكلمة، تثبيت الكلمة بالمسامير، موت الكلمة. وهكذا أنا أكلِّمكم، بخلعِ الإنسانيَّة. اعرفوا أنتم إذًا الكلمة بالأولى، حينها تعرفون السيِّد، وأخيرًا [ثالثًا] الإنسان الذي تألَّم. [13]

(أعمال يوحنا ١٠١)

وحين نزلت من الجَبَل ضحكت في وجهِ كُلّ شيء، كيفما أخبرني، أيًا كان ما قاله النَّاس عنه، لأنِّي فهمت أن السِّيد قد دبَّر كُل هذا بطريقة رمزيَّة لينال الخلاص والأبدية للعالمين. لذا نعبده، هذا الذي اختبرنا آلامه، ولكن ليس بالأيدي والفم واللسان، ولا بأعضاءِ الجَسَد، ولكن نعبده بسُكنى الرُّوح، هذا الذي كان إنسانًا بدونِ هذا الجَسَد. [14]

(خاتمة أعمال يوحنا)

هذان النصان واضحان جدًا في أن يسوع الإنسان تألم، لكن طبيعة يسوع الأخرى لم تتألم. ولهذا السبب يقول: تسمعون أني تألمت، ولكني لم أتألم. وتسمعون أني لم أتألم، ولكني تألمت. فهو تألم بإنسانيته، لكن بطبيعته الحقيقية لم يتألم. كلهم يسوع، لكن يسوع ليس فقط الإنسان. فعلى الأقل، بحسب أعمال يوحنا، يسوع الإنسان ويسوع الرب ويسوع الكلمة، ويسوع “الكلمة” مستحق العبادة. إلى هنا لا يوجد شبيه، بل هناك لاهوت يسوع، وما من شخص آخر مات على الصليب بدلًا من يسوع، لكن هناك فصل للطبائع.

يتبقى نقطة أخيرة معقدة بعض الشيء، لكن لابدَّ من المرور عليها. بعد أن أوضحنا أن الأجزاء التي ادُّعي فيها إشارة إلى عدم صلب المسيح لا تعبّر عما يريد إيصاله، ووضحنا خلفيّتها اللاهوتية، وأنه حتى في هذه الفقرات لا توجد أساسًا فكرة الشبيه وأن يسوع الإنسان نفسه هو الذي صُلب بالفعل، دعني أقول لك إنه حتى الجزء الذي يتم الاستدلال به يحتمل أن يكون مضافًا على النص.

مجموعة الفقرات التي تم استعادتها من المخطوطة C تغطي من 87 إلى 105. يتناول چوي ماكولم وبرنت نيدرجال هذه الأجزاء في كتابهما المذكور سابقًا، ويقولان إن المخطوط الذي يحمل الحرف C هو المخطوط اليوناني الوحيد المتاح للنص، وأن هناك نزاعًا حول أصالة هذا الجزء من النص الأقدم. ويذكران أن هذه الأجزاء تحتوي على لاهوت يشبه لاهوت فالنتينوس والدوسيتيين، مما دفع البعض إلى الشك في صحتها بالنسبة للنص الأقدم، بينما يرى آخرون أن هذا الجزء يتوافق مع لاهوت بقية النص بشكل طبيعي [15].

في الواقع، إن كان النص مضافًا، فالمدعي بذلك ليس لديه شيء يستشهد به في أعمال يوحنا. ولو لم يكن مضافًا، فقد قدمنا له أدلة على أن النص لا ينكر صلب يسوع، بل فقط يفصل بين الطبيعتين (أو أكثر).

‎ ‎ هوامش ومصادر: ‎ ‎
  1. Bernhard Pick, The Apocryphal Acts of Paul, Peter, John, Andrew and Thomas, Wipf & Stock, 2006, p.10 [🡁]
  2. Bernhard Pick, The Apocryphal Acts of Paul, Peter, John, Andrew and Thomas, Wipf & Stock, 2006, p.10 [🡁]
  3. Bernhard Pick, The Apocryphal Acts of Paul, Peter, John, Andrew and Thomas, Wipf & Stock, 2006, p.51 [🡁]
  4. , The Anchor Bible Dictionary, Vol. 3: H-J, Yale University, 1992, p.899 [🡁]
  5. David Noel Freedman, Eerdmans Dictionary of the Bible, Eerdmans, 2000, p.722 [🡁]
  6. Joey Mccollum, Brent Niedergall, Acts of John: Brepols Library of Christian Sources: Patristic and Medieval Texts, Vol. 7, Brepols Pub, 2022, p.9 [🡁]
  7. Bernhard Pick, The Apocryphal Acts of Paul, Peter, John, Andrew and Thomas, Wipf & Stock, 2006, p.125 [🡁]
  8. David Noel Freedman, The Anchor Bible Dictionary, Vol. 1: A-C, Yale University, 1992, p.1210 [🡁]
  9. ، إنجيل يهوذا، جزء من سلسلة: أسطورة ١٦ فرقة مسيحية أنكرت الصّلب. [🡁]
  10. چون إدوارد، رؤيا بطرس، جزء من سلسلة: أسطورة ١٦ فرقة مسيحية أنكرت الصّلب. [🡁]
  11. Dennis Ronald MacDonald, Semeia 80: The Apocryphal Acts of the Apostles in Intertextual Perspectives, Society of Biblical Literature, 1997, p.24 [🡁]
  12. Jan N. Bremmer, The Apocryphal Acts of John, Peeters Pub & Booksellers, 1996, p. 98 [🡁]
  13. Jan N. Bremmer, The Apocryphal Acts of John, Peeters Pub & Booksellers, 1996, p. 166 [🡁]
  14. Jan N. Bremmer, The Apocryphal Acts of John, Peeters Pub & Booksellers, 1996, p. 166 [🡁]
  15. Joey Mccollum, Brent Niedergall, Acts of John: Brepols Library of Christian Sources: Patristic and Medieval Texts, Vol. 7, Brepols Pub, 2022, p.10-11 [🡁]

كيف تقيّم هذا المقال؟

← إتجاه ← التقييم ← اﻷعلى ←

بما أن المقال أعجبك..

ربما اﻷفضل مشاركته مع دوائرك كي يحظى بانتشار أوسع

من المحزن أن يكون تقييمك للمقال سلبيا

دعنا نعمل على تحسين ذلك

أخبرنا.. كيف يمكن تحسين المقال؟

‎ ‎ جزء من سلسلة: ‎ ‎ أسطورة ١٦ فرقة مسيحية أنكرت الصّلب[الجزء السابق] 🠼 رؤيا بطرس[الجزء التالي] 🠼 العظة الثانية لشيث العظيم
چون إدوارد
[ + مقالات ]
‎ ‎ نحاول تخمين اهتمامك… ربما يهمك أن تقرأ أيضًا: ‎ ‎