- أسطورة ١٦ فرقة مسيحية أنكرت الصَّلب
- إنجيل برنابا
- ☑ إنجيل يهوذا
- رؤيا بطرس
- أعمال يوحنا
- العظة الثانية لشيث العظيم
- رسالة بطرس إلى فيلبس
- باسيليدس السكندري الغنوصي
الإنجيل الثاني الذي يدَّعى أنه ينكر الصَّلب هو إنجيل يهوذا. ولأن الاستدلال بهذا النص لا يحقق مطلب المعترض أصلًا، لأن المعترض لم يقرأ النص، فسنتكلم عن النقاط التي أثارها بشكل سريع، وبعد ذلك نستغل باقي المنشور في طرح معلومات تعريفية بالنص ومحتواه.
مبدئيًا، صاحب الادعاء يقتبس فقرة من إنجيل يهوذا، مدعيًا أنها تقول إن المسيح ليس هو المصلوب. هذه الفقرة من المُفترض أنها صادرة من يسوع ليهوذا، وتقول:
You will do more than all of them. For the man which clothes me, you will sacrifice him
أنت ستعمل أكثر منهم، لأن الرجُل الذي أتلبّسه، أنت من سيضحي به.(إنجيل يهوذا، ٥٦: ١٨-٢٠)
وبما أنه استدل بهذا الجزء، فهذا يعني أنه لم يقرأ النص كاملًا، ولم يحاول الوصول للجزء الأخير ليرى من الذي صُلب.
يعلق ديڤيد براكي في كتابه إنجيل يهوذا
الصادر عن جامعة ييل [1]، فيقول:
كلاً من باسيليدس ويهوذا يُعلّمان −وإن كان بطرق مختلفة− أن الحضور الإلهي أو ماهيّة يسوع لم تتألَّم ولم تموت على الصَّليب. بحسبِ باسيليدس، كان المصلوب شخصًا آخر، بديل، سمعان القيرواني [2]، ولكن في يهوذا “الإنسان الذي يحمل يسوع” عُذّب وضُحي به، ولكن يسوع الإلهي لم يتأثَّر.(ديڤيد براكي، إنجيل يهوذا)
هذا يعني أن إنجيل يهوذا لا يقول نفس ما يقول إنجيل باسيليدس. إنجيل يهوذا لا يحتوي على بديل، ولا يوجد فيه من صُلب مكان يسوع. ويعلق براكي بشكل أوضح في موقع آخر من نفس الكتاب، شارحًا أن اللاهوت الذي في إنجيل يهوذا يشبه فكرة الطبيعتين التقليدي ليسوع المسيح، لكن الناسوت -الحاوية البشرية التي حل فيها لاهوت المسيح- قد عُذّب وضحّي به. بطريقة أخرى، فالألم والموت في إنجيل يهوذا وقع على الناسوت وحده [3].
هذا الإنجيل لا يُعلّم بفكرة تبديل المصلوب، أيّ أن شخصًا آخر تألّم بدلًا من يسوع، سواء كان هذا البديل هو سمعان القيرواني كما علَّم باسيليدس أو شخصاً آخر كما في الخطاب الثَّاني لسيث العظيم [4]. الإنسان الذي يُعذَّب ويُضحَّى به لا يستبدل يسوع، إنه الإنسان الحامل ليسوع، الذي سار به يسوع على الأرض… يوجد يسوع إنساني ويسوع إلهي، الإنساني يحمل الإلهي، والإنساني مُعرض للآلام، وأما الإلهي فلا.(ديڤيد براكي، إنجيل يهوذا)
في كتابها إنجيل يهوذا في السياق: أول مؤتمر دولي عن إنجيل يهوذا
، لكاتبته مادلين سكوپيلو، تشير الكاتبة لمحاضرة ميرڤن ماير عن الفقرة ذاتها. يعلق ماير فيقول لو يهوذا سلم الإنسان الذي يحمل يسوع
، فهذا يعني أن يهوذا سلم الجسد المائت الذي عاش فيه شخص يسوع الروحاني، بحيث يُصلَب الإنسان، ولكن الإنسان الداخلي الحقيقي يتحرر [5]:
إن التضحية بالجسد الإنساني ليسوع لا تحمل أي قيمة خلاصية، بل إنها تسليم من يسوع لجسده المادي الذي كان يستخدمه أثناء وجوده على الأرض.(ميرڤن ماير، إنجيل يهوذا في السياق)
ونفس الكلام نجده في كتاب إنجيل الخائن
للانس چينوت، حيث يقول إن لاهوت إنجيل يهوذا ليس لاهوتًا دوستيًا غنوصيًا، بل لاهوت طبيعتين، بحيث إن الطبيعة الإنسانية فقط هي التي تتألم، والطبيعة الإلهية تنجو [6].
لقراءة مُعمقة، لنقرأ هذه الفقرة بما قبلها من إنجيل يهوذا مباشرة، وفقًا لإعادة بناء النص التي قام بها ديڤيد براكي في كتابه السابق [7]:
56: 8
الحقّ [أقول] لك أن يَد إنسان مائت لن […] عليّ.56: 12
الحقّ [أ]قول لك يا يهوذا أما هؤلاء الذين يُقرِّبون لساكلاس فسوف [يفنون] لأن الـ[…] على الـ[…] كل شيء [شرير].56: 18
وأمَّا بالنسبة لك، أنت ستفوقهم جميعًا،56: 20
لأنَّك ستُضحِّي بالإنسان الذي يحملني.(إنجيل يهوذا ٥٦: ٨-٢٠، والأقواس التفسيرية من ديڤيد براكي)
الجزء الموجود في 56: 8، يرجّح بعض الدارسين أن تكملته: أن يد إنسان مائت لن توضع عليّ [تمسّني]
، وتكملة النصّ تُبيّن بوضوح فكرة التضحية بالإنسان الحامل ليسوع، التي ناقشاها ميرڤن ماير وديڤيد براكي في الفقرات السابقة.
كذلك، هناك ورقة بحثية نشرها فرانك ويليامز بعنوان: إنجيل يهوذا: جدله وتفسيره ومكانته في تاريخ الكنيسة
، يقول فيها إن نصوصًا مثل إنجيل يهوذا ورؤيا بطرس تفترضان أن دمار الجسد المادي ليسوع كان تحريرًا لـ”يسوع الحقيقي”، واعتمادًا على الفقرات 56: 17 – 57: 14 من إنجيل يهوذا، يعلق ويليامز إن لاهوت النص يرى أن التضحية بجسد يسوع المادي ستؤدي إلى تمجيد “الجيل العظيم المولود من آدم” [8].
إذن، كما رأينا، لا يوجد “شبيه” ولا شيء من هذا القبيل في إنجيل يهوذا. فلنترك هذا النصّ جانبًا الآن، ونناقش بعض الأفكار التي سنعود إليها لاحقًا عندما نتحدث عن باسيليدس ورؤيا بطرس وغيرهم.
أول شيء مهم مناقشته هو فكرة الادعاءات المجانية التي تكلمنا عنها في المقال السابق عن إنجيل برنابا. لا يجوز أن تتكلم في موضوع بحثي فتضع تاريخًا من عندك هكذا جزافًا. يعني، الأخ السابق ذكره، ليبرر استخدامه لإنجيل يهوذا الذي لم يقرأ عنه شيئًا، يقول عن مخطوطات يهوذا إنها ترجع للقرن الثالث والرابع، وأنها: منسوخة عن مخطوطات يونانية أقدم منها، أي أنها ربما تعود للقرن الأول الميلادي، تتزامن مع أقدم مخطوطات العهد الجديد المُعترف بها
.
الغريب أن هذه الجملة لا يوجد بها شيء صحيح، ففكرة أن النص يرجع للقرن الأول هي مبالغة واسعة كثيرًا، وفكرة أن هناك مخطوطات للعهد الجديد ترجع للقرن الأول فيها جهل مدقع، وحتى تأريخ النص الذي يريد استخدامه خاطئ. ولكن مع ذلك، من الجيد أن نتكلم في الأمثلة هذه لنتعظ وندرك أن ما يُسمى بـ”مقارنة الأديان” هو مجرد فنكوش يأكل الناس به عيشًا من كل الأطراف.
مبدئيًا، يُؤرخ إنجيل يهوذا لأواخر القرن الثالث، أما إنجيل توما فهو الذي ربما يعود للقرن الثاني. راجع مقدمة كتاب مادلين سكوپيلو [9]، وكتاب ديڤيد براكي [10]، وكتاب لانس چينوت [11]، وكتاب سيمون جاثركول [12]. لم يُرجع أحد النصوص المنحولة للقرن الأول، والسبب بسيط: إن كاتب أي إنجيل منحول لابد أن يكون متأثرًا بأسلوب الأناجيل الأربعة التي يتفق جميع الدارسين على تأليفها في القرن الأول.
في نفس الكتاب، يخصص جاثركول صفحات لمناقشة تأثر إنجيل يهوذا بإنجيل متى، ويضرب أمثلة بفقرات مثل متى 21: 46، المقتبسة في يهوذا 58. كما أن طريقة كتابة لقب يهوذا “الإسخريوطي” في متى (Iskariotes) هي نفسها التي استخدمها كاتب إنجيل يهوذا، بخلاف مرقس الذي يكتبه Iskarioth. كذلك، تعبير الاحتفال بالفصح هو نفس التعبير الذي يستخدمه متى 26: 18 [13].
يسرد جاثركول تقاطعات أخرى مع لغة كاتب إنجيل متى تحديدًا، مثل تعبير “السير في طريق البر/الحق” في متى 21: 32. وفي منتصف الإنجيل، في فقرة أخرى، تبين أن كاتب إنجيل يهوذا يعرف إنجيل متى، وتحديدًا متى 11: 11 [14]، لها مُقابل في إنجيل يهوذا 37، وإن لم يكن مُتشابهًا في الفكرة نفسها، لكنه يعكس نفس استخدام متى للعبارات والكلمات [15].
اعتماد إنجيل يهوذا على الأناجيل القانونية الأربعة أيضًا لاحظه چيمس ماكونكي روبنسون، وناقشه في ورقة بعنوان: المصادر لإنجيل يهوذا
، مشار إليها في كتاب مادلين سكوپيلو. يقول روبنسون أنّ هناك نقاط عرفها كاتب إنجيل يهوذا من محتوى الأناجيل المنقول شفهيًا، لكنّ أجزاءً أخرى تعكس معرفته بنصّ إنجيل لوقا والأعمال [16].
يستمر روبنسون معلقًا على الفقرة التي رأي جاثركول أن بها تأثرًا بمتى 21: 46، لكن روبنسون رأى أنّ التأثُّر هنا بلوقا، لأن لوقا 20: 19 فقط هو الذي ربط القبض على يسوع بالكتبة كما إنجيل يهوذا، الذي ربط عدم نجاحهم في القبض عليه بأنهم “يخشون الناس”، ويكمل بعد ذلك ويعرض عدد كبير من التقاطعات بين مواقف في يهوذا ومواقف في الأناجيل الإزائية [17].
ضمن الأمثلة الطريفة، مثل الزارع، الذي يستخدمه إنجيل يهوذا، بنفس صيغة لوقا 8: 6، حيث يقول إن البذور وقعت على “الصخر”، لا على “أرض حجرية” أو “أماكن متحجرة” كما في مرقس ومتى. ونفس الرأي تبناه ستانلي بورتر وجوردون هيث في كتابهما إنجيل يهوذا المفقود: الفصل بين الحقيقة والخيال
، حيث قالا إن إنجيل يهوذا مُعتمد على الأناجيل القانونية [18].
نقاط ختاميَّة: دعني أذكّرك أن الوضع لدينا في دراسة الأديان والتأريخ هو وضع مُزري، وبالتَّالي أنت المسؤول عن البحث عن المعرفة، وعندما تحتاج للبحث عن المعلومة الصحيحة فابحث في كتب أكاديميَّة، حتَّى لو لديك مُشكلة في التعامل مع اللغات الأجنبية، حاول بقدر الإمكان أن تطوَّر لغتك، وعلى وجه العموم فشغفك بالقراءة سيساعدك على تحسِّن اللغة. ربما في البدايات ستتعب من استخدام القواميس، ويُفضّل أن تستخدم قاموس إنجليزي-إنجليزي، ببعض الكفاح ستتحسن النتائج كثيرًا، وستجد نفسك تستطيع القراءة بمُجرَّد تعوِّدك على الكلمات الخاصَّة بالموضوع الذي تقرأ فيه.
النقطة الثانية هي عدم استقاء المعلومات من أحد بشكل أعمى. كلنا هواة، وننقل من دراسات. لا تنخدع بأن من أمامك ينقل من كتاب لأسقف أو كاهن أو كاتب عربي مشهور. عندما تسمع معلومة، ابحث وراءها في كتب المتخصصين. لا يوجد أحد سيلخص لك تلخيصًا كاملًا بشفافية ونقل كامل للمعلومة. حتى وأنا أكتب الآن، يستحيل أن ألخص لك كمية الدراسات المتاحة أمامي في 1500 كلمة. أنا أحاول أن أقول لك الآراء المتاحة، حتى لو باختزال واختصار، وأحاول ألا أخفي عنك معلومات، وأحاول أن أعتمد فقط على دراسات المتخصصين، لكن هذا لا يعني أنني سأتمكن فعلًا من نقل وترجمة كل شيء. الباقي عليك، والبحث لا ينتهي.
ثالثًا وأخيرًا، رأينا عينات مما يُطرح في مجال دراسة الأديان. رأينا كاتبًا مشهورًا يكتب في تاريخ العراق وتاريخ الأديان، وعندما كتب في المسيحية، كان يخلط كلامه بكلام المتخصصين ويأتي بكلام من عنده. لذا، توخَّ الحذر جدًا، خصوصًا عندما يكون الشخص الذي يقدم لك المعلومة يريد في الأساس إثبات صحة أيديولوجيته على حسابك. الكل منحاز، ودورك أنت أن تدرس وتتبع الدليل.