فَقَالَ الرَّبُّ لِلشَّيْطَانِ: «مِنْ أَيْنَ جِئْتَ؟» فَأَجَابَ الشَّيْطَانُ الرَّبَّ: «مِنَ الْجَوَلاَنِ فِي الأَرْضِ، وَمِنَ التَّمَشِّي فِيهَا»
[1].
فَقَالَ الرَّبُّ: أيوة يعني كنت فين؟!
فَأَجَابَ الشَّيْطَانُ الرَّبَّ: ما أنا قلت في الأرض!
فَقَالَ الرَّبُّ: أيوه برضه كنت فين في الأرض؟!
كان الشيطان يتجول في الأرض بلا هدف واضح. فجأة، وجد نفسه في حضرة الرب، وعرف أن لا مهرب له من الحقيقة.
فَأَجَابَ الشَّيْطَانُ الرَّبَّ: أنت الوحيد الذي تستطيع أن تجعلنا نقول الحقيقة عكس طبيعتنا، قدامك الواحد مكشوف حتى غصبًا عنه! لأ، مش عارف أنا كنت فين الصراحة في الأرض، من حتة لحتة، من المحل ده للمحل ده، وشوية في المدينة دي وحبة في المدينة اللي جنبها، بلف في المترو شوية والعربيات شوية، وأطلع القطر ده وأسافر على البحر شوية، وأخذلي طيارة من بلد لبلد، وعلى هذا الحال!
فَقَالَ الرَّبُّ: وبتعمل إيه في كل ده؟
فَأَجَابَ الشَّيْطَانُ الرَّبَّ: برضه؟!! مانا قلت! بتمشي في الأرض!
فَقَالَ الرَّبُّ: وإيه هدف مشيك؟ بتلعب رياضة مثلًا؟! عايز تخس؟!
فضحك الشيطان ضحكة خبيثة صفراء.
فَأَجَابَ الشَّيْطَانُ الرَّبَّ: هدف! أنا عمري ما كان عندي هدف! حتى كل أصحابي وأهلي عمري ما شفت فيهم اللي عنده هدف! لو هتسمي نشر الفوضى ونشر الأكاذيب والقتل والإهلاك والإفساد في البشر هدف، يبقى ده هدفنا.. وخاصة بين اللي يخصوك، ده أعظم متعنا طوال الوقت.
فَقَالَ الرَّبُّ: وإيه اللي جابك هنا دلوقتي؟
فَأَجَابَ الشَّيْطَانُ الرَّبَّ: جاي أطلب حقي!
فَقَالَ الرَّبُّ: حق! حقك!! حق إيه اللي أنت جاي تقول عليه وتطلبه؟! إنت نسيت إنك كذاب وأبو كل كذاب؟!
فَأَجَابَ الشَّيْطَانُ الرَّبَّ: عارف إني كذاب وأبو كل الكذابين، وعارف إني قتَّال القتلة ومُهلك المُهلكين، منذ البدء قتَّال الناس! فجاي أطلب مساحاتي في الناس دول، اللي رافضين تنبيهاتك ورافضين صوتك ونداءك ليهم يتوبوا ويرجعوا ليك، رافضين يسلموا ليك أراضي قلوبهم ودوافعهم وأفكارهم، كام مرة تناديهم؟! كام مرة تمد ليهم إيدك؟! كام مرة تنقذهم من إيدي والظروف اللي بيصنعوها برغباتهم وطرقهم وبيمشوا فيها؟! إذن دول بتوعي وحقي! حقي ولا مش حقي؟
توقف الشيطان للحظة، منتظرًا رد الرب، وقد أظهرت عيناه بريقًا من الخبث والتحدي.
فَقَالَ الرَّبُّ: زرعك وسط زرعي، زوانك وسط حنطتي، ولادك في إيدك، وشكايتك سمعتها، ولادي في ايدي وإنت عارف يعني إيه في ايدي! وكونهم مش سامعين، ولأنهم ولادي لو حبال الحب مش نافعة، عصا التأديب وتحت سلطاني هايسمعوا ويفهموا ويرجعوا لي.
نظر الشيطان إلى الرب بحقد، وعرف أنه لا يمكنه الفوز في هذا الجدال.
فتبخرت شكاية الشيطان هذه المرة وخرج مخزيًا ككل مرة، هائمًا على وجهه كما كان في الأرض، متمشيًا فيها بدون هدف واضح سوى الكذب والفوضى والإهلاك والقتل.