لا تضلّوا يا إخوتي، فالمسيح يسوع لم يترك لنا صورةً لملامحه، لأن غايته لم تكن أن يُخلِّد وجهه في أيقونةٍ أو أثر، بل أن يطبع صورته فينا ويُخلِّدها، عاملًا في القلب بروحه القدّوس، وساكبًا نعمته من الآب في كل من يطلبونه ويسيرون خلفه العمر كلّه.

لا تُخدَعوا، فالمسيح لم يترك دليلًا على قيامته إلا أولئك الذين وُلد فيهم من فوق، وعلّمهم، وغرس في أعماقهم بذرة الحياة، فنمت وكبرت، وحين صُلب ودُفن، مات في قبورهم ليفني عتيقهم، وقام فيهم سرًّا ليُقيمهم بحياته معه. هؤلاء وحدهم صاروا الشهادة الحيّة على قيامته.

كفّوا عن تتبع الأوهام، فلم يكن القبر الفارغ هو البرهان، بل تلك القبور التي فُرِّغت من الموت وامتلأت بالحياة. ولم يكن النور الخافت، الذي يُقال إنه يسطع من قبرٍ حجريٍّ مرةً في السنة، هو الشاهد الحق، بل ذاك النور الذي يشتعل في القلوب مرةً ويبقى إلى الأبد، ويضيء منها شهادةً لا تنطفئ.

لا تنخدعوا ببريق الأحجار، فإن نور المسيح لا يخرج من حجر، بل هو نورٌ أزليٌّ يخترق حجارة القلوب القاسية، فيشقّها، ويحوّلها من صخرٍ إلى لحم، ومن مواتٍ إلى حياة، ومن ظلمةٍ إلى نور. ذاك هو النور الذي توهّج بأنفاسه في الذين آمنوا به، واستناروا منه، فخرجوا يشهدون بمن أنارهم من بهاء مجده.

المسيح لم يترك لنا قبرًا من حجرٍ شهادةً على قيامته، بل أنار حياة الذين تبعوه، وبدّد عنهم ظلمة مخاوفهم، وأقام فيهم سلامه العجيب الذي يفوق كل عقل، وسكن بنوره في أعماقهم. فانطلقوا يضيئون العالم ببشارته وتعاليمه، لا بكلماتٍ فحسب، بل بحياةٍ تشهد لمحبة الآب التي انسكبت فيهم بالروح، وفاضت على من حولهم.

وإنّ نوره فيهم لم تستطع ظلمة هذا العالم، بكل ما فيها من خداعٍ وظلال، أن تطفئه. فقد قدّموا أنفاسهم الأخيرة، لا على مذابح العادة، بل متحدين بأنفاس الحياة، شهادةً لمن مات عنهم وقام، ومجّدوا به الله الآب.

ذلك القبر… ليس قبر يسوع، بل قبركم أنتم.
قبرٌ تزيّنونه كل عام، وتوقدون عنده نارًا لا تُدفئ، ثم تعودون إلى برودة أرواحكم كأن شيئًا لم يكن.

هو شهادةٌ لظلمةٍ تأبى أن تنقشع، لقلوبٍ عشقت البريق ورفضت النور، لعيونٍ انبهرت بومضةٍ لا تُحيي ميتًا ولا تبدّل قلبًا.

هو مرآةٌ للتدين الزائف الذي يحجبكم عن معرفة الله، شاهدٌ على القلوب المتحجّرة، وعلى قبورٍ أوصدتها محبة الذات على أنانيتها، فرفضت أن تنفتح لنور الحياة.

قبرٌ يُضاء لحظات، لا ليُقيم من فيه، بل ليطمئن النفوس المرتجفة بكذبة متقنة، فيرضى أصحابها بوهجٍ لا يفضح الظلمة، وسلامٍ من طينٍ لا يثبت في العاصفة فيتقسي اكثر.

قبرٌ يُرضي الجسد ويُطفئ الروح، يلمع ولا ينير، يُخدر ولا يُحرّر.

استفيقوا!
الزيف لا يُقيم موتاكم، ولا المعجزة المصنوعة تُنبت حياة في صحراء القلب.
الله لا يسكن في قبرٍ يُضاء، بل في قلبٍ يتوب.
القيامة ليست نارًا توقدونها في مكان، بل حياةٌ تشتعل من السماء في كيان.
ما أكثر الذين يهربون من نور الحق إلى وهج الحجارة، ويفضّلون قبرًا يلمع على صليبٍ يُفني ذواتهم ويقيمهم حقًا في النور.

لكن اعلموا: لن تنفتح هذه القبور إلا بزلزلة عظيمة، ولن يُمزّق هذا الحجاب إلا بصوت صارخ في أعماقكم: استيقظ أيها النائم، وقم من الأموات، فيضيء لك المسيح.

كيف تقيّم هذا المقال؟

← إتجاه ← التقييم ← اﻷعلى ←

بما أن المقال أعجبك..

ربما اﻷفضل مشاركته مع دوائرك كي يحظى بانتشار أوسع

من المحزن أن يكون تقييمك للمقال سلبيا

دعنا نعمل على تحسين ذلك

أخبرنا.. كيف يمكن تحسين المقال؟

أشرف سمير
Environmental Planning & Management Systems Specialist في Vodafone Egypt   [ + مقالات ]