رسالة إلى يـاسيــن… اقرأها حين تكبر وتصير رجلًا!

إن قرأت هذه الرسالة، فأنت لم تَعُد طفلًا.
أنت الآن في العمر الذي يبدأ فيه الإنسان في إعادة صياغة الحكاية… لا كما رواها الناس، بل كما عاشها هو.

أمام مُفترق في العمر الذي يصبح فيه الوعي بما يكفي ليختار طريقه: إما أن يُعيد إنتاج الجريمة التي وُجهت نحوه، أو أن يكسر السلسلة ويختار طريق النور، والغفران، والشفاء، كإنسان حر من سجن جرحه لا كضحية أبدية.

ولهذا كتبت إليك لتقرأ الآن، لا لأنك بطل قصة مأساوية، ولا لأنك رمز رفعته الجماهير!
بل لأنك “إنسان”، وأنا أكتب إليك بروح أب، كرفيق، كصوت يُحبك دون أن يُصفّق لك باطلًا، ويريد لك الحياة في النور لا في المجد الزائف.

* أعلم أن ما حدث لك كان جريمة، لكنه لا يحدد مصيرك.

يا بني،
ما حدث لك كان خطًأ صارخًا لا يحتمل تبريرًا ولا تلطيفًا او تخفيفًا.
جُرِحتَ في مكان لا يجب أن يُمس، لا جسدًا فقط، بل في كرامةٍ وبرائةً ونفس.
لكنّي أرجوك، لا تجعل ما جرى هو التعريف الوحيد لنفسك.
أنت لست “الطفل الذي اُنتُهِك”، بل “الإنسان الذي نجا”، “الروح التي ظلّت تتنفس رغم الظلمة التي تحوطها من كل مكان”، “القلب الذي ما زال لديه فرصة أن يستنير ويُضيء الطريق”.

* لا تورّث الجريمة لنفسك.

يا ياسين،
الجريمة الكبرى ليست ما حدث لك، بل أن تظل تعيش أسيرًا لها.
أن تحمل السيف الذي جُرحت به، وتضرب به غيرك.
أن تصير ما كرهت، دون أن تشعر.
الغضب مفهوم، لكن استيطانه في القلب يمرر النفس و يُحوِّله إلى مرض.
والحق مشروع، لكن استعماله كسيفٍ أعمى، يُفقده عدالته.

* لا تصدّق كل من خرجوا يهللوا لك.

حين انهال الناس في الدفاع عنك، لم يفعلوا كلهم ذلك من أجلك.
بعضهم كان يريد فرصةً للثأر من قهرهم الشخصي!
وبعضهم أراد فقط أن يركب موجة “التعاطف”!
وبعضهم… لم يكن يراك أصلًا.
فلا تبنِ ثقتك على تصفيقهم، ولا تُصغِ كثيرًا لهتافاتهم.
اصغِ لصوت أعماقك… لصمتك… للذي بقي داخلك بعد انطفاء الأضواء.

* احذر أن تصير ظالمًا باسم الظلم الذي عانيته.

يا صديقي،
كثيرون ظلموا آخرين باسم الدين… وآخرين باسم الوطن… وآخرين باسم الحق…
لكن أقسى الظلم، هو أن تظلم باسم “الوجع”.
أن تُشرعن انتقامك باعتبارك الضحية.
العدالة لا تعني أن نحرق العالم لنثبت أننا كنا ضحايا.
العدالة تعني أن نُصلح ما فُسد… لا أن نُفسد ما بقي.

* تعلّم واسعي أن تُشفى… لا أن تُستغل.

ستكبر… وسيُحاول البعض استخدام اسمك، تاريخك، وجعك، غضبك… في معاركهم.
سيُقنعونك أنك “قائد” وأنك “صوت المستضعفين”، لكنهم في الحقيقة يريدونك فقط “رمزًا يرفعونه حين يريدون”، ويسكتونه حين لا يناسبهم.
لا تسمح لأحد أن يستغل ألمك.
كن حرًا… كن مشفيَّاً… كن ابنًا للسلام لا للحرب.

* المجتمع كله مريض… لكنك لست مسؤولًا عن شفاءه وحدك.

أعرف يا بني، أن المجتمع لم يكن عادلًا معك.
ربما سكت البعض، ربما خوّفوك، ربما أخفوا الجريمة، وربما فضحوك عندما ظنوا أنهم ينصروك.
لكن صدقني… هذا المجتمع لا يحتاج “ثائرًا” أو “متمردًا”، بل “إنسانًا”.
لا تُسخِّر حياتك لتلقينهم درسًا، بل لتكون أنت الدرس… حينما تشفي داخلك من جرحك… وتخرج للحياة فرحًا.

* أعد تعريف القوة.

قوتك ليست في عدد الذين يقفون خلفك،
ولا في عدد المنشورات التي تذكرك،
ولا في سرعة إدانة المجرم،
ولا في أن تصبح “رمزًا” يقهر كل من يعارضه.

قوتك، يا ياسين،
في أن تسير في طريق النور والصدق، حتى لو كنت وحدك.
أن تختار الشفاء، بينما يريد العالم منك الانتقام.
أن تحتفظ ببراءتك كطفل، لا كضعف، بل كأنبل انتصار على الظلم دون أن تشبهه.

* سامح يا ياسين… وانفك من كل من أساء إليك، فالحرية تبدأ من الداخل.

قد تبدو المغفرة مستحيلة، لكنّها لا تعني تبرئة المجرم، بل تحرير قلبك من قبضته.
سامح… لأنك أقوى، لا أضعف.
سامح… لتبقى حرًا، لا عبدًا لجريمةٍ حدثت.
سامح… وامضِ، فالحياة تنتظرك أن تُبني وتقوم شخصًا أعظم من الحكاية التي وقعت لك.

* ابحث عن إلهك… لا في الجماهير، بل في داخلك.

إلهك يا ياسين، لم يكن في صراخهم، ولا في غضبهم…
إلهك كان في قلبك المجروح… في اللحظة التي لم تجد فيها أحدًا إلا دمعتك.
ابحث عنه في الهدوء والعزلة بعيدًا عن ضجيجهم!
في السؤال، في الألم النقي، في البكاء الحقيقي.
ستجده هناك… ينتظرك، ليحتضنك ويضمد ويشفي جراحك ويطلقك من هناك حرًا.

* لا تُكمِل ما بدأه الشر

حين تُحبط، أو تغضب، أو تشكّ… تذكّر هذه العبارة:
“لا تكمل بيديك ما بدأه الشر ضدك.”
توقّف، خذ نفسًا، واكتب فصلًا جديدًا من حكايتك، لا يشبه فصولهم.

كلمة أخيرة يا ياسين…

أنت لست مجبرًا أن تُنقذ الجميع،
ولا أن تُبرّر كل شيء،
ولا أن ترد على كل تعليق.

أنت فقط مُطالب أن تظل إنسانًا.

فالإنسانية الحقيقية لا تولد في صخب المعارك أو ضجيج الجماهير، بل في قلوب اختارت أن تحب رغم الخيانة، وأن تعيش رغم الجرح، وأن تبني رغم ما هُدم، وأن تعطي رغم ما سُلبت، وأن تسير في طريق النور رغم كثافة الظلام.

أنا لا أخاف منك يا ياسين، أنا أخاف عليك.

فابقَ إنسانًا… حتى لو لم تبقَ أي لافتة تقول إنك الضحية.
ابقَ إنسانًا… لأن ربك ما زال يراك “ولدًا ابنًا محبوبًا” يستحق الحياة بملء فرحها.

هذا صوتٌ لا يريد منك شيئًا… سوى أن تعيش إنسانًا في سلام حقيقي.

كيف تقيّم هذا المقال؟

← إتجاه ← التقييم ← اﻷعلى ←

المتوسط الحالي 0 حسب تقييمات 0 من القراء

كن أوّل من يقيّم هذا المقال

بما أن المقال أعجبك..

ربما اﻷفضل مشاركته مع دوائرك كي يحظى بانتشار أوسع

من المحزن أن يكون تقييمك للمقال سلبيا

دعنا نعمل على تحسين ذلك

أخبرنا.. كيف يمكن تحسين المقال؟

أشرف سمير
Environmental Planning & Management Systems Specialist في Vodafone Egypt   [ + مقالات ]