المقال رقم 4 من 4 في سلسلة بين الكلمة والكذبة وُلد الموت

دخل الله إلى المشهد من جديد…
دخل لا كمن يبحث عن انتقام أو دينونة [1]،
بل كمن لا يزال، رغم كل شيء… «أبًا» [2].

أتى لا بصوت صراخ، ولا بصواعق نارية،
بل بصوت هادئ، محمول على ريحٍ عظيمة أمامه تهزّ الشر وتدمّر حصون الكذب [3].
الريح التي تهبّ حيث تشاء،
ولا يعرفها إلا مَن يعرف صوت الروح [4].

وسط كل صراخ إبليس، وخططه ومؤامراته [5]،
وسط فوضى الموت، والخراب، والهلاك، والأفكار المسمومة…
فاهتزّت قلاع إبليس بزلزلةٍ عميقة.
وهبّت ريحٌ عظيمة، تمزّق أبنية حيله، وتخلخل أسوار الظلام.
وبنار، تحرق السهام التي أطلقها في القلوب،
فتساقطت الظنون والأكاذيب، واحترقت سمومها.
حينما ارتجفت وارتبكت الأرواح الشريرة، وارتعدت.
دخوله الذي بعثرها، وبدّد شرها، كمنفاخٍ إلهيّ يذرّي رمادها في الفضاء.
الذي لا يُبقي كذبًا قائمًا، ويمحو حتى آثار ظلاله.

اقترب الله بخطى نعمة لا تُرى…
والرجاء، الذي كاد يُمحى تحت همسات: انتهى كل شيء،
انتعش من جديد، حين سمعا صوته مناديًا:
«… أين أنت؟» [6].

كان الصوت يعرف طريقه إلى الداخل الذي تشوه،
لا يقتحم اقتحامًا… بل يلمس كطبيبٍ ماهر.
يخترق بكلمته التي تميّز الأفكار،
وتكشف أعماق القلب، وتفصل النفس عن الروح،
وتضيء المفاصل، وتُسكِّن صراع المخاخ [7].
دخل إلى الجُرح دون أن يُمزّق شيئاً،
وداوى الانكسار دون أن يُدين.
فأشرق نوره في قلوبهم،
وبدأ ظلامهم يتراجع [8].

وسط السقوط… أُطلق الوعد

وعد… لم يُكتب بالحبر، لكن بالدَّم [9].
وعد… لم يكن في مجرد حروف وكلمات، لكن في شخص.

شخص… يسوع، الذي وُعِد به [10].

الذي نزل،
لا فقط إلى الأرض التي تُنتج شوكًا وحسكًا [11]،
بل إلى عمق أرضنا الداخلية، إلى جحيم صراعنا،
إلى قلوبنا… حيث تحجّرت وتقسّت في السقوط.
نزل ليحيينا… من جذر شجرة الموت وما تُنتجه فينا.

ومن تلك اللحظة… لحظة إطلاق الوعد في آدم [12]،
ارتسم طريق الرجوع:
طريق، فيه القلب الذي مات وفسد…
«يتخلق [13]، ويقوم، ويحيا من جديد» [14].

‎ ‎ هوامش ومصادر: ‎ ‎
  1. لأنه لم يرسل الله ابنه إلى العالم ليدين العالم، بل ليخلص به العالم. (إنجيل يوحنا 3: 17). [🡁]
  2. ثم بما أنكم أبناء، أرسل الله روح ابنه إلى قلوبكم صارخًا: «يا أبا الآب». (رسالة بولس إلى غلاطية 4: 6). [🡁]
  3. وبعد النار صوت منخفض خفيف. (سفر ملوك الأول 19: 12). [🡁]
  4. الريح تهب حيث تشاء، وتسمع صوتها، لكنك لا تعلم من أين تأتي ولا إلى أين تذهب. هكذا كل من ولد من الروح». (إنجيل يوحنا 3: 8). [🡁]
  5. السارق لا يأتي إلا ليسرق ويذبح ويهلك، وأما أنا فقد أتيت لتكون لهم حياة وليكون لهم أفضل. (إنجيل يوحنا 10: 10). [🡁]
  6. وسمعا صوت الرب الإله ماشيًا في الجنة عند هبوب ريح النهار، فاختبأ آدم وامرأته من وجه الرب الإله في وسط شجر الجنة. فنادى الرب الإله آدم وقال له: «أين أنت؟» (سفر التكوين 3: 8-9). [🡁]
  7. لأن كلمة الله حية وفعالة وأمضى من كل سيف ذي حدين، وخارقة إلى مفرق النفس والروح والمفاصل والمخاخ، ومميزة أفكار القلب ونياته. (رسالة بولس إلى العبرانيين 4: 12). [🡁]
  8. لأن الله الذي قال: «أن يشرق نور من ظلمة»، هو الذي أشرق في قلوبنا، لإنارة معرفة مجد الله في وجه يسوع المسيح. (رسالة بولس إلى كورنثوس الثانية 4: 6). [🡁]
  9. وهم يترنمون ترنيمة جديدة قائلين: «مستحق أنت أن تأخذ السفر وتفتح ختومه، لأنك ذبحت واشتريتنا لله بدمك من كل قبيلة ولسان وشعب وأمة» (سفر الرؤيا 5: 9). [🡁]
  10. وأضع عداوة بينك وبين المرأة، وبين نسلك ونسلها. هو يسحق رأسك، وأنت تسحقين عقبه. (سفر التكوين 3: 15). [🡁]
  11. ملعونة الأرض بسببك. بالتعب تأكل منها كل أيام حياتك. (سفر التكوين 3: 17). [🡁]
  12. الذي سبق فوعد به بأنبيائه في الكتب المقدسة، عن ابنه. الذي صار من نسل داود من جهة الجسد، وتعين ابن الله بقوة من جهة روح القداسة، بالقيامة من الأموات: يسوع المسيح ربنا. (رسالة بولس إلى رومية 1: 2-4). [🡁]
  13. وأعطيكم قلبًا جديدًا، وأجعل روحًا جديدة في داخلكم، وأنزع قلب الحجر من لحمكم وأعطيكم قلب لحم. (سفر حزقيال 36: 26). [🡁]
  14. وتتجددوا بروح ذهنكم، وتلبسوا الإنسان الجديد المخلوق بحسب الله في البر وقداسة الحق. (رسالة بولس إلى أفسس 4: 23-24). [🡁]

كيف تقيّم هذا المقال؟

← إتجاه ← التقييم ← اﻷعلى ←

بما أن المقال أعجبك..

ربما اﻷفضل مشاركته مع دوائرك كي يحظى بانتشار أوسع

من المحزن أن يكون تقييمك للمقال سلبيا

دعنا نعمل على تحسين ذلك

أخبرنا.. كيف يمكن تحسين المقال؟

‎ ‎ جزء من سلسلة: ‎ ‎ بين الكلمة والكذبة وُلد الموت[الجزء السابق] 🠼 إطلاق السهام وغزو الأرواح
أشرف سمير
Environmental Planning & Management Systems Specialist في Vodafone Egypt   [ + مقالات ]
‎ ‎ نحاول تخمين اهتمامك… ربما يهمك أن تقرأ أيضًا: ‎ ‎