بين الكلمة التي تحمي: «موتًا تموت»، [1]
والكذبة التي تُغوي: «لن تموتا»… [2]
… وُلد الموت!
ما كُتب عن جنة آدم وحواء قليل، لكن ما لم يُكتب عنها أكثر وأعمق.
لم يكن لدينا وصفٌ تفصيليّ للعلاقة بين آدم وامرأته في الجنة، لكننا نعرف ما لم يكن موجودًا:
لا خجل، لا صراع، لا فرقة، ولا صوتٌ آخر يتسلل ويفسد بينهما.
كانت الحياة وحدةً نقيّة، لا انفصال فيها بين «أنا» و«أنتِ».
كان آدم، حين ينظر إلى امرأته، لا يرى كائنًا آخر، بل يرى امتدادًا لكيانه؛
كأن ينظر إلى يده، فيجد أصابعه؛
لا غربة، بل كيانان موحَّدان في جسد واحد.
كانت نظراتهما لبعضهما بريئة، وأصواتهما لا تحمل دفاعًا ولا هجومًا.
كان وجودهما معًا هو الصورة الأقرب لما يعنيه الله بـ«صورة الله» [3].
شركة لا يُفسدها شكٌّ أو ظنون، ولا يُعكرها خوف.
نستطيع أن نتصوّر هذا الكمال، بالرغم من صمت النص عنه، من الضجيج الذي تبعه.
لأن ما فعله إبليس لاحقًا بالموت الذي تسلط به عليهم [4] هو نقيض ما كان:
فحيث كانت الوحدة والألفة، زرع الريبة والانقسام.
وحيث كان الجسد واحدًا، جعل كل طرف غريبًا عن الآخر، مهددًا، ومراقبًا.
وأوصى الرب الإله آدم قائلًا: «من جميع شجر الجنة تأكل أكلا، وأما شجرة معرفة الخير والشر فلا تأكل منها، لأنك يوم تأكل منها موتًا تموت»(سفر التكوين ٢: ١٦-١٧)
كانت الكلمة وصيةً من نور [5]، خرجت من قلب أبٍ صالحٍ مُحبّ، في جوّ من الشركة والسلام.
وصيةٌ ليست للتقييد، بل للحفظ [6]. ليست للتخويف أو الترهيب، بل للتحذير والاحتراس [7].
قيلت لآدم وهو مطمئنّ، لا مذعور؛ لا في ظلمة الليل، بل في وضح النهار.
فقالت الحيّة للمرأة: «لن تموتا! بل الله عالمٌ أنّه يوم تأكلان منه، تنفتح أعينكما، وتكونان كالله؛ عارفين الخير والشر»(سفر التكوين ٣: ٤-٥)
ألقت الكذبة، ثم انسحبت قليلًا إلى حين… لكن صداها بقي.
كلماتها كانت قصيرة، لكنها كافيةٌ لتُفكِّك أعْظم رابطة صُنعت في الخليقة: الثِّقةُ في كلمة الله.
وبعد اللقمة… «دخلهم الشيطان» [8].
حواء أكلت… ولم يحدث شيء. لم يَسقُطْ برقٌ يضربها، ولم تَفتَح الأرضُ فاهًا فتبتلعها.
أعطت رجلها… فأكل [9]. الظلمة لم تكن خارجية، بل بدأت داخليًا.
الكذبة كانت قد زُرعت، وما على الكذاب إلا أن يرويها لتنمو حتى وقت الحصاد.
وهكذا بدأ أول «حصاد للموت»… بصمتٍ داخليٍّ قاتل [10]، [11].
آدم وحواء جالسان في صمت غريب عنهما، كل شيء داخلهما تبدل.
نظراتهما لبعضهما، لم تعد كما كانت! كانت من قبل مليئة بالبراءة؛
البراءة التي تجعل العين ترى بصدق وبساطة، دون إدانة،
وتحِب دون خوف، وتحتوي دون استغلال.
لكن الآن، العين مضطربة… تتساءل: أهذا أنا؟ أهذه أنتِ؟ لماذا فجأةً أراكِ مختلفة؟
ليست أمورًا جديدة لم تكن فيكِ… بل نظرتي إليها لم تعد مُريحة!
صمتهما لم يكن لعدم وجود كلام، بل لأن الكلام صار ثقيلًا، مربكًا، غير مفهوم، وصارا فجأة يحتاجان إلى شرح وتبرير وتأكيد.
كان بينهما شركة… الآن صارت بينهما مسافة.
كان هناك فرح… الآن شكّ و وخز وكآبة.
كان هناك شبع… الآن جوع وعطش داخلي.
وكل هذا لم يكن نتيجة نظرّة عابرة… بل نتيجة «اختيار».
قرارٌ، صدّقا فيه كذبة الهلاك… وأدارا ظهرهما لـ«كلمة الحياة».