لسنا بحاجة إلى قدّيسين/قدّيسات، يرتدون الزيّ الكهنوتيّ، أو يعتمرن وشاح الراهبات، بل بحاجة إلى قدّيسين يلبسون الجينز، والأحذيّة الرياضيّة. نحن بحاجة إلى قدّيسين، يرتادون دور السينما، ويستمعون للموسيقى في كلّ مكان، ويتسكّعون مع أصدقائهم.

بحاجة إلى قدّيسين ناجحين في وظائفهم، يضعون الله محورًا لحياتهم، وصلاتهم أولويّة تتفوق على قلقهم بشأن نجاحاتهم المهنيّة.

بحاجة إلى قدّيسين سعداء في زيجاتهم، يفتّشون في خضمّ انشغالاتهم اليوميّة عن فُسحة صلاة، ويعرفون كيف يختبرون الحبّ بطهارةٍ، وعفّةٍ، وجمال.

نحن بحاجة إلى قدّيسين شباب، من قلب القرن الحادي والعشرين، تملأ قلوبهم روحانيّة مسيحيّة تتوافق مع تحدّيات العصر وتتماشى معها.

بحاجة إلى قدّيسين حقوقيين، ملتزمين أخلاقيًا بمناصرة الفقراء، عازمين ناشطين على تغيير مجتمعاتهم التي ترزح تحت نير الظلم واللاعدالة.

نحن بحاجة إلى قدّيسين اجتماعيين، يعيشون في العالم ويعيشون من أجل العالم، ليُقدّسوا العالم، لا يخشون وجودهم في قلب العالم بل يسعدون بحضورهم فيه.

إلى قدّيسين، يشربون “الكوكا-كولا”، ويأكلون الهوت دوج، ويُبحرون في الأنترنت، ولا يملّون من الاستماع للـ “MP3”. نحن بحاجة إلى قدّيسين، يعشقون الأفلام، والرقص، والرياضة، والمسرح، ويجدون في انفتاحهم الاجتماعيّ أمرًا طبيعيًا.

(الأرجنتيني الذي أحب رقص التانجو في وجه الحكومات؛ خورخي ماريو بيرغوليو؛ أو باختصار: ال.. الرجل الذي جعل من الوعظ الديني: رسالة للفرح)

في موت مثل هذا الرجل، تصير الحياة، للأحياء، أصعب من أن تُحتمل..

فهو الرفيق الذي لم نقابل.. المرافقون وجودهم يجعل الطريق سهلًا.. صانعي حالات الحب والحلم والذكريات المشتركة..

وهو القديس الذي علّمنا أن ليست القداسة في هجر العالم، بل في التورط فيه أكثر بفيض من المحبة..

هذا الراقص في مواجهة الرصاص، كان كالأطياف الملونة التي تستدرجنا وتغوينا بوجود الأمل.. بأن الحلم: ممكن.. وبأن الأحلام: حق إنسانيّ..

وكان واحدًا من هؤلاء الذين ندين لهم بخانات الوفاء في جداول طرح الحياة.. عند اعتقال صديقي كان موجودًا، وعند استشهاد بني وطني، كرّمهم بشكل عابر للأوطان رافعًا شعار “وحدة الدَّم”

لقد كان كالأصدقاء القدامى.. شركاء معركة الحياة الكئيبة.. هؤﻻء المقاتلين بانفعال حماسيّ للذود عن الذكريات في غيابنا..

وكان كهؤلاء النبلاء العابرين في حياتنا.. من سنظل ندين لهم دومًا بالنصف الأخر من الرغيف لأنهم اختاروا أن يتقاسموا معنا مخاطر الرجم الفردي..

كان بالإمكان أن يجنبنا ذلك مرارة اجتراع ذكريات حزينة سابقة.. إلا أن ظلًا ارتمي علي ورود بيضاء بأسماء من رحلوا عنا.. محفورة علي أبواب قلوبنا الخشبية المغلقة.. وفي نهايتها اسم خورخي ماريو بيرغوليو..

فتعلمنا أن الصمت لغة.. وأن اجملنا واخفنا وزنًا.. هم المنتقلون..

رفرف..

رفرف..

كيف تقيّم هذا المقال؟

← إتجاه ← التقييم ← اﻷعلى ←

المتوسط الحالي حسب تقييمات من القراء

كن أوّل من يقيّم هذا المقال

بما أن المقال أعجبك..

ربما اﻷفضل مشاركته مع دوائرك كي يحظى بانتشار أوسع

من المحزن أن يكون تقييمك للمقال سلبيا

دعنا نعمل على تحسين ذلك

أخبرنا.. كيف يمكن تحسين المقال؟

‎ ‎ نحاول تخمين اهتمامك… ربما يهمك أن تقرأ أيضًا: ‎ ‎