سكونٌ غريب خيّم على كنيسة القديس بطرس، سكون لا يشبه الصلوات، بل يشبه الحيرة.
وقف بطريرك القسطنطينية قرب النعش، بثوبه الأسود وخطواته المترددة، كمن يحاول أن يجد في الموت مساحةً أخيرة للكلام.

كان يعرفه.
لم يكن البابا فرنسيس بالنسبة إليه وجهًا على شاشة أو اسمًا في نشرات المجامع.
كان أخًا في الدعاء، ورفيقًا في الحلم بوحدةٍ ظنّها البعض مستحيلة.
تبادلا العناق في القدس، والابتسامات في القسطنطينية، وكلماتٍ صدقها القلب في روما.

IMG

دَعاه، قبل شهورٍ قليلة، أن يأتي إلى تركيا، ليشارك في الاحتفال بمرور ١٧٠٠ عام على انعقاد ، المجمع الذي جمع الكنيسة قبل أن تُمزّقها السياسات والطموحات.
قال له: لنُعدّ نحن، معًا، شهادة إيمانٍ جديدة، لا نكتبها بالحبر، بل بالفعل.

لكنّه مات.
مات قبل أن يأتي.

اقترب البطريرك من التابوت، ووقف في صمت، كأنّه يبحث عن شيء في قلبه لا يعرف اسمه.

تساءل:
إن كان الانقسام بين الشرق والغرب سببه اللاهوت، فماذا عن انقساماتنا نحن، الأرثوذكس؟
أليست موسكو في خصامٍ مع كييف؟
أليست أنطاكية واليونان في خلافٍ لا يفهمه الناس؟
أليست بلغاريا ورومانيا وصربيا قد رسمت لكلّ منها خريطة كنسية خاصة، كأنّ جسد المسيح قد تمزّق إلى جمهوريات روحية صغيرة؟

هل كان اللاهوت هو السبب؟
أم أن الطمع في السلطة، المدعوم من عروش الأرض، هو الذي ألقى الزيت على نارٍ لم تكن تستحق أن تشتعل؟
هل كان الانشقاق قدرًا، أم رغبةً في التفوّق، ومنافسةً على من “يمثل المسيح” أكثر من الآخر؟ حتّى يظهر الإمبراطور أكثر قداسة على عرشه؟

وها هو ذا، من كان يُلقّب نفسه “خادم خُدّام الله”، راقد أمامه، صامتًا، هادئًا، كأنّه يقول:
لم أعد أمثّل شيئًا… فليتكلم المصلوب.

أغمض البطريرك عينيه، ورفع صلاةً في قلبه:
يا يسوع، أنت الذي صُلِبت بين لصين، لا تدعنا نُصلب بين قصرٍ وبطريركية…
لا تسمح أن يكون اسمك ذريعةً لمجدٍ فارغ…
علّمنا أن الوحدة ليست شعارًا، بل صليبًا…
وأن الصليب ليس حجر عثرة، بل طريقٌ إلى القيامة.

وضع يده على التابوت، كأنّه يودّع البابا، ويستقبل معه فكرةً قديمة:
أن الكنيسة، قبل أن تكون مؤسسة، كانت جماعةً من التلاميذ، يتعثرون، ثم يقومون، ويسيرون خلفك، في الطريق الضيّق.

 

كيف تقيّم هذا المقال؟

← إتجاه ← التقييم ← اﻷعلى ←

المتوسط الحالي حسب تقييمات من القراء

كن أوّل من يقيّم هذا المقال

بما أن المقال أعجبك..

ربما اﻷفضل مشاركته مع دوائرك كي يحظى بانتشار أوسع

من المحزن أن يكون تقييمك للمقال سلبيا

دعنا نعمل على تحسين ذلك

أخبرنا.. كيف يمكن تحسين المقال؟

چون جبرائيل الدومنيكي
راهب في معهد الدراسات الشرقية للآباء الدومنيكان   [ + مقالات ]

صدر للكاتب:
كتاب نقدي: ، هل من روحانية سياسية؟
تعريب كتاب جوستافو جوتييرث: ، التاريخ والسياسة والخلاص
تعريب كتاب ألبرت نوﻻن الدومنيكاني: يسوع قبل المسيحية
تعريب أدبي لمجموعة أشعار إرنستو كاردينال: مزامير سياسية
تعريب كتاب ال: ومواهب الروح القدس

‎ ‎ نحاول تخمين اهتمامك… ربما يهمك أن تقرأ أيضًا: ‎ ‎