ما الذي يجعل إنسانًا يمارس العنف على قطة ضعيفة، أو يضرب كلبًا شريدًا؟ ولماذا يتكرّر هذا العنف في مجتمعاتنا؟ المسألة أعمق من كونها “حادثة فردية” أو “شخص شاذّ نفسيًّا”.

أولًا: التحليل النفسي

١. إزاحة الإحباط
كثيرًا ما تكون هذه الاعتداءات تعبيرًا عن قهرٍ اجتماعيّ أو عجز نفسي، يُسقطه المعتدي على كائن أضعف منه. هذا ما يسمّيه علم النفس بـ”الإزاحة” (Displacement) – حين لا تقدر أن تواجه مَن قهرك، فتُنفّس عن قهرك في الأضعف [1].

٢.الكبت العاطفيّ أو الجنسيّ
بعض مدارس التحليل النفسي ترى أنّ الكبت، إن لم يُعَش بطريقةٍ ناضجة، قد يتحوّل إلى عدوان. الكبت لا يولّد العنف بالضرورة، لكنه إذا ترافق مع شعور بالقمع أو النقص، قد ينفجر ضدّ من لا يملك وسيلة للدفاع. [2]

ثانيًا: نظرة لاهوتيّة عن علاقة الإنسان بالحيوانات

١. الحيوانات ليست كائنات “ثانوية”

الحيوانات مخلوقات الله… ومناقض لكرامة الإنسان أن يجعل الحيوان يتألّم بلا ضرورة [3].

٢٤١٦ الحيوانات خلائق الله، وهو يَحوطُها باهتمامه وعنايته. وهي، بوجودها ذاته، تُباركه وتُمجّده. لذلك، على الناس واجب محاسنتها، ولا يفوتُنا أن نذكر، بأيّ لطفٍ، كيف عامل القدّيسون الحيوانات، من مثل فرنسيس الأسيزي وفيليـب نيري، مُقدّرين محاسنها. ولا يسقط عن الناس واجبُ احترامها.

٢٤١٧ لقد أوكلَ الله الحيوانات إلى إدارة الإنسان الذي خلقه على صورته. لذلك، من المشروع استعمال الحيوانات للغذاء وصُنع الكساء. ويمكن ترويضها لتُعين الإنسان في أعماله وراحته. أما التجارب الطبية والعلمية على الحيوانات، فهي ممارساتٌ مقبولة أخلاقيًّا إذا بقيت ضمن حدودٍ معقولة، وأسهمت في علاج الإنسان وإنقاذ حياته.

٢٤١٨ إنّ تعذيب الحيوانات عبثًا، وهدر حياتها بلا سبب، أمران يتعارضان مع كرامة الإنسان. كذلك، من غير اللائق أن يُنفق على الحيوانات ما يُبالغ فيه من المال، فيما لا تزال الفاقة قائمة عند الناس. يمكن أن نُحب الحيوانات، لكن لا يجوز أن يُمنح لها الحبّ الواجب للأشخاص وحدهم.

(التعليم المسيحي لل، الفقرات ٢٤١٦-٢٤١٨)

٢. القلب واحد: من الحيوان إلى الإنسان

فالقلب هو واحد، والبؤس نفسه الذي يحملنا إلى إساءةِ معاملةِ حيوان ما، سيظهرُ عاجلًا في العلاقة مع الأشخاص الآخرين. إنّ كلّ قسوة تجاه أيّة خليقة كانت هي ضد كرامة الإنسان.

(البابا فرنسيس، رسالة بابوية عامة: كن مُسبّحًا)

ثالثًا: صوتٌ رعويّ ونبوي

الروحانية المسيحية الأصيلة لا تنفصل عن العالم، بل تواجه القساوة بكلمة، وتَدين كلّ من يحتقر حياة الآخرين، بشرًا كانوا أم مخلوقات أخرى.

من لا يحترم الحيوانات، لن يعرف كيف يحترم الإنسان.

فلنتذكّر: العنف ضد الحيوانات ليس مجرّد خلل في الأخلاق، بل إنذارٌ مبكر يفضح عجزًا في التربية، وثُقبًا في الإيمان، وتشوّهًا في صورة الإنسان عن نفسه وعن الله وعن المخلوقات.

‎ ‎ هوامش ومصادر: ‎ ‎
  1. American Psychological Association, APA Dictionary of Psychology: displacement [🡁]
  2. سيجموند ، ثلاثة مباحث في النظرية الجنسية: الحياة الجنسية: العصاب، الذهان، الانحراف الجنسي، ترجمة: چورچ طرابيشي، دار مدارك للنشر والتوزيع، 2015. [🡁]
  3. التعليم المسيحي للكنيسة الكاثوليكية المقدسة [ال]، الوصايا العشر، احترام سلامة الخليقة،  الفقرات 2416–2418. [🡁]

كيف تقيّم هذا المقال؟

← إتجاه ← التقييم ← اﻷعلى ←

المتوسط الحالي حسب تقييمات من القراء

كن أوّل من يقيّم هذا المقال

بما أن المقال أعجبك..

ربما اﻷفضل مشاركته مع دوائرك كي يحظى بانتشار أوسع

من المحزن أن يكون تقييمك للمقال سلبيا

دعنا نعمل على تحسين ذلك

أخبرنا.. كيف يمكن تحسين المقال؟

چون جبرائيل الدومنيكي
راهب في معهد الدراسات الشرقية للآباء الدومنيكان   [ + مقالات ]

صدر للكاتب:
كتاب نقدي: ، هل من روحانية سياسية؟
تعريب كتاب جوستافو جوتييرث: ، التاريخ والسياسة والخلاص
تعريب كتاب ألبرت نوﻻن الدومنيكاني: يسوع قبل المسيحية
تعريب أدبي لمجموعة أشعار إرنستو كاردينال: مزامير سياسية
تعريب كتاب ال: ومواهب الروح القدس

‎ ‎ نحاول تخمين اهتمامك… ربما يهمك أن تقرأ أيضًا: ‎ ‎