Search
Close this search box.
نحن الأقباط والكنيسة، بحاجة إلى إعادة فحص ما استقر بيننا من أفكارٍ صارت ثوابت، منها القول بأن المجتمع العام استبعد الأقباط من المشاركة في فعالياته الرسمية والمجتمعية بفعل تغلغل الفرز الطائفي، ربما مع تكون جماعة الإخوان ١٩٢٨، ما دفع الأقباط إلى خلق مجتمعٍ بديلٍ موازٍ، وهو أمر فيه كثير من الصحة خاصة مع صعود وشيوع الفكر الأصولي فيما عرف بالصحوة الإسلامية، لكنه حق يراد به باطل، وربما يتضح ذلك عند مقارنته بتجربة الشبيبة الأرثوذكسية بلبنان.

قدر من المسئولية يتحمله جيل الأربعينيات من القرن المنصرم، الذي انتبه لحاجته إلى إحياء الفكر الأرثوذكسي في مواجهة ثلاثية الانقطاع المعرفي، والهجوم الي والكاثوليكي اللذان بُعثا في أعطاف موجات الاحتلال الغربي، والاستهداف الإسلامي المقابل.

طيف من النشطاء وقتها، وقد صدمه الاستبعاد قدم تنازلات جعلته في خدمة تلك الثلاثية، ووجد مكانًا في المشهد السياسي كتابع على حساب القضية القبطية، فبعضه انضم للمذهب البروتستانتي (مكرم عبيد)، وبعضه سخر نفسه لخدمة السلطان (بطرس باشا غالي)، وبعضه انحاز للقضية الوطنية وناصر ثورة ١٩ وصار أحد أركانها (فخري عبد النور)، وكلهم صاروا من الإيليت (الصفوة) وما زالوا.

فيما انتقل طيف آخر، وجلهم من الطبقة المتوسطة، من المجال العام إلى المجال القبطي الكنسي، وهم الشريحة المستهدفة بإعادة الفحص، إذ حَملوا فشلهم في عدم التحقق في الفضاء العام، باختلاف طموحاتهم وخلفياتهم الفكرية، وذهبوا إلى الفضاء القبطي الكنسي، وصيروه ميدان صراعاتهم، تحالفوا حينًا وتصادموا أحيانًا، كانت الأرضية تبدو كنسية دينية بينما الأدوات سياسية قحة.

كانت أبرز تجمعاتهم:

* جماعة الأمة القبطية، التي استنسخت تجرِبة حتى تطابق شعارها الشهير، وأعلن المبادئ، ويأتي تاريخ التأسيس (١١ سبتمر ١٩٥٢ وتاريخ الحل أبريل ١٩٥٤)، وملابسات تطور علاقتها بالكنيسة وأجنحة يوليو ٥٢، ومطالبها السياسية المقدمة منها للجنة الدستور، التي كانت السبب الرئيس لحل الجماعة وليس حادثة اختطافهم لل الشهيرة.

*جماعة مدارس الأحد؛ التي استنسخت فكرة ونظام تجرِبة الغربية بعد تطعيمها ببعض المظاهر القبطية الأرثوذكسية في الممارسة، وتأثر مؤسسها وجناح شبرا بمصادر تعليمية خارج السياق القبطي الأرثوذكسي، بينما تبنى جناح آخر التوجه الاجتماعي في مقابل توجه انعزالي لجناح ثالث.

وشهدت الكنيسة صراعًا غير معلن بين كهنة تلك الحِقْبَة وتيارات مدارس الأحد، وانقسم معهم الشباب إلى فريق شمامسة في مواجهة فريق مدارس الأحد.

وانتهت المواجهة بتسيد مدارس الأحد بعد صعود أحد روادها إلى الكرسي البابوي (ال)، لتبدأ مرحلة جديدة تتغير معها خريطة التوازنات، بتوجه الكنيسة إلى رهبنة الفضاء الكنسي، وعلى الرغم من أن الرهبنة هي بالأساس حركة عَلمانية إلا أنه تم صبغها بالصبغة الكهنوتية، وتم إخضاعها للهيراركية (التراتبية) الكنسية، وتم تقنين رسامة أسقف لكل دير، فتفقد تمايزات تجمعاتها والقدر المتاح لها من حرية الحركة، وتنوع مدارسها.

وفى تطور لاحق يتم التمييز بين الكاهن الراهب والكاهن المتزوج، ويمتد محاصرة الأخير بالتوسع في رسامة ما عرف بالأسقف العام (أسقف بلا رعية!!!) لتتقلص معه مهام ودور الإيغومانوس (القمص)، بعد أن تراجع دور الشماس لينحصر في حفظ وترديد الألحان الكنسية.

الأزمة هنا ليست في خريطة التوازنات المرتبكة واختلال الهيراركية الكنسية بالاختفاء الفعلي لدور كل من الشماس والقمص، وإنما في الصلاحيات المفتوحة للأسقف وارتهان بقاءه برضا البابا البطريرك وجماعات الضغط والمصالح.

والأخطر هو خضوع التعليم فيما بعد صعود جناح من أجنحة مدارس الأحد إلى قيادة الكنيسة لما يؤمن به هذا الجناح، الذي نجح في تكريس التماهي بين قيادة الكنيسة وبين الكنيسة الكيان، واعتبار أن ما تقول به القيادة بشكل شخصي هو رأى الكنيسة. وأن من يختلف مع طرح ورأي القائد إنما يختلف مع إيمان الكنيسة(!!!) بل ويحسب مهرطقًا.

الكنيسة في خطر وطرحى لا يستهدف أشخاص بقدر استهدافه لمنهج استقر لعقود في إدارة الكنيسة.

كيف تقيّم هذا المقال؟

← إتجاه ← التقييم ← اﻷعلى ←

المتوسط الحالي حسب تقييمات من القراء

كن أوّل من يقيّم هذا المقال

بما أن المقال أعجبك..

ربما اﻷفضل مشاركته مع دوائرك كي يحظى بانتشار أوسع

من المحزن أن يكون تقييمك للمقال سلبيا

دعنا نعمل على تحسين ذلك

أخبرنا.. كيف يمكن تحسين المقال؟

كمال زاخر
كاتب ومفكر قبطي في التيار العلماني المصري  [ + مقالات ]

صدر للكاتب:
كتاب: : صراعات وتحالفات ٢٠٠٩
كتاب: قراءة في واقعنا الكنسي ٢٠١٥
كتاب: الكنيسة.. صراع أم مخاض ميلاد ٢٠١٨