شرعت  في ثمانينات القرن الماضي في إنتاج أفلام مسيحية عن  والقديسين، لا تعرضها دور السينما مثل باقي الأفلام، بل تُباع في شرائط فيديو بمكاتب الكنائس. وانفردت وحدها بعرض قصص ال التي لم نشاهدها من قبل في أي أفلام غربية؛ ف قد أنتجت العديد من الأفلام حول قصص الكتاب المقدس لكننا لم نر أبدًا فيلمًا هوليوديًا عن عذابات الشهيد مارجرجس أو الشهيدة مارينا.

أنشأت الكنيسة لجنة للمصنفات الفنية لمراجعة القصة والسيناريو والحوار كي تكون الأفلام مطابقة للتاريخ، ولمراجعة المضمون الروحي للفيلم كذلك. وكان المخرج “” أول من ساهموا بالإخراج. أما عن المخرج صاحب الرصيد الأكبر على الإطلاق في إخراج هذه الأفلام، فهو بالطبع المخرج “ماجد توفيق” الذي انفرد بتقديم أفلام لم ولن نشاهد مثلها قط.

لن أتطرق إلى النقد التقني للأفلام، أي فيما يتعلق بالملابس، وجودة الجرافيك، والمواهب التمثيلية، والغنائية وما إلى ذلك. ولا يعني كلامي أني أرفض نقد الأفلام رديئة المستوى طالما الهدف هو الرسالة الروحية؛ فكنيسة بحجم الكنيسة الأرثوذكسية بمصر يجب أن تقدم ما يليق بها من أفلام حتى لا تصبح مثارًا لسخرية كل من هب ودب. لكنني فقط سأخصص حديثي عن المضمون الروحي والأخلاقي لتلك الأفلام.

الميديا وعلم الاجتماع

الميديا، تلك الأداة التي تتغلغل إلى عقل المتلقي وتشكل وعيه ووجدانه، كانت من أهم أسلحة الحرب الباردة التي وظفتها الدول للترويج إلى أيديولوجياتها، كما عملت من خلالها على تجهيل الشعوب وتسطيح عقولها حتى يسهل حكمها. وبالمثل، لعبت الميديا المسيحية – التي ظلت بعيدة عن الرأي العام – دورًا كبيرًا في تشكيل وعي المواطن القبطي بشكل متسلل، وجعلته يصدق ما لا يصدقه عقل، بل وجعلته أيضًا ينحي فطرته السوية جانبًا ويتبنى أخلاقيات ومفاهيم جديدة عن العالم.

“تجوزني أمك يا حبشي يا أسود؟”

(القس عبد المسيح المناهري)

تلك العبارة المبتذلة التي قرأتها الآن، هي عبارة شهيرة للقس “عبد المسيح المناهري”، الذي قدم المخرج “ماجد توفيق” قصته في أحد الأفلام. ووفقًا للقصة، كان هذا القديس يحب أن يشتم الناس بأمهاتهم، هكذا، لكي يخفي قداسته. وبالطبع، هذا سبب مقنع جدًا وعذر مقبول لسب الناس والتنمر عليهم وبث اﻷفكار العنصرية والتمييز بحسب لون البشرة على لسان القديسين. فمن قال أن السب خطيئة إن أراد الإنسان إخفاء قداسته؟

وإذا سمعت كاهنًا يقول لوالدتك أو زوجتك: “تتجوزيني يا ست؟” كما كان هذا القس يفعل، لا تعترض، بل دعه يمر؛ لأنه ربما يكون من الآباء السواح وأنت لا تعلم. ولا تسأل عن كيفية التفريق بين إخفاء القداسة بهذه الطريقة والتحرش الجنسي.

قراءات أخرى وعبارات مجهولة المصدر

عمدت تلك الأفلام إلى ترسيخ مبدأ الطاعة والاستكانة، فتجد عبارة “ابن الطاعة تحل عليه البركة” تتكرر بين الفينة والأخرى لدرجة أن البعض يظنها نصًا كتابيًا. كما تجد قراءات أخرى (سأستخدم هذا اللفظ اللطيف ولن أقول تحريفات) لعبارات كتابية؛ فنسمع عبارة “من يكرمكم يكرمني” كثيرًا في تلك الأفلام على أنها مقولة للمسيح، وهذا ليس حقيقي. فالعبارة الأصلية التي قالها المسيح هي: “من يقبلكم يقبلني” (متى 40:10). وإن عثرت على الشاهد لعبارة “من يكرمكم يكرمني”، من فضلك أكتبه لنا في التعليقات.

الابتذال في “فلسفة المعجزة”

نعود هنا للقس عبد المسيح ومعجزته الشهيرة الذي أقام فيها “ذكر بط” من الأموات لسيدة فقيرة. وربما كان من الأيسر عليه أن يشتري لها بطة أخرى. فهل لا يستطيع القديس المساعدة بطريقة طبيعية، بشرية؟ ما الداعي للتدخل الإلهي الخارق في مسألة مثل إحياء الموتى من البط، لإطعام امرأة؟ وكيف لها أن تأكل البطة التي قامت من الموت؟ وكيف تذبحها أساسا فتفسد عمل الله الذي أقام البط؟ عشرات من الأسئلة التي تهدر “فلسفة المعجزة” وتبتذلها في سيناريو فقير مصبوغ بالقداسة، لكننا سنترك كل الأسئلة ونكتفي بسؤال أخلاقي واحد: وماذا عن المعجزة التي تلغي دورنا كبشر تجاه بعضنا البعض؟

“حين اتلو الصلاة قبل الطعام، احترس أن أقول: يارب بارك هذا الطعام الذي سنتناوله واعطِ الجائعين خبزا. أخشى أن يجيبني الله: عليك أنت أن تعطيهم. فأقول دائما: علمنا أن نتقاسم”

(الأب فرانسوا فاريون)

وهناك أفلام أخرى تصور القديس باعتباره حامي حمى المنطقة أو رئيس قطاع الأمن. ففي فيلم الأنبا بضابا، يهرع السكان إلى القديس لكي يقضي على الأسد الذي فر إلى الشارع! وفي فيلم الأمير تادرس الشطبي، يلجأ الناس إلى البطل ليقتل لهم التنين قبل أن يلتهم الأطفال! فهل لم يكن لهؤلاء الناس حكومة يلجؤون إليها؟ أين الجيش الروماني، وأين المسئولون عن هذا البلد؟ ألم يكن لديهم أسلحة؟ لماذا القديس يقوم بدور “فتوة الغلابة”؟ ولماذا يعينه الله؟ ولماذا يجب على البار أن ينجح في هذا الأمر؟ (لماذا نحن هنا؟!)

وحين تفشل جميع الأسلحة، يقف القديس البطل بمنتهى الجسارة ليقول عبارة واحدة: “لينتهرك الرب أيها الوحش اللعين” وقبل أن ينهي العبارة، لا يتمالك الوحش نفسه، ويسقط أرضاً.

روحنة الأمراض النفسية

كلنا مرضى نفسيين بشكل أو بآخر، وكلنا نسعى إلى النضوج والتعافي. وبالتالي، للقديسين أيضًا أمراضهم النفسية التي لا يجب علينا أبدًا أن نروحنها أو نكتسبها منهم. فالقديس الذي يفرح بالمرض، ويرفض الذهاب إلى الطبيب، ويرفض الاستحمام، ويأكل التراب والخبز المتعفن، يعاني من مرض نفسي شهير وهو “اضطراب الشخصية المازوخية Masochistic Personality Disorder”. وما فعلته أفلام “ماجد توفيق”، يعد في رأيي جريمة إنسانية. لأنها صورت تلك الأمراض على أنها فضائل روحية. وكأن القديس يجب أن يكون بارًا تمامًا، فأكتسب العديد من شعبنا القبطي البسيط المازوخية والشعور بالدونية، بالإضافة إلى اضطرابات نفسية أخرى.

كيف تقيّم هذا المقال؟

← إتجاه ← التقييم ← اﻷعلى ←

المتوسط الحالي حسب تقييمات من القراء

كن أوّل من يقيّم هذا المقال

بما أن المقال أعجبك..

ربما اﻷفضل مشاركته مع دوائرك كي يحظى بانتشار أوسع

من المحزن أن يكون تقييمك للمقال سلبيا

دعنا نعمل على تحسين ذلك

أخبرنا.. كيف يمكن تحسين المقال؟

"تجوزني أمك؟" 1
[ + مقالات ]