أثارت حديثًا ما تسمى"الكبسولة"، التي تصدر عن الأنبا بنيامين مطران المنوفية بالكنيسة القبطية الأرثوذكسية، جدلًا واسعًا على مواقع التواصل الاجتماعي، وكانت بعنوان "النوايا الحسنة"، واستعان فيها بحديث شريف لنبي الإسلام، والمقال هنا ليس بصدد التعرض للإسلام ولا نبي الإسلام، بل عن الأنبا بنيامين ومدى ارتباطه بالمسيحية التي من المفترض أنه يؤمن بها، ويُعلم بتعاليمها بل أنه حاليًا يشغل منصب مقرر لجنة الإيمان والتعليم بمجمع أساقفة كنسيتنا، خاصة وأنه يقدم نفسه باعتباره أسقفًا محافظًا، وأحد حراس الإيمان والعقيدة، وله أكثر من "كبسولة" أثارت الجدل على مدار العامين الماضيين.
يقول ما لا يفعل
في هذه “الكبسولات” اليومية، يقدم الأنبا بنيامين نفسه باعتباره الحافظ للإيمان الأرثوذكسي القويم، إلا أنه بدلا من أن يقدم تعاليم المسيح وفكر آباء الكنيسة يستعين بتعاليم وثقافات مغايرة من دين آخر!! أليس هذا أمرا مثيرًا للسخرية، ومثيرًا للتعجب أيضًا، ويجعلنا نتساءل عن مستوى التعليم والثقافة العامة وكذلك التعليم اللاهوتي لدى الأنبا بنيامين، وهل ما حصل عليه لاهوتيًا هو فعلًا إيمان كنيستنا؟ أم أن معلوماته مشوشة ويجب مراجعة ما يصدر عنه من لجنة علمية مشهود لها؟
مطران المنوفية استخدم الحديث الشريف لنبي الإسلام إنما الأعمال بالنيات ولكل امرئ ما نوى
، ولم يكمل الاقتباس لنهايته، وذكر أنه مثلًا دارجًا، ولم يكلف نفسه فقط أن يكتب الجملة على محرك البحث “جوجل” أو يطلب من أحد مساعديه أن يتأكد له من نص العبارة ونسب مصدرها في كلمته، وهنا لدينا احتمالين: إما أنه لا يعرف وهذا يعد “جهلا”، وإما أنه يعرف لكنه رأى من ضرورة إضافة هذا الاقتباس وهذا يعد “تدليسًا”، ولكن في الواقع هو استسهال واعتماد على ثقافة سمعية وتعليم شفاهي، فنحن لا نعرف ما هي مؤهلات نيافة الأنبا بنيامين اللاهوتية، فالمكتوب عنه مثلا في موقع سانت تكلا هيمانوت أنه خريج كُلْيَة الهندسة، ويدرّس مادة اللاهوت الطقسي، لكن لم نعرف عنه أي دراسة للماجستير أو الدكتوراه في مواد اللاهوت سواء في الكُلْيَة الإكليريكية في مصر غير المعترف بها دوليًا، أو في أي جامعة لاهوتية دولية مرموقة.
كما تدين تدان
بعد رحيل أستاذ اللاهوت الدكتور جورج حبيب بباوي في فبراير من العام الماضي، وقد حدث وتناول قبل رحيله عن دنيانا بالكنيسة القبطية الأرثوذكسية، وكما سمح البابا تواضروس الثاني بتناوله، سمح بالصلاة عليه داخل الكنيسة القبطية في أمريكا، وقتئذ، خرج علينا الأنبا بنيامين في لقاء تلفزيوني ليؤكد أن بباوي لا يزال محرومًا، وأن ما فعله البابا هو تصرف شخصي يخصه من واقع مسؤوليته وأن قرار الحرمان الصادر في فبراير 2007 في عهد البابا شنودة لا زال ساريًا، بالرغْم من عدم إقامة جَلسة محاكمة قانونية، بل صدر قرارًا وقع عليه الأساقفة دون نقاش.
اللافت للنظر، وما يثير التساؤلات هنا، هو أن الأنبا بنيامين الذي يصدر نفسه باعتباره محافظًا على إيمان وتعليم الكنيسة، يقدم لنا التعليم بواسطة الاستعانة بتعاليم دين آخر غير المسيحية، هو نفسه الذي يقوم بتقييم شخصية درست أكاديميًا، ونالت درجات الماجستير والدكتوراه في اللاهوت من جامعات عريقة في العالم مثل جامعة كامبريدج، وترجم عن اللغة اليونانية لآباء كنيسة الإسكندرية القدامى مثل أثناسيوس وكيرلس الكبير. فهل هذا يستقيم؟
تعليم ضحل
يبدو أن فبراير هو شهر “الكبسولات” المثيرة للجدل مع الأنبا بنيامين، ففي 17 فبراير من العام الماضي، نشر مطران المنوفية كبسولة بعنوان “بدعة تأليه الإنسان”، التي يبدو في ظاهرها أنه يريد بتذكيرنا بضعفنا كبشر، لكنه بواسطتها ينسف عمل الله الخلاصي، وقدم ما ينافي تعليم الكنيسة، بل ما يستحق وقفة وتحقيق معه، ومراجعة أفكاره فقد قال نصا:
وأصحاب هذا الفكر كهرطقة يعتمدون على إننا في العهد الجديد وما فيه من أسرار إلهية، إذ نأخذ طبيعة جديدة في المعمودية وعمل الروح القدس في الميرون وتناول جسد الرب ودمه في التناول، ونثبت في المسيح كما ورد في كلمات السيد المسيح:من يأكل جسدي ويشرب دمي يثبت في وأنا فيهويعتبرون أن الأسرار المقدسة وعود تجعل الإنسان يتأله، أي يصير إلها، بينما ما يحدث أنه بشر يحاربه إبليس وأحيانا يسقطه في خطايا باللسان أو أي عضو في الجسد.(الأنبا بنيامين، مطران المنوفية)
خطورة هذا الكلام أنه ينكر عمل جسد ودم المسيح فينا، ويؤكد أنه مهما تناولنا من جسد الرب ودمه فإبليس سيسقطنا في الخطايا، وكأن جسد ودم المسيح ليس لهم أي تأثير في حياتنا، بل وينكر ما جاء في رسالة بطرس الثانية حرفا بأننا “شركاء الطبيعة الإلهية”.
كَمَا أَنَّ قُدْرَتَهُ الإِلهِيَّةَ قَدْ وَهَبَتْ لَنَا كُلَّ مَا هُوَ لِلْحَيَاةِ وَالتَّقْوَى، بِمَعْرِفَةِ الَّذِي دَعَانَا بِالْمَجْدِ وَالْفَضِيلَةِ، اللَّذَيْنِ بِهِمَا قَدْ وَهَبَ لَنَا الْمَوَاعِيدَ الْعُظْمَى وَالثَّمِينَةَ، لِكَيْ تَصِيرُوا بِهَا شُرَكَاءَ الطَّبِيعَةِ الإِلهِيَّةِ، هَارِبِينَ مِنَ الْفَسَادِ الَّذِي فِي الْعَالَمِ بِالشَّهْوَةِ(رسالة بطرس الثانية، الإصحاح الأول، الآيات 3، 4)
وهو كلام عكس كلام آباء كنيستنا القدامى الذين أكدوا على مفهوم “التأله”، وهنا أستعين بنص للقديس أثناسيوس:
لأن كلمة الله صار إنسانًا لكى يؤلهنا نحن، وأظهر نفسـه في جسد لكى نحصل على معرفة الآب غير المنظور، واحتمل إهانة البشر لكى نرث نحن عدم الموت. لأنه بينما لم يَمسّه هو نفسه أى أذى، لأنه غير قابل للألم أو الفساد، إذ هو الكلمة ذاته وهو الله(القديس أثناسيوس الرسولي، كتاب “تجسد الكلمة”، الفصل الرابع والخمسون، الفقرة الثالثة )
وأدعوكم لقراءة مقال الصديق العزيز “مينا زكريا” والذي أورد فيها جانب كبير من تعاليم آباء الكنيسة الكبار عن مفهوم التأله، والمنشور على الموقع هنا في 5 يناير من العام الجاري.
وبينما يشكك الأنبا بنيامين في فاعلية التجسد في الكبسولة السابقة، يخرج علينا في فيديو على قناة “مي سات” ليتحول إلى مفتي ويجاوب عن سؤال: هل يجوز غسل الأسنان قبل التناول أم لا يجوز؟ فيجيبنا بهذه الإجابة:
دخول المياه في الفم ممكن يفطر الريق، عذراوية البطن قبل التناول مهمة جدا، السيد المسيح حل في بطن العذراء، فمهم إن مفيش حاجة تنزل المعدة قبل التناول، ممكن الغسيل بالمعجون ليلا(الأنبا بنيامين، مطران المنوفية)
أعتقد يبدو واضحًا مما نعرفه عن مستوى التعليم اللاهوتي للأنبا بنيامين لماذا لجأ إلى الاقتباس من دين آخر، وكذلك يعتبر كل ما هو من إيمان الكنيسة وجاء في الكتاب المقدس أو في فكر الآباء القدامى بدعة خاصة مفهوم”التأله”، إضافة إلى تقليله من فاعلية التناول على حياتنا، كما في كبسولة العام الماضي، وكأن جوهر إيمان كنيستنا يتمثل في هل أغسل سناني قبل التناول بـ”معجون الأسنان” أم لا؟ لعله يستعين بهذا المثل خطًأ والذي جاء على لسان المسيح في متى 15:
لَيْسَ مَا يَدْخُلُ الْفَمَ يُنَجِّسُ الإِنْسَانَ، بَلْ مَا يَخْرُجُ مِنَ الْفَمِ هذَا يُنَجِّسُ الإِنْسَانَ(إنجيل متى الإصحاح 15 الآية 11)
كيف تقيّم هذا المقال؟
← إتجاه ← التقييم ← اﻷعلى ←
المتوسط الحالي حسب تقييمات من القراء
كن أوّل من يقيّم هذا المقال
من المحزن أن يكون تقييمك للمقال سلبيا
دعنا نعمل على تحسين ذلك
أخبرنا.. كيف يمكن تحسين المقال؟
باحث وكاتب صحفي متابع للشأن الكنسي وشؤون الأقليات.
زميل برنامج زمالة الأقليات- مكتب المفوض السامي لحقوق لإنسان- الأمم المتحدة، جنيف/ ستراسبرج 2023.
زميل برنامج "الصحافة للحوار" مركز الحوار العالمي (كايسيد) لشبونة 2022.