في لقاء جرى يوم الإثنين الموافق 20 يناير 2025، استضافت وحدة الدراسات [1] الدكتورة ليلى موسى، ممثل “مجلس سوريا الديمقراطية” في مصر، في لقاء نوقشت فيه مستجدات الوضع على الساحة السورية ورؤية مجلس سوريا الديمقراطية للمستقبل [2].
قدمت الدكتورة ليلى موسى عرضًا موجزًا لتجربة مجلس سوريا الديمقراطية المتمركز في شمال شرق سوريا. وأشارت إلى أن جذور فكرة الإدارة الذاتية وخارطة التعامل مع الأزمة السورية التي يتبناها مجلس سوريا الديمقراطي، الذي يضم نحو عشرات الأحزاب السياسية والمؤسسات النسوية والشبابية ومؤسسات المجتمع المدني وشخصيات مستقلة، تعود إلى ما بعد أحداث قامشلو في عام 2004، التي وقعت على إثر مباراة في كرة القدم بين فريقي الفتوة والجهاد، ذات أبعاد سياسية بحتة. تعرض الكرد للانتهاكات بشكل مُمنهج من قبل سلطات دمشق حينذاك. وهي الأحداث التي شهدت بداية جديدة للحراك الثوري الكردي في عام 2004.
شكلت هذه الأحداث مرحلة مفصلية من تاريخ النضال الكردي لاستخلاص الدروس من انتفاضة قامشلو 2004 التي جاءت ردة فعل تلقائية حيال سياسات النظام السوري العنصرية حيال الكرد، ودفعتهم إلى تنظيم صفوفهم وقراءة المشهد بأبعاده المحلية والإقليمية والدولية وكيفية التعامل معها. وعلى هذا الأساس، مع اندلاع الحراك الثوري السوري في عام 2011، انتهج الكرد مع باقي مكونات شمال وشرق سوريا الخط الثالث واتخذوا من الحوار نهجًا لمواجهة الأزمة، والعسكرة للحماية والدفاع.
وأشارت إلى أن هذه الأحداث وتداعياتها نبهت الكرد في سوريا إلى ضرورة الاستعداد للحراك السياسي المحتمل في البلاد، وأنهم بدأوا بتنظيم صفوفهم على المستوى السياسي والاجتماعي والاقتصادي، عبر لجان تم تشكيلها من خلال العمل السري في الفترة التي كان فيها نظام بشار الأسد يحكم قبضته على سوريا عبر أجهزة الأمن. ونتيجة لهذا المجهود، كانت المناطق في شمال شرق سوريا مستعدة للتعامل مع الأحداث في أعقاب الحراك الثوري السوري في مارس 2011، وما أعقبه من تطورات.
وأضافت أن العمل ركز في البداية على اللجان التي تقدم الخدمات وتوفر ما يمكن من احتياجات في بداية الانتفاضة، ولم يتم اللجوء إلى العمل المسلح إلا لصد هجمات الجماعات الإسلاموية المتطرفة المسلحة على مناطق شمال وشرق سوريا، فنشأت وحدات حماية الشعب ووحدات حماية المرأة، وهذه الوحدات هي نواة قوات سوريا الديمقراطية. وأصبحت هذه القوات جزءًا من التحالف الدولي والعربي لمواجهة تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام (داعش
) وحققت مقاتلات ومقاتلو قوات سوريا الديمقراطية انتصارات على مسلحي الدولة الإسلامية، وألقت القبض على آلاف منهم [3].
وأشارت الدكتورة ليلى موسى إلى أن النموذج الذي طوره مجلس سوريا الديمقراطية يصلح لبناء سوريا جديدة تتسع لجميع مكونات الشعب السوري في دولة واحدة، مع إدارة لا مركزية للمناطق التي تُدار بطريقة ديمقراطية.
وأوضحت أن الوضع الراهن في سوريا بعد هروب بشار الأسد وسيطرة إدارة العمليات العسكرية على دمشق صعب، مشيرة إلى أن نظام الأسد سقط منذ عام 2011، عندما ركز بشار على دمشق والمنطقة المحيطة بها، قبل أن يتمكن من إعادة سيطرة قواته على بعض المناطق بموجب تفاهمات محور الآستانة، مما أدى إلى مواءمات ومقايضات مع تركيا التي احتلت مناطق من شمال سوريا.
وقالت إن انسحاب النظام السوري وتمركزه في مناطق أطلق عليها بشار الأسد السورية المفيدة
وترك مناطق شمال وشرق سوريا لمصيرها، كانت فرصة أمام مكونات شمال وشرق سوريا لإدارة مناطقهم وحمايتها أو الخضوع لهيمنة التنظيمات الإسلاموية المتطرفة، فكان خيار المكونات بكل بد الإدارة والحماية. وبعد أن ابتعدت المنطقة عن سيطرة النظام السوري الذي طالما مارس سياسة التهميش والإقصاء حيال المناطق الشرقية، سمح ذلك بتطور الإدارة الذاتية لهذه المناطق؛ فتطورت الإدارة في محافظات شمال شرق سوريا وتشكل مجلس سوريا الديمقراطية.
بالتزامن؛ تمكنت تركيا من مُصادرة قرار طيف واسع من المعارضة السورية، وارتهان العديد من فصائل جيش الحر
لها بشكل مطلق. إلى جانب علاقات تركيا والدعم القوي الذي قدمته التنظيمات الإسلاموية المتطرفة وبشكل خاص تنظيم داعش الإرهابي خدمة لمشروعها التوسعي في سوريا.
وأشارت إلى أن سقوط النظام كان محصلة لترهله وضعف الدعم الإيراني والخسائر التي لحقت بأذرعه وانشغال الروسي بحربه في أوكرانيا، وأيضًا ما جرى في سوريا نتيجة لتفاهمات دولية. وأضافت أنه على الرغم من حرص القوى الدولية والإقليمية على الحفاظ على وحدة سوريا بسبب التداعيات المترتبة على تفكيكها على الاستقرار الإقليمي والدولي، فإن الوضع غير مستقر نظرًا لكثرة التنظيمات ذات الخلفيات الأيديولوجية الإسلاموية المتطرفة والتدخلات الإقليمية والدولية وصراع المشاريع الإقليمية التوسعية التي تحتل فيها الموقع الجيوستراتيجي لسوريا مكانًا استراتيجيًا في قلب هذه المشاريع.
وذكرت أن القيادة الجديدة في سوريا بقيادة أحمد الشرع في وضع صعب إذ تواجه ضغوطًا دولية من شأن الاستجابة لها أن تُصعّب وضع الشرع، خاصة أنه لا يملك السيطرة الكاملة على الجغرافية السورية والفصائل المسلحة، في ظل بلد شبه مُدمر، وانتشار متطرفين من مختلف أصقاع العالم يحلمون بدولة الخلافة، وهو ما يتناقض مع المطالب الدولية بضرورة تشكيل حكومة شاملة تضمن كافة أطياف المجتمع السوري. ولا ننسى طرح هؤلاء المتطرفين بإقامة دولة الخلافة، الذي يتناقض مع خصائص وطبيعة المجتمع السوري وتطلعات السوريين بإقامة دولة مدنية تعددية. إلى جانب مساعي تركيا بفرض وصايتها بشكل مطلق على سوريا، فإن كل هذه الأمور تشكل تحديات كبيرة تواجه الإدارة الجديدة في دمشق والشعب السوري وحتى المجتمع الدولي، وهذا يتطلب عملًا جادًا من جميع الأطراف لحل الأزمة من خلال دعم الشعب في إدارة البلاد بعيدًا عن فرض الوصاية والتدخلات الخارجية.
وأشارت إلى أن قوات سوريا الديمقراطية قادرة على صد العدوان التركي ومرتزقتها من السوريين، مشيرة إلى فشل القوات التركية حتى الآن في السيطرة على سد تشرين. لكنها نبهت إلى السياسة التركية القائمة على نقل سكان من المُجنسين والعرب إلى المناطق الكردية في شمال سوريا وممارسة عمليات تغيير ديمغرافي، عفرين
على سبيل المثال، تُعد إحدى النماذج الواضحة لتلك السياسة، إلى جانب مخططاتها لضم مناطق حدودية إلى تركيا من خلال تواجدها العسكري في تلك المناطق وتوطين لاجئين سوريين منحتهم الجنسية التركية. وقد تطرح إجراء استفتاء في هذه المناطق يسمح لها بضم هذه المناطق بزعم أنه تسكنها أغلبية تركية. وهو ما صرح به مسؤولون أتراك عندما تم السيطرة على حلب، حينها صرحوا بأنها الولاية التركية 82.
واختتمت حديثها بتأكيد أن الدعوة لإعداد دستور جديد يمثل جميع مكونات المجتمع السوري، ويؤسس لدولة مدنية ديمقراطية، ويعتمد اللامركزية في إدارة المناطق، يتحقق من خلالها التوزيع العادل للثروات والسلطات وتحقيق العدالة الاجتماعية. عملية انتقال سياسي يليها تأسيس لجيش سوري وطني من غير إقصاء أي طرف. أما سعي هيئة تحرير الشام للهيمنة والتفرد بالسلطة على سوريا فمن شأنه ربما أن يقود إلى حرب أهلية في ضوء رفض كثير من القوى والمناطق السورية تسليم أسلحتها، فمحافظة السويداء
في جنوب سوريا حيث تعيش أغلبية درزية ترفض تسليم أسلحتها قبل الاتفاق على الدستور والمشاركة في إدارة السلطة والموارد في سوريا، وكذلك الحال في محافظة درعا
جنوب سوريا وفي مناطق الساحل الشمالي ومحافظة اللاذقية
التي يحاول سكانها تنظيم صفوفهم.
المرأة وسوريا الديمقراطية
أسئلة الزملاء الحاضرين للقاء وتعليقاتهم أتاحت تسليط الضوء على نِقَاط محددة بخصوص الوضع الراهن في سوريا وآفاق المستقبل. ركزت أسئلة الأستاذة الصحفية عبير عطية على موقف تركيا ووضع المرأة في مشروع مجلس سوريا الديمقراطي وقوات سوريا الديمقراطية ووحدات حماية المرأة، مما أتاح للدكتورة ليلى الاستفاضة في شرح السياسة التركية تجاه سوريا التي ترى أنها لا تشجع على بناء دولة سورية موحدة وتركز على تفكيك مشروع مجلس سوريا الديمقراطية خوفًا من انتقال التجربة إلى الداخل التركي.
كما أوضحت أن المرأة في المجتمع الكردي لها مكانة خاصة جرى ترجمتها في بناء المجلس القائم على مشاركة المرأة في جميع القرارات والهياكل بما في ذلك القتال إلى جانب الرجل، مشيرة إلى الدور البطولي للمرأة الكردية المقاتلة في مواجهة القوات التركية ومقاتلي داعش. وأشارت إلى أن المرأة تضطلع بدور أكبر في صياغة القوانين التي تؤثر عليها ووضعها ومكانتها، وأن هذا النموذج نجح في إنهاء الاضطهاد المزدوج الذي عانت منه المرأة الكردية.
الكنيسة وسوريا الديمقراطية
الدكتور منير بشارة ركز في مداخلته على موقف الكنيسة السريانية ووضعهم في ظل الوضع الجديد. وأوضحت الدكتورة ليلى أن إضعاف السريان تم من خلال سياسة البعث التي حولتهم إلى طائفة دينية فحسب وأضعفت دورهم الاجتماعي ودفعت الكثير منهم إلى الهجرة خارج سوريا. وأشارت إلى أن مصطلح الأقليات ليس مصطلحًا دقيقًا في حالة سوريا وإنما الأدق أن نتحدث عن مكونات المجتمع السوري، فالطوائف جميعًا، بما في ذلك الطائفة العلوية، عانت في ظل حكم البعث الاستبدادي.
الكرد وسوريا الديمقراطية
وتركزت أسئلة الدكتور عزة داود، والأستاذ عزت إبراهيم، والأستاذ أحمد حنفي على فكرة الدولة الكردية المستقلة، ولماذا لم تنشأ دولة للكرد في سياق اتفاقية سايكس بيكو، والعلاقة بين كرد سوريا وكرد شمال العراق. وأتاحت هذه الأسئلة فرصة للدكتورة ليلى للحديث عن الاتفاقيات الأخرى بعد انتهاء الحرب العالمية الأولى التي أوجدت الدول في المنطقة بشكلها الراهن، خصوصًا اتفاقية لوزان، موضحة الفروق بين المشكلة الكردية في تركيا، حيث يتركز غالبية الكرد، وحيث كانوا شركاء للأتراك بقيادة مصطفى كمال أتاتورك في حرب الاستقلال التركية وتحريرها من القوات الأجنبية التي احتلتها، ثم تراجع الأتراك عن وعودهم بتأثير من التيار القومي التركي.
وأشارت إلى أن كرد سوريا يرون مستقبلهم في بناء الوطن السوري، وأنهم في هذا يختلفون عن كرد العراق، وأن الكرد في كل دولة لهم خصوصية تختلف عن الأخرى، وبالتالي ليس بالضرورة استنساخ التجارب عن بعضها البعض، ونحن نرى بأن الحل الأمثل هو حل القضية الكردية في كل دولة مع أخذ خصوصيتها بعين الاعتبار. وأشارت إلى أن دستور العراق بعد عام 2003 كان أحد الأسباب التي دفعت الكرد إلى المطالبة بالحكم الذاتي، وأن مجلس سوريا الديمقراطية يتبنى نموذج الإدارة الذاتية في صيغة من اللامركزية، وأن قوات سوريا الديمقراطية مستعدة للمشاركة في إعادة بناء الجيش السوري.