
- الخلاص بالنعمة وحدها عند چون كالڤن
- الطبيعة البشرية الخيّرة عند ذهبي الفم
- مفهوم السينرچيا عند ذهبي الفم
- ☑ تدبير الخلاص عند كيرلس السكندري [١]
سوف نُحاوِل في هذا البحث المختصر دحض أوهام البعض بوجود بدلية عقابية في تعليم ق. كيرلس السكندريّ، لاهوتيّ التأله والانجماع الكليّ في المسيح، من خلال عمل دراسة مقارنة بين تعليم ق. كيرلس السكندريّ حول تدبير الخلاص، وبين تعليم چون كالفن حول البدلية العقابية والكفارة، حيث يُعتبر چون كالفن أحد أهم منظري البدلية العقابية، إنْ لم يكن الممثِّل الأساسيّ لنظرية البدلية العقابية في شرح الفداء والكفارة، والهدف من هذه الدراسة المقارنة هو توضيح ما هي البدلية العقابية؟ وما هي عناصر التعليم بالبدلية العقابية؟ وكيف أقول إن هذا الأب أو غيره من آباء الكنيسة لديهم تعاليم عن البدلية العقابية.
لقد دأب البعض على ملء الدنيا صياحًا بأن هناك بدلية عقابية في فكر آباء الكنيسة الشرقية عامةً، وفي فكر ق. كيرلس السكندريّ خاصةً، ويبدو أنهم لا يعرفون ما هو مفهوم البدلية العقابية التي يدَّعونها زورًا وبهتانًا على آباء الكنيسة الشرقية الذين يؤمنون بالخلاص عن طريق التألُّه والانجماع الكليّ في المسيح، ضاربين عرض الحائط الدراسات اللاهوتية والآبائية الأكاديمية العديدة، التي تؤكد إنه لا يوجد ما يُسمَّى بـ”البدلية العقابية“ كما شرحه رجال الإصلاح البروتستانتيّ، وأهمهم چون كالفن، في تعليم آباء الكنيسة الشرقية، وهذا إنْ دل يدل على جهل هؤلاء بهذه الدراسات الأكاديمية على أعلى مستوى لاهوتيّ أكاديميّ، بل يستخدمون بعض النصوص هنا وهناك من أجل إيهام البسطاء بإنه يوجد ما يُسمَّى بـ”البدلية العقابية“ في تعليم آباء الشرق، ونسوا إن الجيل القادم لن يقتنع بحججهم الواهية والضعيفة غير المثبَتة أكاديميًا ولاهوتيًا، بل هي مُجرَّد أوهام وخيالات وضلالات يوهمون بها أنفسهم لضلال أنفسهم وضلال الآخرين، وهي والعدم سواء.
أود التنويه إلى أن نصوص ق. كيرلس السكندريّ ونصوص چون كالفن هي بعض من كل، فهناك العديد من النصوص لكليهما التي تفي بغرض البحث، الذي هو نفي وجود تعليم البدلية العقابية في تعليم تدبير الخلاص للقديس كيرلس السكندريّ، وتوضيح المعنى الصحيح للبدلية العقابية في تعليم الكفارة والفداء عند چون كالفن، كمُمثِّل أساسيّ للتعليم الصحيح والدقيق عن البدلية العقابية في اللاهوت الغربيّ، الذي نقيس من خلاله هل يوجد تعليم بدلية عقابية في تعليم أيّ أب شرقيّ من عدمه، وليس كما يدّعي الجهلاء بتعليم البدلية العقابية وينسبونه زورًا وبهتانًا إلى آباء الكنيسة الشرقية عامةً والقديس كيرلس السكندريّ خاصةً.
تدبير الخلاص في تعليم ق. كيرلس السكندري
نستعرض تعليم ق. كيرلس السكندريّ، أحد أهم آباء الشرق المسيحيّ في عصره، مُمثِّلاً عن الفكر الآبائيّ اليونانيّ الشرقيّ عامةً، وعن الفكر الآبائيّ السكندريّ خاصةً، وسوف نعقد مقارنة بين مفاهيمه حول تدبير الخلاص، ومفاهيم چون كالفن أحد أهم منظري البدلية العقابية، الذي يُعتبر النسخة المكتمِلة والناضجة لنظرية البدلية العقابية في الغرب، لكي نعرف هل هناك تعليم ”بدلية عقابية“ في تعليم ق. كيرلس السكندريّ أم لا؟
خلاص الإنسان بالتأله
يرى ق. كيرلس السكندريّ أن الابن وحده يعطي ما يخص طبيعته ليصير خاصًا بالبشر جاعلًا ما يخصه مشتركًا وعامًا بين البشر، وهذا لا يمكن أن نجده في تقديم المسيح كبديل عقابيّ عن خطايانا، كالتالي: [1]
إذ حيث إنهم قَبِلوا الابن فقد نالوا السلطان أن يعدوا من أولاد الله، فالابن وحده هو الذي يُعطِي ما يخص طبيعته [اللاهوتية]، ليصير خاصًا بهم جاعلًا ما يخصه مشتركًا وعامًا بينهم لتكون هذه صورة طبيعة محبته للإنسان وللعالم. وليس هناك وسيلة أخرى غير هذه تجعلنا نحن الذين لبسناصورة الترابيّ‘ نهرب من الفساد، إلا إذَا خُتِمنا بجمال الصورة السمائية[2] بدعوتنا إلى البنوة، لأننا عندما نشترك فيه بالروح القدس، نُختَم لنكون مثله ونرتفع إلى الصورة الأولى التي أخبرتنا الكتب المقدَّسة أننا خُلِقَنا عليها [3]. وبذلك نكون قد استعادنا جمال طبيعتنا الأولى وخُلِقَنا من جديد لنكون على مثال الطبيعة الإلهية، ونصير مرتفعين عن الأمراض التي أصابتنا بسبب السقوط. إذًا، نحن نرتفع إلى كرامة أسمى من طبيعتنا بسبب المسيح لأننا سنكون أيضًاأبناء اللهليس مثله تمامًا، بالنعمة وبالتشبُّه به.(كيرلس السكندري، شرح إنجيل يوحنا مج1)
يُشِير ق. كيرلس السكندريّ إلى أن المسيح أضاء علينا، لأنه جعلنا مثله، وهكذا قد غرس إنارته التي هي بواسطة روحه الخاص كصورة إلهية في قلوب الذين يؤمنون به لكي يُدعوا الآن مثله آلهةً وأبناء الله كالتالي: [4]
وقد أضأ علينا لأنه جعلنا مثله، فقد غرس إنارته التي هي بواسطة روحه الخاص كصورةٍ إلهيةٍ في قلوب الذين يؤمنون به لكي يُدعوا الآن مثله آلهةً وأبناء الله.(كيرلس السكندري، شرح إنجيل يوحنا مج1)
يُؤكِّد ق. كيرلس السكندريّ على تألُّه ناسوت المسيح، الذي يُعد الوسيلة الوحيدة لتألُّه أجسادنا نحن أيضًا، وهذا التعليم لا يوجد في تعليم البدلية العقابية، ولا يمكن التوفيق بين تعليم البدلية العقابية وتعليم الخلاص بتأليه الإنسان من خلال تألُّه جسد المسيح الذي هو جسد البشرية كلها، وفيه تتألَّه البشرية كلها، ويقول التالي: [5]
تتقدَّم الطبيعة البشرية في الحكمة وفقًا للطريقة الآتية: الحكمة الذي هو كلمة الله اتخذ الطبيعة البشرية فتألَّهت، وهذا مُبرهَن من خلال أعمال الجسد، والنتائج العجيبة في أعين أولئك الذين يرون الهيكل [الجسد] الذي أخذه، جعلته يرتقي بالنسبة لهم. هكذا ارتقت الطبيعة البشرية في الحكمة مُتألهةً بواسطتها. لذلك أيضًا نحن بطريقة مماثلة للكلمة، الذي لأجلنا تأنس، نُدعَى أبناء الله وآلهةً. لقد تقدمت طبيعتنا في الحكمة مُنتقِلةً من الفساد إلى عدم الفساد، ومن الطبيعة البشرية إلى الألوهية بنعمة المسيح.(كيرلس السكندري، الكنوز في الثالوث)
مفهوم المصالحة
ويرى ق. كيرلس، في سياق شرحه لمفهوم المصالحة بين الجميع مع الآب في المسيح، أن الابن نزل إلى مستوى العبودية دون أن يفقد ما يخصه كإله، بل مانحًا ذاته لنا لكي بفقره نصير أغنياءً، ونرتفع إلى فوق إلى شبهه، أي شبه صلاحه، ونصير آلهةً وأبناء الله بالإيمان، لأن الابن الذي هو الله بالطبيعة سكن فينا، وأحتوى الكل فيه، وهكذا صالح الكل في جسدٍ واحدٍ مع الآب كالتالي: [6]
أليس واضحًا للجميع أنه نزل إلى مستوى العبودية، دون أن يفقد ما يخصه كإلهٍ، بل مانحًا ذاته لنا لكي بفقره نصير أغنياء [7]، ونرتفع إلى فوق إلى شبهه، أي شبه صلاحه، ونصير آلهةً، وأبناء الله بالإيمان؟ وتمَّ ذلك لأن الذي هو بالطبيعة الابن، الذي هو الله، قد سكن فينا، ولذلك نصرخ بروحه:يا آبا الآب[8]. وسكن الكلمة في هيكلٍ واحدٍ أخذه منَّا ولأجلنا، وصار مثل الكل، لأنه أحتوى الكل فيه، واستطاع أن 'يصالح الكل في جسدٍ واحدٍ مع الآب، كما يقول بولس ((رسالة بولس أفسس 2: 16-18).(كيرلس الإسكندري، تفسير إنجيل يوحنا مج1)
صدر للكاتب:
ترجمة كتاب: "الثالوث"، للقديس أوغسطينوس أسقف هيبو [٢٠٢١]
كتاب: عظات القديس غريغوريوس النيسي على سفر الجامعة [٢٠٢٢]
ترجمة كتاب: "ضد أبوليناريوس"، للقديس غريغوريوس النيسي [٢٠٢٣]
كتاب: الطبيعة والنعمة بين الشرق والغرب [٢٠٢٣]
كتاب: مونارخية الآب في تعليم آباء الكنيسة [٢٠٢٤]