- ☑ ضد التهود: الآباء الرسوليون
- ضد التهود: الآباء المدافعون
- ضد التهود: الآباء اليونانيون
في هذا البحث نسلط الضوء على قضية التهود، والتهود في معناه البسيط هو الارتداد عن المسيحية إلى الطقوس والعقائد والممارسات اليهودية، وتُعتبر هذه القضية من أخطر القضايا التي واجهت الكنيسة منذ نشأتها وحتى عصرنا هذا. فلا يوجد عصر من العصور لم يتسلل فيه التهود إلى الكنيسة، ولا يوجد عصر من العصور لم يوجد فيه المتهودون المؤمنون بالأفكار والعقائد اليهودية بشكلٍ مباشرٍ أو بشكلٍ غير مباشر.
يتسلل التهود إلى الكنيسة بطريقة خفية من خلال دراسة الخلفية اليهودية للعهد الجديد من الناحية التاريخية والطقسية والعقائدية، وهذا شيء لا غبار عليه، ولكن عند التوغل في هذه الدراسة لدرجة تصل إلى تفسير العهد الجديد على مقياس العهد القديم فهذا يدق ناقوس الخطر، وينبئ عن انزلاق غير محسوس نحو التهود، وعودة الفكر اليهوديّ مرة أخرى ليسود الكنيسة في ثوبٍ جديدٍ، ويُعتبر هذا من أخطر الأمور على الإيمان المسيحيّ الأرثوذكسيّ، لأن الذين يقومون بذلك يقعون فريسة للتهود دون دراية بدافع دراسة الخلفية اليهودية لنصوص العهد الجديد، فيبدأ هنا الارتداد عن المسيحية للسقوط في هوة التهود.
نستعرض في هذا البحث كيف واجه آباء الكنيسة قضية التهود منذ العصر الرسوليّ وفي القرون الأولى للمسيحية، وسوف نستعرض أهم صور التهود التي رفضها آباء الكنيسة وحاربوها بشدة، وسوف نطرح وجهة نظر آباء الكنيسة حول عقائد وممارسات وطقوس العهد القديم وعلاقتها بعقائد وممارسات وطقوس العهد الجديد.
الآباء الرسوليون
سوف نستعرض في هذا الجزء موقف الآباء الرسوليين من بدع التهود في بداية المسيحية منذ القرن الأول وما بعده، وسوف نرى كيف كانت الكنيسة تنظر إلى الناموس والذبائح اليهودية في العصر الرسوليّ.
رسالة برنابا
إلغاء الذبائح والفرائض الناموسية
يشير كاتب رسالة برنابا إلى رفض الله لكافة الذبائح والمحرقات والتقدمات اليهودية عن طريق أنبيائه، وأنه ألغى كل الأمور الناموسية لكي يكون ناموس ربنا يسوع المسيح الجديد خاليًا من نير الفروض والإجبار كالتالي: [1]
لأن [الله] أعلن لنا عن طريق كل أنبيائه أنه لا يحتاج ذبائح، ولا محرقات، ولا تقدمات، قائلًا:لماذا كثرة ذبائحكم لي؟ يقول الرب. شبعتُ من محرقات الكباش ودهن الحملان، ولا أريد دَم العجول والتيوس، ولا أن تأتوا لتظهروا أمامي. لأنه مَنْ طلب هذا من أيديكم؟ لا تسيروا في ساحتي مرةً أخرى. حينما تحملون لي دقيقًا فاخرًا، فهو بلا قيمة لي، وحين تُقدِّمون بخورًا فهو نجس، ولم أعد أحتمل أعياد أول الشهور والسبوت التي لكم[2]. وهكذا ألغى [الله] كل هذه الأمور، لكي يكون ناموس ربنا يسوع المسيح الجديد حاليًا من نير الإجبار، ولا يقبل تقدمة يُجبَر البشر على تقديمها.(الآباء الرسوليون، رسالة برنابا)
ولكن بعد ذلك نجد البعض بمنتهى الغرابة ينادي بالإلغاء الجزئيّ للناموس اليهوديّ وفرائضه، وينادون بكل جرأة بأن أحكام الناموس اليهوديّ لا زالت قائمة وسارية في المسيحية وعلى الكنيسة المسيحية، يا له من تعليم متهود فاسد!
الرسالة إلى ديوجنيتوس
رفض المعتقدات والحرفية اليهودية
يطلب كاتب الرسالة إلى ديوجنيتوس من المؤمنين المسيحيين ألا يتعلموا أيّ شيء بشأن المعتقدات والتأويلات اليهودية حول الطعام، وأيام السبوت، والختان، والصوم، والأعياد اليهودية، ويطلب منهم الابتعاد عن سخافات اليهود النجسة كالتالي: [3]
وبالنسبة لأولئك الذين يظنون أنهم يُقدِّمون له ذبائح دموية ورائحة دُهْن الذبائح، والمحرقات، ويعتقدون أنهم يُكرِّمونه بواسطة هذه التقدمات، فبالنسبة لي، فإن هؤلاء لا يختلفون شيئًا عن أولئك الذين يُقدِّمون هذه الكرامة للأوثان الصماء […] وأكثر من ذلك وسوستهم بخصوص الطعام، ومعتقداتهم بخصوص أيام السبوت، وتباهيهم الباطل بالختان، وزعمهم بخصوص الصوم وأوائل الشهور، فهذه أمور سخيفة، ولا تستحق أيّ حديث، وأنا لا أظن أنك تحتاج إلى أن تتعلَّم مني أيّ شيء من تلك الأمور […] أعتقد الآن، أنك قد تعلَّمت بشكلٍ كافٍ أن المسيحيين هم على حق في ابتعادهم عن سخافات اليهود النجسة هذه، وحرفيتهم الخادعة، وافتخارهم، ولكن بالنسبة لسر عبادتهم الخاصة، فلا تتوقع أن تستطيع تعلُّمها من إنسان.(الآباء الرسوليون، الرسالة إلى ديوجنيتوس)
القديس أغناطيوس الأنطاكي
رفض التهود والمتهودين
يرفض ق. أغناطيوس الأنطاكيّ التهود بكل أشكاله رفضًا قاطعًا مُستنكرًا أن يتلفظ البعض باسم يسوع المسيح، ولكنهم مازالوا يعيشون ويُفكِّرون كما يعيش ويُفكِّر اليهود، فليست المسيحية هي التي آمنت باليهودية، بل اليهودية بالمسيحية كالتالي: [4]
اِطرحوا عنكم الخمير الفاسد العتيق، وتحوَّلوا إلى الخمير الجديد الذي هو يسوع المسيح. وليكن هو ملح حياتكم حتى لا يفسد واحدٌ منكم، لأنكم من رائحتكم تُعرَفون. إنه من غير اللائق أن تتلفظ باسم يسوع المسيح، وأنت تعيش كما يعيش اليهود. فليست المسيحية هي التي آمنت باليهودية، بل اليهودية بالمسيحية، التي فيها اجتمع كل إنسان يؤمن بالله.(الآباء الرسوليون، رسالة أغناطيوس الأنطاكي إلى كنيسة مغنيسيا)
الرفض التام للتفاسير اليهودية
يُشدِّد ق. أغناطيوس الأنطاكي على مقاطعة أيّ أحد يُفسِّر المسيحية من خلال التفاسير اليهودية، ويُشبِّه هؤلاء المتهودين الذين لا يتحدَّثون عن المسيح بتاتًا بأنهم كشواهد القبور الحجرية وكقبور الأموات تحمل فقط أسماء الأشخاص المائتين كالتالي: [5]
إذَا فسَّر لكم أحدٌ وفقًا لليهودية، فلا تسمعوا له. لأنه مِن الأفضل أن تسمعوا مختونًا يكرز بالمسيحية، مِن أن تسمعوا غير مختونٍ يكرز باليهودية. وإذَا لم يكلِّمكم أيٌّ منهما عن يسوع المسيح، فهما بالنسبة لي كشواهد القبور الحجرية، وكقبور الأموات، كُتِبَ عليها فقط أسماء الأشخاص الموتى.(الآباء الرسوليون، رسالة أغناطيوس الأنطاكي إلى كنيسة فيلادلفيا)
كيف تقيّم هذا المقال؟
← إتجاه ← التقييم ← اﻷعلى ←
المتوسط الحالي حسب تقييمات من القراء
كن أوّل من يقيّم هذا المقال
من المحزن أن يكون تقييمك للمقال سلبيا
دعنا نعمل على تحسين ذلك
أخبرنا.. كيف يمكن تحسين المقال؟
صدر للكاتب:
كتاب: عظات القديس غريغوريوس النيسي على سفر الجامعة
ترجمة كتاب: "الثالوث"، للقديس أوغسطينوس أسقف هيبو
ترجمة كتاب: "ضد أبوليناريوس"، للقديس غريغوريوس النيسي