على هامش رحيل ونياحة الدكتور عادل شكري، رئيس تحرير مجلة مدارس الأحد، نعيد نشر المقال الذي كان أحد أسباب سحب اعتراف الكنيسة (قداسة البابا شنودة الثالث) بالمجلة "الراهب القس أغاثون.. وما وراء الأحداث!!".. حكاية يروي وقائعها كمال زاخر موسى. نظراً لطول المقال، المنشور في عدد أغسطس 1994 من مجلة مدارس الأحد، رأيت نشره مجددًا على جزئين يتناول الجزء الأول عرضًا موجزًا لطبيعة المكان محل الأحداث (كنيسة الشهيد أبي سيفين بمصر القديمة) وأهم ملامحه وما تم فيه من انجازات، فيما يعرض الجزء الثاني رواية الأب الراهب القس أغاثون عن تطور الأحداث التي انتهت بإبعاده عن الخدمة بالكنيسة، مدعمة بما توفر لديه من وثائق ومستندات، أرفقت بالمقال بالمجلة.
(1)
تأتى الأحداث في شهر يونيو 1994 منذرة بأن علاقات راسخة قد اهتزت ومفاهيم مستقرة قد باتت في مهب الريح، لكن مجال عملها هذه المرة ينحصر في الكنيسة!!
ها هي منطقة “مصر القديمة” التي تحمل لنا مجد الماضي ودروس الاتضاع والحب، وتمثل حِقْبَة من أخصب حقب تاريخنا الضارب في القدم، تزأر بصدام وتنفض عنها رداء الجسد الواحد، فتتناثر إلى أشلاء يلملمها الغريب ونلبسها نحن رداء الجسد!!
ها هي أحداث الكنيسة المفروض أنها تجمع المتفرقين إلى واحد ـ هكذا ينظر إليها الله ويستنجد بها العالم ـ تؤكد على الفرقة وتحسب الصدام نصرًا ولا تقيم وزنًا لعثرة أبنائها فيها ومنها!!
شيء ما حدث في مصر القديمة: هزيمة.. صدام.. عثرة
خلّف وراءه مرارة في النفوس، ونحن هنا لسنا بصدد سرد للأحداث والحكم عليها، لكننا نستقرئ ما خلف السطور ونستشف ـ إن أمكن ـ ما بالصدور، نستصرخ أصحاب الضمائر ـ التى ما زالت حية بفعل وفاعلية الروح القدس ـ في الكنيسة أن يجتمعوا في قلب واحد في إيجابية ليتدارسوا واقعها ويقيموها من عثرتها. وإن كنا في كل وقت محتاجين للصلاة فإننا في هذه الأيام أكثر احتياجًا إلى صلاة الدموع.
لقد وجدنا أنفسنا فجأة أمام أخبار متسارعة:
• صدر قرار من قداسة البابا بإبعاد القس أغاثون الأنبا بيشوي كاهن كنيسة أبي سيفين بمصر القديمة عن الخدمة ليس فقط في كنيسة أبي سيفين بل في القاهرة كلها، صادف هذا مناسبة الاحتفال بعيد هذا القديس والشعب كله يملأ الكنيسة في فرح ابتهاجًا بقدوم هذه الذكرى المقدسة.
• زار البابا الكنيسة مفاجئًة ـ وهى الزيارة الأولى من قداسته للكنيسة على مدى خمسة عشر عامًا وذلك يوم العيد نفسه، وكانت مدة الزيارة خمس دقائق فقط، وفي هذا يقول الأب أغاثون إنه كثيرًا ما ألح من قبل على قداسة البابا أكثر من مرة أن يزور الكنيسة ليتابع أعمال الترميم والتطوير لكنه لم يستجب. أما هذه الزيارة فقد جاءت في أعقاب القرار الذي أحدث صدمة في نفوس الشعب فكانت الأحداث المؤسفة التي أدت أن تنال من الهيبة وتنذر ـ لولا عناية الله ـ بوقوع كارثة. [1].
•توقف العمل في تطوير المنطقة المحيطة بالكنيسة فورًا بعد نحو اثنا عشر عامًا من الجهد الدؤوب العلمي الصامت والمنظم في ترميم الكنيسة الذى قاده وأشرف عليه الأب أغاثون ومعه فريق من المتخصصين كل في مجاله، وإن كانت الناحية الفنية اختص بها مجموعة من المتخصصين فإن الشئون المالية للكنيسة كانت من اختصاص لجنة الكنيسة برئاسة اللواء سمير حكيم ولم يكن للقس أغاثون أي تدخل أو صلاحيات إيداع أو صرف أموال الكنيسة التي كانت تتم بتوقيع رئيس اللجنة وأمين الصندوق، اللذان ذكرا أن للكنيسة وديعة بالبنك قيمتها 35 ألف جنيهًا مصريًا تم تسليمها للجنة المشكّلة لاستلام الكنيسة ومتعلقاتها.
أما ثمار هذه الجهود فكانت كما يلي وفقًا للتسلسل الزمني:
1. ترميم الشروخ في الحوائط والقباب التي كانت على وشك الانهيار في غضون عام 1983 بواسطة مهندسين أكْفاء وشركة “كوماج” تحت إشراف المهندس محروس أديب.
2. علاج وإصلاح جميع أخشاب الأسطح التي كانت بغير غطاء تمامًا وكذلك الأحجبة الخشبية الثمينة التي أتت عليها الرطوبة وصارت وكرًا للوطاويط كأي مكان مهجور، [2] وتولى الإشراف على هذا العمل مع الأب أغاثون م. نبيل لطفي، م. ممدوح إبراهيم.
3. ترميم الأرضيات أسفر عن اكتشاف أقدم مغطس في مصر القديمة. وأشرف على هذه الأعمال بكفاءة عالية مهندس سامي سعد. [3]
4. ترميم ما يزيد عن 300 أيقونة أثرية مما جعل الكنيسة تحوي متحفًا قبطيًا متميزًا بكل المعايير، حسب شهادة وزير الثقافة (فاروق حسني) في أثناء زيارته المفاجئة، التي جاءت خلال جولته بالمنطقة. وقد تم هذا العمل ـ الذي توقف بعد الأحداث الأخيرة ـ على يد خبيرة هولاندية (د. سوزان اسكالوفا) يساعدها نفر من الشباب القبطي المتخصص فيما يحسب نواة لمعهد علمي لترميم الأيقونات يقوم على القواعد العلمية والخبرات العملية المتنامية.
5. تسجيل وثائقي لأكثر من 3 آلاف صورة على شرائح ـ سلايدز ـ في طريقها إلى النقل على ميكروفيلم لكل حجر وصورة وأيقونة وجدار وأثر في الكنيسة، وهو عمل ضخم جبار، (وقياسًا على الإمكانات استغرق نحو اثنا عشر عامًا)، فضلًا عن تصوير أكثر من فيلم تلفزيوني (تسجيلي) عن مراحل الترميم تحكي قصة الكنيسة قبل الترميم وخلاله وبعده، وذلك بواسطة فريق متخصص في التوثيق الفيلمي يتألف من الأستاذ شفيق شماس والفنان التشكيلي إيهاب شاكر والكاتبة الصحفية سميرة شفيق والمؤرخة البريطانية جيل كاميل والدكتورة سوزان اسكالوفا والدكتور جوزيف الذي أنهى دراسته مؤخرًا للآباء في اليونان والدكتور جون المحاضر المعروف في جمعية الآثار.
6. تسجيل تاريخي للعمل حسب القواعد المقررة؛ فعلى سبيل المثال، لا الحصر، يوجد في الدور الثاني للكنيسة هيكل باسم القديس الأنبا أنطونيوس ـ ضمن أربعة عشر هيكلًا تضمهم الكنيسة، التي كانت في حِقْبَة مزدهرة من تاريخ الكنيسة مقرًا للكرسي البابوي، ومدفون تحت مذبحها الكبير 14 بطريركًا.
ترك فريق العمل رسالة تاريخية من خلال هذا الهيكل للأجيال القادمة برسم ثلاث أيقونات جدارية بالموزاييك:
ـ الأولى للأنبا أنطونيوس صاحب المكان.
ـ والثانية للأنبا كيرلس الذي أقام فيه مدة ثلاث سنوات حين كان راهبًا “القمص مينا المتوحد” وكان أب اعتراف راهبات دير أبى سيفين.
ـ والثالثة لقداسة البابا شنودة الثالث الذي تم الترميم فى عصره.
7. الامتداد بالتطوير إلى المنطقة المحيطة بالكنيسة في خطوات متأنية ومدروسة، وفي محبة وهدوء من خلال اتفاق الأب أغاثون والأم إيريني رئيسة دير الراهبات، على السعي لإخلاء المساكن العشوائية المحيطة بالكنيسة والدير. [4]
وبعد الإخلاء يضم الدير المنطقة الخلفية باعتبارها امتدادًا طبيعيًا للدير، وتعادل مساحتها ثلاثة أمثال مساحة الدير الأصلية الذي بناه البابا كيرلس الخامس.
أما المساحة التي في الممرات بداخل باطن الكنائس الثلاثة (أبو سيفين ـ أنبا شنودة ـ العذراء الدمشيرية) فتضم إلى هذه للكنائس الثلاث للانتفاع بها، وكان هذا الاتفاق (بين الأب أغاثون والأم إيريني) بحضور كل من الأستاذ شارل فلتس والمهندس سامى سعد والمهندس محب بولس والمهندس ماهر إندراوس واللواء سمير حكيم، فضلًا عن مهندس كنيسة الأنبا شنودة ومهندس كنيسة العذراء، وقد تم هذا الاتفاق منذ تحو 4 سنوات وبالإجماع، وتم إنجاز نحو 90% من هذا الاتفاق في السنة الأولى وبنى الدير 150 قلاية، و150 دورة مياه على المساحة التي خصصت له طبقًا لما تم الاتفاق عليه.
8. إقامة حزام حول الكنائس والدير يحفظ المنطقة للأجيال والتاريخ كقيمة حضارية، الأمر الذي دفع وزارة الثقافة باعتبارها راعية وحامية للآثار المصرية إلى ضم جهودها إلى تلك الجهود الجبارة في خطة جسورة لتحويله إلى مركز أثري حضاري معاصر في إسهام جاد لتنشيط السياحة وتأصيلًا لمصرية ووحدة كل المصريين، ودون المساس بحرمة دير الراهبات.
جدير بالذكر أن الأب أغاثون ومجموعة العمل طلبوا أكثر من مرة تحديد موعد للقاء مع الأخ المسؤول والراعي لدير الراهبات عمليًا وله الكلمة الأولى واليد الطولى فيها ولكنه لم يتجاوب معهم أو يقابلهم بل تجاهل جهود الآخرين.
في الجزء الثاني من المقال : الجانب السياسي من الأحداث
كيف تقيّم هذا المقال؟
← إتجاه ← التقييم ← اﻷعلى ←
المتوسط الحالي حسب تقييمات من القراء
كن أوّل من يقيّم هذا المقال
من المحزن أن يكون تقييمك للمقال سلبيا
دعنا نعمل على تحسين ذلك
أخبرنا.. كيف يمكن تحسين المقال؟
صدر للكاتب:
كتاب: العلمانيون والكنيسة: صراعات وتحالفات ٢٠٠٩
كتاب: قراءة في واقعنا الكنسي ٢٠١٥
كتاب: الكنيسة.. صراع أم مخاض ميلاد ٢٠١٨