اضطراب الهُوِيَّة الجمعي بيجعل الأشخاص في الثقافة التي يمكن اعتبارها ثقافة مهزومة إنها تبحث عن ثقافة الغالب. “اللي تغلب به، العب به”! يظهر هذا في أبسط مظاهر الحياة.

أنا في ثقافة مهزومة، أبحث على الأماكن التي تمنحني شعور زائف بالتفوق. إنها أمامي سلسلة مطاعم عديمة الطعم -ولا داعي لذكر اسمها- أدخل واستمتع لأن ردائة الطعم والذوق لما أتناوله من طعام  يغطي عليه الشعور إني- أنا كده زيي زي الأمريكان مثلًا، أهو باكل زيهم بالظبط وبعمل أوردر. بنفس طريقتهم-

هذا الموضوع يدخل في نفس الممارسات الروحية واللاهوتية والثقافية. مثلًا أن أنكر أن اللغة العربية هي لغتي لأنها لغة دين آخر أو إنها لغة محتل. مع أن الموقف نفسه لا يعيشه أغلب سكان أمريكا اللاتينية، فلغتهم لغة المحتل من ٥ قرون -كان محتل كاثوليكي- بالعكس بهذا يقوي اللغة ويضيف لها وينتج من خلالها أدب وفلسفة ولاهوت وعلوم.

أظن أنه كفى.فنحن نحتاج حاليًا أن نرى كيف تتشكل هويتنا مما بين أيدينا وما الذي نستطيع بالفعل أن نعمله ونتميز فيه. اللغة والثقافة المحلية من أهم الأدوات التي تساعدنا إننا نتقدم وننتج ونؤثر في مجتمعنا وعالمنا.

عمود آخر مُهمل من الأعمدة التي تشكل الهويّة المصريّة، مصر دولة متوسّطيّة:

١. البحر الأبيض المتوسّط يسألنا؟

نشأَ بيان “نحو لاهوتٍ نابعٍ من البحر الأبيض المتوسّط” عن الإصغاء إلى ما يجري في البلدان المطلّة على البحر الأبيض المتوسّط. البيان إذًن محاولةُ بعض لاهوتيّي البحر الأبيض المتوسّط الذين شعروا بالحاجة لوضع أسّسٍ يمكن الانطلاق منها لصياغة لاهوت سياقيّ للبحر الأبيض المتوسّط. ولتأسيس لاهوتٍ سياقيّ، يطرح البيان هذه الأسئلة بصفتها نقطة انطلاق «ماذا نسمع؟ وماذا نرى؟ وماذا نلمس؟ وماذا نختبر عندما نُصغى بعمقٍ إلى البحر الأبيض المتوسّط؟».

إلّا أنّه قبل البَدْء في محاولة الإجابة على بعض تساؤلات البحر الأبيض المتوسّط، ربّما يجدر بالمرء أوّلًا الإجابة على السؤال: ما سماتُ لاهوتٍ نابعٍ من البحر الأبيض المتوسّط؟

١. لاهوتٌ نابعٌ من البحر الأبيض المتوسّط يأخذ في اعتباره الإرث المشترك بين دول حوض البحر الأبيض المتوسّط جميعها. تتعدّد الثقافات واللغات بالطبع. فهو إذًا لاهوتٌ ليس ذا مركزيّه أوربية، ولكنّه لا يهمل تراث أوربّا في اللاهوت. وفي الوقت عينه هو لاهوت ينفتح على ثقافات وتراث كلّ دول حوض البحر المتوسّط.

٢. اللغة. لا يعتمد اللاهوت النابع من البحر الأبيض المتوسّط على اللغات الأوربية فقط. ذلك من شأنه أن يجعل اللاهوت منذ نشأته يتخطى الحدود الثقافية والسياسية. وإذ يستخدم فيها اللاهوتيّون لغاتهم المحلّيّة يسهم بشكلٍ أكبر في تفادي سوء الفهم ومشكلات المصطلحات اللاهوتية، والاغتراب اللغويّ.

من وحي العمل عضوًا في فريق المعهد الكاثوليكيّ المتوسّطيّ بمارسيليا، فرنسا.

كيف تقيّم هذا المقال؟

← إتجاه ← التقييم ← اﻷعلى ←

المتوسط الحالي حسب تقييمات من القراء

كن أوّل من يقيّم هذا المقال

بما أن المقال أعجبك..

ربما اﻷفضل مشاركته مع دوائرك كي يحظى بانتشار أوسع

من المحزن أن يكون تقييمك للمقال سلبيا

دعنا نعمل على تحسين ذلك

أخبرنا.. كيف يمكن تحسين المقال؟

جون جابريل
راهب في معهد الدراسات الشرقية للآباء الدومنيكان  [ + مقالات ]

صدر للكاتب:
كتاب نقدي: ، هل من روحانية سياسية؟
تعريب كتاب جوستافو جوتييرث: ، التاريخ والسياسة والخلاص
تعريب كتاب ألبرت نوﻻن الدومنيكاني: يسوع قبل المسيحية
تعريب أدبي لمجموعة أشعار إرنستو كاردينال: مزامير سياسية
تعريب كتاب ال: ومواهب الروح القدس