تقبيل أيدى الآباء (والأمهات) كانت عادة مصرية اجتماعية في الأجيال السابقة، وكنا ننادي “الجد والجدة” بـ”سيدي وستي”، ولم تكن ألقابًا تحمل معنى العبودية، إنما دلالة على التقدير والاحترام، بمعايير زمانهم. وبمد الخط على استقامته، صرنا نقبل يد “أبونا الكاهن” وننادي الأب المطران. باعتباره (أبو أبونا) بسيدي، دون أن يحمل اللقب معنى السيد والعبد.

تطور المجتمع واختفت من بيوتنا -خاصة في الحضر- عادة تقبيل اليد هذه، ولم نعد ننادي الجدود بلقب سيدنا. ولكون الكنيسة جزء من المجتمع ومكونهما البشري واحد كان من الطبيعي أن تختفى عادة تقبيل أيدي الآباء الكهنة ويختفى لقب سيدنا. وهو ما حدث في كنائس تقليدية شقيقة. وظني أن هذا سيتحقق مع أجيال قادمة في ضوء نشأتهم المنفتحة على الفضاءات المفتوحة.

اُقدِر واتفهم انزعاج البعض من تناول هذا الموضوع وهو من ضمن الممارسات الاجتماعية في فضاء العبادات القبطية، وأحسب أن ترجمته إلى ردود غاضبة أمر صحي، يضعنا على عتبات العصف الذهني ويقودنا إلى أعتاب المراجعة الموضوعية، التي قد تتبلور إلى عمل ثقافي لاهوتي تتبناه الكنيسة بكونها كائن حي ينقي صفحته، بشكل دوري، بالمراجعات الفكرية الموضوعية على ـرضية الكتاب والآباء.

واستند إلى نصيحة ال بتجديد أذهاننا، لنتغير إلى تلك الصورة المرتجاة.

وَنَحْنُ جَمِيعًا نَاظِرِينَ مَجْدَ الرَّبِّ بِوَجْهٍ مَكْشُوفٍ، كَمَا في مِرْآةٍ، نَتَغَيَّرُ إِلَى تِلْكَ الصُّورَةِ عَيْنِهَا، مِنْ مَجْدٍ إِلَى مَجْدٍ، كَمَا مِنَ الرَّبِّ الرُّوحِ.

(رسالة بولس الثانية إلى كورنثوس 3: 18)

ويحذرنا أحد المختبرين من التواني والتفريط والكسل؛ في عملية المراجعات، منبهًا إيانا لكنوز النعمة التي في حوزتنا، كما صاغها آباؤنا، بتدقيق وعمق، عبر زمن الكنيسة، زمن النعمة، فما من طقس -أصيل- إلاّ يشرح عقيدة نؤمن بها، وهي في مجملها تقودنا لمعرفة حقيقية وعلاقة وثيقة بربنا وإلهنا ومخلصنا يسوع المسيح. وتكشف لنا عمق وسمو لاهوت التجسد الذي ينطلق من محبة الله لنا. التي بدونها لا نستوعب تنازل الله وتجسده وموته من أجلنا، وانتصاره على الموت، وانتصارنا فيه.

فَكَيْفَ نَنْجُو نَحْنُ إِنْ أَهْمَلْنَا خَلاَصًا هذَا مِقْدَارُهُ

(رسالة بولس إلى العبرانيين 2: 3)

كيف تقيّم هذا المقال؟

← إتجاه ← التقييم ← اﻷعلى ←

المتوسط الحالي حسب تقييمات من القراء

كن أوّل من يقيّم هذا المقال

بما أن المقال أعجبك..

ربما اﻷفضل مشاركته مع دوائرك كي يحظى بانتشار أوسع

من المحزن أن يكون تقييمك للمقال سلبيا

دعنا نعمل على تحسين ذلك

أخبرنا.. كيف يمكن تحسين المقال؟

كمال زاخر
كاتب ومفكر قبطي في التيار العلماني المصري  [ + مقالات ]

صدر للكاتب:
كتاب: : صراعات وتحالفات ٢٠٠٩
كتاب: قراءة في واقعنا الكنسي ٢٠١٥
كتاب: الكنيسة.. صراع أم مخاض ميلاد ٢٠١٨