اللاهوت السياسيّ

يبدو الحديث عن لاهوت سياسي في العالم العربي، لأولئك الذين يعرفون معناه الحقيقي، على أنه ليس خلطًا بين اللاهوت والسياسة، نوعًا من الرَفَاهيَة الفكرية، أو الرَفَاهيَة اللاهوتية. فهو لاهوت وليد العالم الغربي، حيث تختلف الأوضاع الاجتماعية والسياسية هناك اختلافًا كبيرًا عن الوضع في العالم العربي.

لا يمكن أن ننكر الاختلافات، إلا أنه علينا النظر إلى خبرة الشعوب الأخرى، حتى لا نسقط في الأخطاء عينها التي وقعوا فيها. وأيضًا، إن كنا بصدد تطوير لاهوت جديد، يناسب عالمنا العربي المعاصر، توجب علينا النظر فيما وصل إليه علماء لاهوت وفلاسفة سابقون، حتى يصبح بناء صرح لاهوت جديد متينًا وعلميًا.

في الغرب، يُعرّف بالمعنى الشامل على أنه تيار بعض اللاهوتيين يشرحون رسالة الإنجيل بشأن خلاص الإنسان، من خلال المعايير التي تقدمها النظريات السياسية الحديثة. كذلك يستخلص هؤلاء اللاهوتيون المضمون السياسي للكتاب المقدس، ليكون حاضرًا في ضمير المؤمنين عند اختيار توجهاتهم وأنشطتهم السياسية الاجتماعية. ففي البلدان التي يستطيع الإنسان فيها أن يقرر مصيره بنفسه عن طريق السياسة ال، يبدو الإيمان وكأن لا علاقة له بالواقع.

والسؤال في مجتمع كهذا، في الغرب مثلًا: ما فائدة الإيمان في مجتمعنا؟ هنا، يقرأ بعض علماء اللاهوت السياسي توجهات وجذور الحركات السياسية والاجتماعية على ضوء الكتاب المقدس نفسه، ويرون فيها نصًا ثوريًا، يسعى إلى تأسيس عالم لا وجود فيه للطبقات الاجتماعية أو الاستغلال. عالم خالٍ من الفقر، والقهر، والعنف، وغياب العدالة.

أن يكون المرء مسيحيًا في هذا المجتمع يعني أن يلتزم ويشارك في النضال ضد الظلم والاستبداد السياسي، والقهر الاجتماعي للمستضعفين في الأرض. فالمشاركة السياسية الفعالة لتحقيق هذا المجتمع، صورة أخرى لتضامن الكنيسة مع البشرية جمعاء، وتعبير ملموس عن الإيمان بإله عادل وصالح. يكتب كريستوس ياناراس: «يمكن اعتبار السياسة فصلًا من فصول اللاهوت».

اللاهوت والمجتمع

إذًا ما تنحى اللاهوت جانبًا وأغمض عينيه عن المسألة الاجتماعية والسياسية، أما يكون قد قام بخصخصة للإيمان؟ أي أن يصير الدين شأنًا خاصًا وشخصيًا فحسب، ومن دون أي طابع جماعي أو اجتماعي؟ اللاهوت السياسي كما يقدمه اللاهوتيّ الألمانيّ “متس” هو لاهوت يفضح ويصحح كل أسس فكرية لاهوتية، قد تُستخدم ضد جنس بعينه، أو فئة بعينها، بل ويسعى إلى حمايتهما.

نستطيع القول إن اللاهوت يعي أن يسوع نفسه قد قُتل بسبب هذا التلاعب، والنفاق والمصالح المشتركة بين أصحاب التيارين الديني والسياسي. وعلى غرار ما حدث ضد يسوع، يُباح دَم الأبرياء، كما حدث في حكم النازيين، وضياع الفقراء في العالم، وما يحدث على أرض فلسطين ضد سكانها الأصليين من مسيحيين ومسلمين على يد قوى الاحتلال الإسرائيلي. إنه لاهوت يحاول أن يمنع تكرار ما حدث ليسوع، وما حدث لليهود في “أوشفيتز” مرة أخرى.

كيف تقيّم هذا المقال؟

← إتجاه ← التقييم ← اﻷعلى ←

المتوسط الحالي حسب تقييمات من القراء

كن أوّل من يقيّم هذا المقال

بما أن المقال أعجبك..

ربما اﻷفضل مشاركته مع دوائرك كي يحظى بانتشار أوسع

من المحزن أن يكون تقييمك للمقال سلبيا

دعنا نعمل على تحسين ذلك

أخبرنا.. كيف يمكن تحسين المقال؟

جون جابريل
راهب في معهد الدراسات الشرقية للآباء الدومنيكان  [ + مقالات ]

صدر للكاتب:
كتاب نقدي: اللاهوت السياسي، هل من روحانية سياسية؟
تعريب كتاب جوستافو جوتييرث: ، التاريخ والسياسة والخلاص
تعريب كتاب ألبرت نوﻻن الدومنيكاني: يسوع قبل المسيحية
تعريب أدبي لمجموعة أشعار إرنستو كاردينال: مزامير سياسية
تعريب كتاب ال: ومواهب الروح القدس