الموت هو الحقيقة المؤكدة في هذه الحياة التي لا يمكن الاختلاف عليها، ومن هذا المنطلق صار للموت مهابته واحترامه، ومهما تواجدت الخصومة والبغضة بين البشر فإنهم يحترمون ويقدرون بعضهم البعض عند الموت، حتى بين الأمم المتحاربة قديمًا وحديثًا توجد هدنة لاحترام الموت حيث يجمع كل فريق متحارب جثث جنوده لدفنها باحترام.

ورغم مرور آلاف السنين، حافظ فيها البشر على هذه العادة، إلا أن المصريين مع انتشار السوشيال ميديا تناسوا هذا التقليد الإنساني الراسخ، وصار الموت عندهم فرصة للنهش في الشخص المتوفى، وتناسوا أبسط قاعدة تخص الموت وهي الترحم على المتوفى أو الصمت في أضعف الأحوال، حدث هذا، ويحدث، عند موت كثيرين ممن يوجد جدل واختلاف حول أشخاصهم ومن مختلف الانتماءات.

يوم الثلاثاء الماضي، رحل عن عالمنا الصديق والزميل الصحفي “أسامة عيد” متأثرًا بمضاعفات إصابته ب اللعين. بدأ أصدقاء وزملاء ومحبي أسامة في الترحم عليه عبر صفحات مواقع التواصل الاجتماعي،  إلا أن حماة البغضة والكراهية ممن يسمون أنفسهم “”، أو  “أبناء ال الثالث” أو “أبناء الأنبا بيشوي” الراحل، وغيرهم ممن يرون في “أسامة عيد” خصما لهم، لم يمرروا فرصة رحيله عن دنيانا إﻻ بإعلان شماتة وكراهية بمنتهى الوضاعة والخسة، دون احترام لمهابة الموت ولا تقدير لأسرة الشخص المنتقل.

لم يحترموا مهابة الموت، لكنهم وجدوا في رحيل أسامة، الذي لم يعد بمقدوره الرد عليهم، فرصة للتشفّي والنهش فيه، نظرا لمواقفه التي كانت مناوئة لهم وضد مصالحهم، وضد مصالح من يمثلونهم من أقطاب مهمة داخل كنيستنا القبطية، التي امتلئت بشرور الانقسام والتبعية والانتماء لأشخاص هم مجرد بشر، على حساب الانتماء للمسيح.

هذه ليست المرة الأولى التي يعلن فيها حماة البغضة الشماتة على الملأ، فقد أعلنوها من قبل عندما قُتل الأسقف البار إبيفانيوس على يد راهب فاسد تم تجريده من الرهبنة بسبب أفعاله، ولم يكتفوا بهذا بل أعلنوا قداسة الفاسد وأهانوا البار، ولا يتركون فرصة إلا ويعلنوا شماتة في رحيل الأنبا إبيفانيوس، وكل شخص ليس على وفاق معهم ولا مع سادتهم الذين يعلنون على الملأ الانتماء لهم والخضوع لهم.

هذه الكلمات ليست دفاعًا عن أسامة ومواقفه، فهي أمور تخصه، وحتى إن كان هناك اختلاف معه وهذا طبيعي، فالاختلاف له قواعده وشروطه، وأهمها احترام الآخر المختلفين معه، ودائمًا يكون الاختلاف ليس مع الشخص نفسه، لكن مع الأفكار والآراء والاتجاهات، لكن هذه الكلمات من أجل التذكير بقاعدة مهمة وهي أن للموت احترامه ومهابته، وهو مبدأ إنساني اتفق عليه البشر  منذ آلاف السنين، لكن من يدعون حماية الإيمان المسيحي وينسبون للمسيح بالاسم تناسوا هذه القاعدة، ويبدو لنا أنهم منتمون لسادتهم أكثر من انتمائهم للمسيح لذلك لم يحترموا أبسط القواعد الإنسانية المرتبطة بحدوث الموت، وهي الترحم على الشخص المنتقل، أو في أضعف الأحوال التزام الصمت، ولو حتى مرور فترة الوفاة والحداد، واحترام أن الشخص المتوفى له أسرة ومحبين في حالة حزن على فراقه.

الله يرحمك يا أسامة، نطلب العزاء من السماء لأسرتك وأصدقائك ومحبيك، ونطلب الصمت واحترام جلال الموت من حماة البغضة الذين يبثون سمومهم وكراهيتهم علنا على مواقع التواصل الاجتماعي باسم الإيمان زورا، وأقول لهم أن الدنيا لا تسير في اتجاه واحد، اليوم أنت تشمت في غيرك ولكن كما قال المخلص بِالْكَيْلِ الّذِي بِهِ تَكِيلُونَ يُكَالُ لَكُمْ وَيُزَادُ لَكُمْ أَيّهَا السّامِعُونَ. (مرقس4: 24)، فربما وبدافع المصلحة تخافون من اليوم الذي تجدون أنفسكم فيه مثار شماتة من الآخرين، فتحرمون جلال الموت.

كيف تقيّم هذا المقال؟

← إتجاه ← التقييم ← اﻷعلى ←

المتوسط الحالي حسب تقييمات من القراء

كن أوّل من يقيّم هذا المقال

بما أن المقال أعجبك..

ربما اﻷفضل مشاركته مع دوائرك كي يحظى بانتشار أوسع

من المحزن أن يكون تقييمك للمقال سلبيا

دعنا نعمل على تحسين ذلك

أخبرنا.. كيف يمكن تحسين المقال؟

بيتر مجدي
[ + مقالات ]

باحث وكاتب صحفي ومتابع للشأن الكنسي وشئون الأقليات