خلقهما ذكرًا وأنثي على صورة الله ثم تجسد، كاشفٌ ”الله محبة“.
سقوط الإنسان:
الله ليس السبب في الشرور والخراب الذي يحدث في الخليقة. عندما رفَضَ الإنسان الله الذي”فيه كانت الحياة، والحياة كانت نور الناس“ (يوحنا١) بمشورة الشيطان، حدث أن اختَّل استقرار الإنسان الطبيعي والمستمد من الله هوذا بيتكم يُترَك لكم خرابًا
(متي ٢٣)
هذا يشرحه سفر الحكمة:
ولا تجلبوا عليكم الهلاك بأعمال أيديكم، إذ ليس الموت من صنع الله، ولا هلاك الأحياء يسره. لأنه إنما خلق الجميع للبقاء؛ فمواليد العالم إنما كونت معافاة، وليس فيها سم مهلك، ولا ولاية للجحيم على الأرض، لأن البر خالد. لكن المنافقين هم استدعوا الموت بأيديهم وأقوالهم. ظنوه حليفا لهم فاضمحلوا، وإنما عاهدوه لأنهم أهل أن يكونوا من حزبه.(سفر الحكمة 1: 12- 16)
وهكذا بالسقوط فقد الإنسان النعمة الأولى، وغادر الروح القدس الخليقة: لا يدين روحي في الإنسان إلى الأبد لزيغانه. هو بشر
(تكوين٣:٦).
ولا أخُفِيكم القول أني ألمح في عبارة الله ”هو بشر“ بعض الأسى ولكن عدم اليأس من التعطل المؤقت لتدبير الله نحو الخليقة بأن يتأله الإنسان بسكنى روح الله فيه إلى الأبد.
وكأن الله يقول -لو جاز لنا القول طبعا- ”معلهش.. ملحوقة.. إن تدبير التجسد الإلهي سيَجبِر (يشفي) ضعف الإنسان الذي حدث بسبب غَوَاية إبليس، فيتأله الإنسان بالاتحاد ببشرية المسيح ابن الله، الذي سيعيد سكنى الروح القدس في بشرية المسيح إلى الأبد (وهو الذي حدث في عماد المسيح في نهر الأردن).
الشجرة والتفاحة ورمزية التعبير عن تدبير الله:
الله خلق الإنسان من العدم. والعدم في لغة الكتاب هو الفساد أي عدم الوجود. ولقد خلقه بهدف أن يعطيه الخلود أي الحياة الأبدية وعدم الفساد، لكي يصير بذلك شريكًا في الطبيعة الإلهية مصدر الحياة الأبدية والخلود. فإن الخلود يُقرِّب الإنسان من الله
(سفر الحكمة ١٩:٦)
لم يكن الإنسان حين خُلِق يمتلك في نفسه الخلود/ عدم الفساد. لأنها صفات تخص الله وحده. فتدبير الله كان أن يمنحه الخلود والشركة في أبدية حياة الله بقبول وإرادة الإنسان الحرة. لذلك نسبح الله في القداس على تدبير الله لخلود الإنسان الذي حتمًا كان ليتم ”يا الله العظيم الأبدي الذي خلق الإنسان علي غير فساد“. ونذكر كيف حاول الشرير تعطيل تدبير الله ”والموت الذي دخل إلي العالم بحسد إبليس هدمته“.
ومن دلائل التدبير الإلهي لتحقيق شركة الإنسان في طبيعة الله بالخلود:
”ونفخ في أنفه نسمة حياة. فصار آدم نفسًا حية“ (تكوين٧:٢). الله أعطي روحه القدوس/ روح الحياة ليسكن الإنسان. وبهذا دُعِي الإنسان ليكون شريكًا في الطبيعة الإلهية الخالدة.
”فخلق الله الإنسان على صورته. على صورة الله خلقه. ذكرًا وأنثى خلقهم” (تكوين٢٧:١). إذ كان لابد أن شيئًا من الطبيعة الإلهية يُمزَج بالطبيعة الإنسانية ليجعلها تنعطف وتميل أن تكون علي مثال طبيعة الله. فكان جوهر تدبير خِلقة الإنسان هو أن يكون في طبيعته قبسٌ من الحب (كما سنشرح في المقال لاحقًا). وأن يكون الإنسان ذكرًا وأنثى، ليكون فيه المُحِب والمحبوب، فيوحِّدهما الروح القدس… روح المحبة القدوس. وبهذا يصير الإنسان على صورة الله الواحد الثالوث. ويتأهل للثبات والنمو في محبة الله والاتحاد بالله.
”الله محبة“ هي المُنشِئ لخلق الإنسان. خلقهما ذكرًا وأنثى على صورة الله ثم تجسد، كاشفٌ ” الله محبة “
”ونحن قد عرفنا وصدَّقنا محبة الله التي فينا. الله محبة، ومن يثبت في المحبة يثبت في الله والله فيه“ (١يو ١٦:٤). بالتمعن في هذه الآية نرى إن طبيعة الله حب مطلق ”الله محبة “.
وأن الله غرسها كيانيًا في طبيعة الإنسان عندما خلقه على صورته” نخلق الإنسان على صورتنا كشبهنا“. وبهذا استعلن الله طبيعته باطنيًا في طبيعة الإنسان. ولكي تتحقق معرفة الله داخليًا في كينونة الإنسان بأن ينفتح وعيه على استعلان الله فيه. فيعرف أن الله حبٌ، ويصدِّق أن الحب هو طبيعة الله.
هذه علاقة وجودية أي مرتبطة بوجود الإنسان منذ الخلق. لذلك لم يخلو مكان عاش فيه الإنسان عبر التاريخ من أثار تثبت تلك العلاقة. لقد بدأ الله هذا الاستعلان في داخل الإنسان عندما خلقه على صورة الله/ صورة المسيح. ثم ضمن لهذا الاستعلان ألا يكون عرضة لأي مُعطِّل بشري، بأن أظهر الله ذاته للإنسان وفي باطن طبيعة الإنسان عندما لبس الله طبيعة الإنسان جسدًا خاصًا له في تجسد المسيح.
عندئذ انفتحت طبيعة الإنسان لتعرف طبيعة الله بلا عائق، بأن صارت للإنسان النعمة الإلهية أن يتحد بناسوت الله الخاص في المسيح يسوع ربنا.
لذلك فإن معرفة الإنسان أن الله محبة، هي عمل كياني داخلي، من خلال كيان الإنسان نفسه، وبخبرة كيانية فيه. هذا ما يقوله الوحي المقدس: ”ونحن قد عرفنا أن الله محبة (عندما صدَّقنا) محبة الله التي فينا “. وليس بغريب إذن أن يخلق الله الإنسان ذكرًا وأنثي ليستعلِن الحب الإلهي الذي في الإنسان حياتيًا بأن يعيش الإنسان عمره محبٌ ومحبوب، بالتالي، بل وبالضرورة يحل فيهما الروح القدس روح المحبة روح الله ويوحدهما. هذا هو الزواج المسيحي الذي لا يرقى إليه أي زواج بين البشر، بل وأتجرأ وأقول بل حتى الزواج الكنسي الطقسي!!.
كيف تقيّم هذا المقال؟
← إتجاه ← التقييم ← اﻷعلى ←
المتوسط الحالي حسب تقييمات من القراء
كن أوّل من يقيّم هذا المقال
من المحزن أن يكون تقييمك للمقال سلبيا
دعنا نعمل على تحسين ذلك
أخبرنا.. كيف يمكن تحسين المقال؟