(تكوين 1: 1 – 2: 3) الخلق في سبعة أيام

سفر التكوين، وبالتالي الكتاب المقدس ككل، يبدأ بقصة الخليقة التي تتميز بالبساطة الشديدة. ففي باقي القصص القديمة من ، نجد الله (أو “الآلهة” في حالة القصص القديمة) دائمًا ما يصدر كلماته الخلاقة التي تضع العالم في حالة من الترتيب. ونجد هذا حتى في الكتاب المقدس ذاته في مزمور 104، حيث يقدم لنا دراما عالية ووصف تصوري للأحداث والأشخاص بما فيهم الله. لكن تكوين 1: 1 – 2: 3، لا يحتوي على مؤثرات وتفاصيل حسية. فالتجريدية الغريبة مع الصيغة والتخطيط في سرد القصة يدفعنا للشعور بالورع تجاه عظمة وملوكية الله المصونة التي لا يتوقف السرد عن التركيز عليها.

ينقسم هذا السرد بطريقة نمطية على مدى سبع أيام، ستة منهم يحقق الله فيهم كل عمله الخلاق، ويوم يستريح في راحته الملوكية، مباركًا ومقدسًا هذا اليوم الذي يعد ذروة السرد. الترابط بين الأشياء المخلوقة خلال الأيام تبين درجة من التناسق (انظر للجدول الموضح أدناه). فأول ثلاث أيام يصفوا خليقة الأشياء العامة أو المجالات العامة؛ يتبعهم ثلاث أيام يصفوا خليقة الأشياء المحددة أو الكائنات التي تسكن هذه المجالات العامة بنفس الترتيب.

السبت: [مستقل بدون مقابل]

اليوم الثالث: خلقة الأرض والنباتات [مقابل] اليوم السادس: الحيوانات والبشر

اليوم الثاني: السماوات حيث ينقسم المياه فوق الجلد والمياه تحت الجلد [مقابل] اليوم الخامس: الأسماك والطيور

اليوم الأول: الأنوار [مقابل] اليوم الرابع: النيرين العظيمين أي الشمس والقمر والنجوم

لكن الخليقة تصل لذروتها في اليوم السابع الذي لا يوجد يوم يوازيه وهو السبت (“شابات” بالعبرية، أو “شابِس” بنطق اللغات الأوروبية الشرقية)، وهنا يحفظ الله اليوم كيوم الراحة ولم ينعم به على شعب إسرائيل بعد (الذين يسمعون عنه أول مرة في خروج 16)… فكرة أن رقم سبعة يعني الكمال وأن الأشياء تصل إلى كمالها وذروتها في اليوم السابع لها رواجها في عالم الشرق الأدنى القديم الذي ظهر فيه شعب إسرائيل. وهذه الفكرة تقف دون شك في الخلفية الحضارية لهذا النص. فدور رقم سبعة في تكوين 1: 1- 2: 3 يمتد في الحقيقة إلى ما وراء التقسيم الواضح أي في تقسيم عمل الخليقة إلى سبع أيام.

على سبيل المثال، التعبير، ورأى الله [ما صنعه] أنه حسن أو أنه حسن جدًا، يحدث سبع مرات، ولكن ليس في كل يوم من أيام أسبوع الخليقة. فلا نراه في اليوم الثاني ولا السابع، بينما يظهر مرتين في اليومين الثالث والسادس وهما اليومين المتقابلين [في الجدول الموضح أعلاه] (تكوين 1: 10، 12، 25، 31). وبطريقة مشابهة، كلمة الله تظهر في النص خمسة وثلاثين مرة (أي حاصل ضرب سبعة وخمسة) في هذا النص، والجزء الخاص باليوم السابع (تكوين 2: 1-3) يتكون من خمسة وثلاثين كلمة بالعبرية. وترتيب عملية الخليقة في توالي سبع أيام يعد معروفًا لغالبية القراء لا فقط بسبب افتتاحية الـ”” [الكتاب المقدس اليهودي/ العبري أو ما يعرفه المسيحيين بالعهد القديم] بل أيضًا من وصية السبت في الوصايا العشر (خروج 20: 8-11).

لكن ينبغي ألا ننسى أن هذا لا يعد شيئًا متكررًا على الإطلاق في الـ”تناخ”. في الحقيقة، غالبية أوصاف الخليقة الواردة بالكتاب المقدس لا يُذكر بها أي شيء يتعلق بالسبعة أيام (راجع مزمور 104، وأمثال 8: 22-31)، وغالبية النصوص الخاصة بالسبت (بما فيها الوصايا العشر الواردة بتثنية 5: 12-15) لا تذكر أي شيء عن الخليقة…

الأكثر أهمية عن ذلك هو أن خليقة العالم في تكوين 1: 1- 2: 1-3 تحمل الكثير من التشابه بينها وبين التأسيس الكهنوتي لخيمة الاجتماع الذي أمر به الله في خروج 25 – 31 والذي تم تنفيذه في خروج 35 – 40 (راجع تكوين 2: 1-3؛ خروج 39: 32، 42 – 43) – نموذج هيكل أورشليم ومركز خدمة الرب الكهنوتية. العديد من قصص الخليقة في الشرق الأدنى تختتم ببناء معبد للإله الخالق. في قراءة الـ”تناخ”، يرى البعض العالم كهيكل الرب، والهيكل كعالم مصغر أو ميكروكوزم (راجع إشعياء 66: 1-2).

تكوين 2: 4-25

بينما يقدم لنا تكوين 1: 1 – 2: 3 سيناريو يتمركز حول إله عظيم، يقدم لنا 2: 4 – 25 قصة بدايات مختلفة إلا أنها على نفس مستوى العمق. فهذه القصة الثانية للخليقة تتمركز حول الخبرة الإنسانية، والله في هذه القصة يظهر بطريقة [أي يقدم لنا الله باستخدام صور بشرية]… يتجه التقليد اليهودي الكلاسيكي للتأليف [أو التوفيق] بين الاختلافات بين القصتين بضمهما لبعضهما البعض مكملين تفاصيل القصة بتفاصيل القصة الأخرى. وعلى مستوى القراءة النقدية (نقد المصدر)، فالاختلافات وعناصر التقارب بين قصتي التكوين يقدموا فهم أعمق لعلاقة الله بالإنسان عما إذا قرأنا كل قصة بمعزل عن الأخرى.

كيف تقيّم هذا المقال؟

← إتجاه ← التقييم ← اﻷعلى ←

المتوسط الحالي حسب تقييمات من القراء

كن أوّل من يقيّم هذا المقال

بما أن المقال أعجبك..

ربما اﻷفضل مشاركته مع دوائرك كي يحظى بانتشار أوسع

من المحزن أن يكون تقييمك للمقال سلبيا

دعنا نعمل على تحسين ذلك

أخبرنا.. كيف يمكن تحسين المقال؟

Avatar of أندرو يوسف
معيد بكلية الثالوث، تورونتو في الأكاديمية البطريركية، تورونتو  [ + مقالات ]

كاتب وباحث دكتوراه اللاهوت اﻷرثوذكسي بكلية الثالوث، تورونتو - بكالوريوس الدراسات الدينية، ماكماستر