- كيف يتعامل المؤمن مع العلوم؟
- ما هو المعنى الحقيقي لتكوين1؟
- هل يوم الخليقة “٢٤ ساعة”؟
- ☑ لماذا سبعة أيام؟ ولماذا يستريح؟
في الحلقة السابقة، ناقشنا المعنى الحقيقي وراء تكوين 1، ورأينا كيف أن النص هو جزء من المقدمة التي تقودنا لابراهيم، أبو اليهود. وكيف أن الهدف الأساسي هو مناقشة خلق العالم لكن بهدف نزع سمة الأسطورية عن الآلهة الوثنية المزيفة آنذاك ونزعها عن عروشها. أيضا تحدثنا عن معنى الخمسة أيام الأولى في تكوين 1.
في هذه الحلقة، سنناقش أخر يومين من الإصحاح الأول وسنناقش في عجالة سبب تقسيم أيام الخليقة على سبعة أيام.
خلق الإنسان في اليوم السادس
في اليوم السادس، خلق الله الدواب والبشر. يؤكد النص على مكانة البشرية الخاصة، البشر مخلوقين على صورة الله. فالإنسانية لها وضع خاص. الإنسانية هي تاج الخليقة. لكن ما معنى ذلك؟
حين نقرأ الكتاب المقدس، غالبًا ما يكون هناك معنيين للنص: المعنى الحرفي، والمعنى الباطني. المعنى الباطني هنا هو القدرة العقلية أو الفكر—العقل.
يتماشى مع ذلك المعنى التاريخي الذي يمكن اكتشافه فقط حين يُقرأ الكتاب المقدس في السياق التالي: في مفهوم الأمم القديمة، صورة أو تمثال الإله كانت تكتسب نوع من القوة الإلهية من الإله الذي تمثله. لذا، كان يقوم الإله بدوره من خلال الصورة الخاصة به، بالإضافة إلى ذلك، لعبت هذه الصورة دورًا هامًا في جعل الإله حاضرًا بينهم. في مفهومهم، كان الإله الوثني حاضرًا من خلال التمثال الخاص به. في هذا الضوء، يمكننا فهم كيف أن الله يأمر بهدم الأوثان والأصنام في إسرائيل في العهد القديم، وكيف أصر الملوك على بناء تماثيل تحمل صورتهم، حيث أنهم اعتُبروا صور آلهة أو صورًا للآلهة. لذا فمن المنطقي أن تؤكد أول وصيتين من الوصايا العشر على ملوكية وعظمة الله المطلقة ومنع صنع المنحوتات.
بناء على هذه المعلومات، يمكننا أن نفهم المعنى الحرفي التاريخي لمعنى أن الإنسانية على صورة الله. مرة أخرى، ادعى البعض أن تماثيل وصور الآلهة الوثنية تجعل حضور الآلهة ملموسًا، لكن الإله الحقيقي يخلق الإنسانية ويضعها على صورة ابنه وروحه القدوس، فالله حاضر على الأرض من خلالهم ويشارك البشرية صفاته الإلهية.
ويتجلى هذا في تسمية أدم للحيوانات في تكوين 2. فكما سمى الله الأشياء محضرًا إياها إلى الوجود وبهذا أعلن سلطانه، يعطي الله نفس السلطان لأدم. وعلى عكس الآلهة الوثنية الميتة ذات الصور الميتة التي تمثلهم، فالله يتخذ من الإنسان الحي ما يمثله.
لهذا، فعلى عكس القصص الأسطورية الوثنية، قصة التكوين تعطي دورًا غاية في الأهمية للإنسانية. فبدلًا من أن يكون البشر عبيد الآلهة الوثنية التي خُلقت لإطعامهم وحفظ معابدهم، يعطي الله الإنسان سلطان على كل شيء. فدور الإنسان الحقيقي هو أن يتمتع بسلطان الله، وهذا السلطان هو صفة إلهية يشاركنا إياها لنحب ونتسلط بعدل على الأرض. هذا الهدف الرئيسي يتحقق باستمرارية ملاقاتنا لله، وبالتالي بالاحتفاظ بصورته كما سنرى فيما بعد.
التقسيم على سبعة أيام
قبل الانتقال لليوم السابع، لابد أن نفهم تقسيم تكوين 1. لماذا خلق العالم على مدار سبعة أيام؟
كما رأينا، العالم آنذاك كان متعدد الآلهة. هذا الإيمان بآلهة كثيرة كان هو الطبيعي في ذلك الوقت. وهذه الآلهة المزيفة كانت تحيط بها قصص كثيرة تخص خلق معابدهم المختلفة. فمثلًا، في الأسطورة الأوغاريتية، يبني الإله “بعل” معبده على مدار سبعة أيام، وفي احتفال أتباعه بالعام الجديد تبدأ زفة احتفالية تتم على مدار سبعة أيام. كذلك في الكتابات السومرية، كان تكريس المعبد يأخذ سبعة أيام. وكذلك، تكريس الإسرائيليين لهيكل سليمان استمر سبعة أيام (ثم أضيف إلى ذلك سبعة أيام أخر). لا تنسى أن من عاشوا آنذاك كان لهم سياق حضاري مشترك. فالمسألة ليست بحث عمن كتب أولًا أو من نقل مِن مَن. آلية التفكير هذه لا تصيب الهدف. البشر عاشوا حياتهم وهذه الحياة كان السياق الحضاري جزء منها ثم كتبوا بعض التفاصيل عن هذه الحياة. فينبغي أن نتوقع أن الأمم الذين عاشوا حياة مشتركة يكون لهم سياق حضاري مشترك. وهذا أمر طبيعي.
لكن الرسالة هنا هي أنه حتى مع هذا السياق الحضاري المشترك، إلا أن الكتاب المقدس، الموحى به من الروح القدس، ينزع الآلهة الوثنية عن عروشها. فإله إسرائيل هو الإله الوحيد الحقيقي. بشكل أخر، يمكننا أن نقول إن الكتاب المقدس استخدم السياق المعروف للقارئ القديم ليقوده نحو الإعلان الجديد عن إله إسرائيل الواحد الحقيقي.
لقد قارننا بين خلق الله للعالم وقصص تأسيس المعابد. الرسالة الهامة هنا هي أن العالم هو هيكل الله. خلق الكون في سبع خطوات، خطوة كل يوم. لاحظ أن تأسيس خيمة الاجتماع في أيام موسى في خروج 40: 19-32، تم على مدار سبع خطوات انتهت كل خطوة بقول الرب: “هكذا أمر الرب موسى“.
كل الآلهة الوثنية الأخرى كان لها معبد صغير يخصها تسكن فيه. لكن الله القدير لا يسكن في أي معبد أو هيكل. لكنه يسكن في العالم كله. بشكل أخر، حضور الله الموجود في الهيكل اليهودي لابد أن ينتشر ليملأ العالم كله. العالم كله ينبغي أن يمتلئ بالحضور الإلهي. لذا قال يوسيفوس:
“كل شيء في هذا الهيكل جُعل ليذكرنا بالكون ويمثله، والقارئ سيجده، ولكن إذا بحث دون تحيز وبفهم”
(المؤرخ اليهودي يوسيفوس)
فالهيكل اليهودي كان أيقونة للعالم كله. ما يحدث في الهيكل ينبغي أن يمتد للعالم كله. بطريقة مشابهة، سقطت أصنام أرض مصر في حضور ربنا يسوع المسيح في مصر، فدنس الآلهة الوثنية ينبغي أن ينتهي من الوجود والقداسة ينبغي أن تتزايد في العالم خلال البشرية.
راحة الله أم راحة الإنسان؟
ننتقل الآن لليوم السابع. يشير النص إلى أن الله قد أنهى خلق السماوات والأرض. ثم يستريح الله ويبارك ويقدس اليوم السابع.
في المفهوم القديم، راحة الآلهة الوثنية تكمن في إنهاء بناء المعبد. في العديد من القصص الوثنية، هذه الراحة تحدث بعد سبعة أيام من العمل. فهذه الآلهة المزيفة يحتاجوا لقسط من الراحة في هيكلهم بعد زعمهم أنهم خلقوا شيئًا ما. لكن من الواضح أن إله إسرائيل لا يحتاج للراحة [هو فقط قال كن فكان ولم يحارب آلهة أخرى أو ما إلى ذلك]. لكن هناك شيء أخر ينبغي أن نفهمه هنا. كما نعرف، اليوم السابع مرتبط بالسبت أو “الشابات” اليهودي. في خروج 20، يقول: “اذكر السبت لتقدسه. ستة أيام تعمل كل عملك، أما اليوم السابع هو سبت للرب إلهك. فيه عملًا ما لا تعمل”
لذا، كان هدف السبت اليهودي هو ملاقاة الله في هيكله لنجد نحن راحة فيه. الإنسانية منوطة بالتسلط على العالم مثل الله لأن الإنسانية مخلوقة على صورته وأعطيت روحه القدوس. وبهذه الصورة، ينبغي أن نجد راحتنا وقداستنا في هيكل الله من خلال ملاقاتنا معه. كانت هذه هي دعوة إسرائيل،
وتظل هذه الدعوة لنا في الليتورجيا المسيحية التي فيها نلاقي الله في الإفخارستيا عاكسين نوره للخليقة. فالرسالة الرئيسية لأول خمس أيام الخليقة هو التعرف على من هو الله. اليوم السادس يختص بمعرفة من هو الإنسان. لكن، في اليوم السابع، تظهر الإجابة على سؤال “لماذا”.
لماذا خلق الله البشر؟ خلق البشر ليلاقوه ويجدوا الراحة فيه. وهو يتمتع أو يجد راحته في خليقته. في باقي الكتاب المقدس، يقود الروح القدس كتّاب الأسفار لوضع تفاصيل الملاقاة بين الله والإنسان.
هذه المقالة ترجمة لحلقة من سلسلة عن الكتاب المقدس والعلم من تحضير وإلقاء كاهن قبطي أرثوذكسي بشمال أمريكا طلب عدم ذكر اسمه إلا أنه سمح بنشر هذه الترجمات بمعرفتي.
كيف تقيّم هذا المقال؟
← إتجاه ← التقييم ← اﻷعلى ←
المتوسط الحالي حسب تقييمات من القراء
كن أوّل من يقيّم هذا المقال
من المحزن أن يكون تقييمك للمقال سلبيا
دعنا نعمل على تحسين ذلك
أخبرنا.. كيف يمكن تحسين المقال؟
كاتب وباحث دكتوراه اللاهوت اﻷرثوذكسي بكلية الثالوث، تورونتو - بكالوريوس الدراسات الدينية، ماكماستر