- كيف يتعامل المؤمن مع العلوم؟
- ☑ ما هو المعنى الحقيقي لتكوين1؟
- هل يوم الخليقة “٢٤ ساعة”؟
- لماذا سبعة أيام؟ ولماذا يستريح؟
منذ عصر التنوير وما لازمه من اكتشافات علمية، بدأ الكثيرين في قضاء ساعات لمقارنة النص الكتابي بالعلوم المعاصرة وعلوم اليوم. كتب عديدة كتبت في هذا الموضوع، بعضهم يحاول مصالحة الكتاب المقدس مع العلم، والبعض الأخر يحاول دحض الكتاب المقدس أو العلوم.
اليوم، عدد كبير من المسيحيين يضع الاثنين في مواجهة بعضهم البعض في أثناء بحثهم عن الحقائق وراء الاكتشافات الهامة، مثل نظرية التطور والانفجار العظيم إلى أخره. وبالطبع فإن تكوين 1 وقع في قلب هذه الحرب.
ولكن ما هي الطريقة الصحيحة لفهم تكوين 1 ومعنى الخمسة أيام الأولى هو الهدف من هذه الحلقة. في الحلقة القادمة، سنتحدث عن تقسيم الإصحاح —لماذا سبعة أيام— وسنغوص في تفاصيل اليوم السادس والسابع.
الطريقة المثلى في التعامل مع تكوين 1
الطريقة الصحيحة للتعامل مع النص لابد أن تضع بعين الاعتبار الخلفية الثقافية والتاريخية لإسرائيل والمناطق المحيطة. لابد أن نتذكر أن النصوص القديمة لم تضع في الاعتبار هوس قراء القرن الحادي والعشرين بالعلوم. فهدف تكوين 1 لم يكن علميًا. فكما سنرى، هذا النص يهدف بالدرجة الأولى للتعبير عن الإيمان بالله الواحد القدير.
هدف النص لا يتعلق بكيفية الخلق وإنما بمن هو الخالق ومن هو الإنسان ولماذا خلقنا الله. وهذا يصير ممكنًا حين نلاحظ أن الإصحاحات الأحد عشر الأولى، بما فيها الخليقة، هي بمثابة مقدمة لقصة إبراهيم. بطريقة أخرى، هي مقدمة للأحداث التاريخية الخاصة بشعب إسرائيل. إسرائيل كانت تعد أمة صغيرة إلى حد ما ومحاطة بممالك أكبر وأقوى منها وطالما واجهوهم في الحروب. في الحقيقة، يمكننا أن نلخص أساسيات هذه النصوص القديمة بالشكل التالي:
أولًا: الصراع من أجل البقاء (نظرًا لكثرة الحروب آنذاك).
ثانيًا: الحاجة المرة للنسل، خاصة الرجال (كلما كثرت الأولاد كلما نما الجيش).
ثالثًا: الحاجة للطعام. تذكر، أن في هذا الوقت، كان استيراد وتصدير البضائع أمرًا محدودًا جدًا، إن وجد. طرق المواصلات المتطورة لم تكن متوفرة. قلة المطر في منطقة ما كانت تقود إلى مجاعة مما سيقود بطبيعة الحال إلى الموت.
وبناء على حاجتهم لهذه الأشياء الثلاثة، عبدت كل أمة إلهها على أمل أن يعطيها النصرة في الحرب، والنسل، والطعام. ففي مفهومهم، كان كل إله وثني مسئول عن منطقته الخاصة. وبالتالي فكل أمة تصلي إلى إلهها الخاص بمنطقتها.
لكن الإسرائيليين وجدوا راحتهم في الله الواحد الذي له سلطان وقدرة في العالم كله. هو الوحيد الخالق للكون في تكوين واحد. وبالتالي، فالعالم كله يخصه. وبما أن العالم يخصه، ففي المفهوم الإسرائيلي، العالم كله يخصهم هم أيضًا. لماذا؟ لأن إسرائيل أصبحوا شعب الله كما هو واضح من سلاسل الأنساب الموجودة في تكوين 5، 10، 11، والتي تهدف للربط بين ادم وإبراهيم (أبو إسرائيل). فإله إسرائيل هذا هو من له السلطان على العالم كله وهو مصدر نسلهم وطعامهم.
هدف نص الخلق في الأساس، هو إعلان أن إله العبرانيين هو الإله الوحيد الحقيقي.
تذكر أن في هذا الوقت، عبد الناس العديد من الآلهة نظرًا لأنه كان عالم وثني يؤمن بتعدد الآلهة. بالتالي هدف تكوين 1 هو إلغاء الأساطير الخاصة بالآلهة الوثنية. بشكل آخر، الهدف هو إزالة باقي الآلهة عن عروشها، فإله إسرائيل هو الإله الوحيد الحقيقي. هذه هي رسالة النص. وهذا يتم بالتركيز على سلطان الله على الخليقة.
أولًا، هذا السلطان يتم التركيز عليه بالكلمات المكررة “خلق الله” أو “ليكن كذا وكذا” والتي تعني أن العالم مخلوق ومحكوم بإرادة الإله الواحد.
بتاح، الإله المصري الوثني، قد يدعي أنه تكلم ليخلق الأشياء إلا أن هذا الادعاء غير صحيح. إله إسرائيل هو الوحيد الذي تكلم فخلق كل الأشياء وأحضرها إلى الوجود.
في تكوين 1، نجد أن الله يسمي كل عناصر الخليقة. تسمية الأشياء آنذاك تعني أن له سلطة وقوة عليها. بنفس الطريقة، الوالدين يسموا أولادهم.
بطريقة أخرى، يمكننا القول بأن سلطان الله لم يقم بناء على سلسلة من الحروب بين الآلهة الوثنية كما آمنت الأمم المحيطة في ذلك الوقت. فببساطة، لا يوجد منافس لإله إسرائيل. بالإضافة إلى ذلك، الله يعطي استخدام لكل ما يخلق.
وهذا يعد في غاية الأهمية، لأن الأشياء في العالم القديم، لم تعد حقيقية أو مخلوقة ما لم يكن لم تخدم هدف ما أو يكون لها استخدام. في مجتمعنا اليوم، يعتبر الشيء حقيقي طالما أنه له وجود مادي. لكن في العالم القديم، حتى إن كان الشيء موجود بشكل مادي، فلا يعد موجود أو مخلوق حقيقي ما لم يكن له استخدام.
مرة أخرى، هذا النص لا بد أن يُقرأ من وجهة نظر قراءه الأولين لا من وجهة نظرنا نحن.
الخمسة أيام الأولى
الآن، دعونا نناقش الخمسة أيام الأولى:
في اليوم الأول: كانت الأرض خربة وخالية والظلمة كانت على وجه الغمر وكان روح الله يرف حول وجه المياه.
في العالم القديم، العديد من الأمم اعتبرت المياه إله. أما المياه أو الغمر كما يشير إليها سفر التكوين، كانت تعد إله الفوضى الوثني.
فمثلًا في قصة “إنوما إليش” وهي كانت قصة منتشرة في ذلك الوقت، كان “الغمر” إله يدعى تيمات، وكانت تيمات عدوة لإله أخر يدعى “مردوخ” والذي سنعود إليه مرة أخرى فيما بعد. فرسالة النص هي أن هذا الغمر الفوضوي والذي عادة ما يمثل الإلهة تيمات، أو أي إله أخر مثل إله الظلمة، يتم القضاء عليهم بواسطة إله إسرائيل، حيث ترف روحه فوقها ويجلب النور.
هدف النص غير المباشر هنا هو أن الله خلق المياه [وبالتالي الإله الذي تمثله]. في الوقت الذي اعتبر الكل في المياه آلهة وثنية، كان الله هو الخالق الحقيقي وله كل السلطة على ما يسمى بـ”الآلهة”. أيضًا، على عكس هذه الآلهة المزيفة والتي لا بد أن تحارب بعضها البعض لتهزم الغمر، فإله إسرائيل لا يقول سوى “ليكن نور” وللحال كان نور. فهو ذو السلطان الكامل.
ثم يرينا الله قدرته مرة أخرى بأن يعطي النور استخدامه كصباح والظلمة استخدامها كمساء. وكما رأينا من قبل، إعطاء الشيء استخدامه يعني خلقه. لذا، يخلق الله هنا النور والظلمة. فالنص يحدثنا عن خلقة العالم الحقيقي لكن حسب مفهوم هذا العصر.
نجد مثال آخر لإله إسرائيل وهو يهزم آلهة المياه الوثنية في العشر ضربات، حيث يسأل الله موسى أن يحول ماء نهر النيل لدم. كان النيل يعتبر إلهًا وثنيًا في ذلك الوقت. في هذه الحالة أيضًا، ينزع الله إله النيل عن عرشه المزعوم.
في اليوم الثاني: يفصل الله بين المياه فوق الجلد والمياه تحت الجلد. نفهم المعنى المناسب لهذا الفصل حين يبحث الشخص عن العلوم المتاحة وقت كتابة تكوين 1. لكن، هذا ليس ممكنًا في هذه الحلقة.
في الأساس، هدف اليوم الثاني هو نزع الإله الوثني مردوخ عن عرشه، حيث إنه ادعى أنه هو من قسم المياه في ملحمة إنوما إليش.
الإله الإسرائيلي الواحد هو من حقًا فصل المياه وبالتالي هو الوحيد الذي له سلطان حقيقي، لا مردوخ ولا غيره.
كذلك اليوم الثالث: يُظهر لنا سلطان الله. فيجمع المياه التي تحت السماء ليخلق الأرض اليابسة. ويعطي أسماء لليابسة وللمياه. ويعطي الأرض استخدامها حيث تجلب الحياة —العشب، البذور، الأشجار— بهدف بقاء الإنسانية.
فالرسالة الرئيسية في اليوم الثالث هي أن الله يعطي الأرض استخدامها، وعلى هذا تصبح الآن موجودة بشكل حقيقي في مفهومهم القديم.
الهدف هو أن الله هو الوحيد الذي يتثنى للبشرية أن تعتمد عليه لتجد طعامًا، وبالتالي لتعيش. فلا حاجة للصلاة للآلهة الوثنية لتعطي طعامًا. الإله الحقيقي سيسدد احتياجنا.
في اليوم الرابع: يخلق الله الشمس، والقمر، والنجوم. لكن، في التكوين لا يدعى الشمس والقمر بهذه الأسماء بل بالحري يدعا النيرين العظيمين (النور الأكبر والنور الأصغر). لماذا؟ لأن “شاماش” (الاسم العبري للشمس) و”ياريه” (الاسم العبري للقمر) اعتبرا أسماء آلهة وثنية في ذلك الوقت. أيضًا، كان من المعتاد آنذاك أن يكون مع الإله الواحد عدد من الآلهة الصغرى؛ وبالتالي، لتجنب عبادة ما يدعى بالآلهة الوثنية “الشمس” و”القمر”، فتعمد النص ألا يدعوهم بأسمائهم.
الله القدير خلق وسيلتي إضاءة فقط لا غير وأعطاهم استخدام وهو التحكم في النهار والليل. فلا ينبغي أن يعتبرا آلهة صغرى.
نرى هدف مشابه في الضربات العشر، فحين يجلب الله ظلام على مصر ثلاث أيام. كان الهدف من ذلك شرح أن الإله المصري “رع” إله الشمس لم يكن إلهًا حقيقيًا قادرًا على الحفاظ على ذاته. وظلت الشمس تعد إلهًا وثنيًا حتى أن ق. أنبا موسى القوي عبدها قبل أن يتعرف على المسيحية في القرن الرابع الميلادي. وبنفس هدف نزع هذه الآلهة عن عروشها، يتحدث النص عن النجوم في عجالة دون تفاصيل.
وهذا يعد اختلافًا واضحًا بين الميثولوجيا الوثنية والكتاب المقدس حيث تركز الميثولوجيا على علم الفلك.
الرسالة بسيطة: الله خلق النجوم. ضع تركيزك عليه، لا على النجوم في حد ذاتها.
في اليوم الخامس: يخلق الله كل الخلائق التي تسبح في المياه أو تطير في السماء. وتصبح هذه الخلائق ذات نفس حية.
مرة أخرى، الله الكائن هو من تدين له كل المخلوقات بحياتها. فالله هو خالق التنانين العظام. كثيرًا ما يتم ترجمة كلمة “التنانين العظام” بشيء من عدم الدقة على أنها تعني المخلوقات البحرية الكبيرة أو الحيتان. لكن المعنى الصحيح هو “وحوش البحر” وهذا يشير إلى خلائق مثل ليفايثان. في القصص الوثنية، كانت تعد هذه الوحوش مخلوقات قوية ومعادية. ولكن الهدف هو نزع سمة الأسطورية عنهم ونزعهم عن عروشهم. فلا يوجد من يعادي الله وهناك إله واحد فقط حقيقي.
هذه الخلائق التي خلقت في اليوم الخامس كان لهم هدفهم، وهو الإثمار والإكثار وملء الأرض والبحر. فرسالة اليوم الخامس هو أن الله خلق الكون كله، ولكنه يكتب هذا حسب المفهوم القديم، ويهدف النص لنزع هذه الآلهة الوثنية عن عروشها.
أما عن اليوم السادس والسابع، فسنتحدث عنهم في الحلقة القادمة.
هذه المقالة ترجمة لحلقة من سلسلة عن الكتاب المقدس والعلم من تحضير وإلقاء كاهن قبطي أرثوذكسي بشمال أمريكا طلب عدم ذكر اسمه إلا أنه سمح بنشر هذه الترجمات بمعرفتي
كيف تقيّم هذا المقال؟
← إتجاه ← التقييم ← اﻷعلى ←
المتوسط الحالي حسب تقييمات من القراء
كن أوّل من يقيّم هذا المقال
من المحزن أن يكون تقييمك للمقال سلبيا
دعنا نعمل على تحسين ذلك
أخبرنا.. كيف يمكن تحسين المقال؟
كاتب وباحث دكتوراه اللاهوت اﻷرثوذكسي بكلية الثالوث، تورونتو - بكالوريوس الدراسات الدينية، ماكماستر