رسائل خفية يحتويها الفن ويقدمها، هو لا يتعمد أن تكون خفية، لكن ريشة الفنان تكتب لغة لا يفهمها العموم، إلا ذوي الحس المرهف الواعي من يمتلكون رؤية تتذوق وتستوعب وتلتقط الإشارات ويترجمها عقلهم وحسهم جيدا.
لذا الفن ليس للجميع. فأكثر من يتلقون الهجوم من محدودي الرؤية والمعرفة؛ هم الفنانين ويليهم بالطبع الشعراء والأدباء.
فمحدود الأفق يرى اللوحة كمجرد صورة يلتقطها عقله فيبدأ بدون فهم في إطلاق أحكامه الضيقة المحدودة. وعادة أما أن لا يفهمها في الأساس، وأما أن يشجبها وتبدأ المزايدة على التقوى من مدعي التدين الزائف. وهنا هو لا يهاجم الفنان بقدر ما يواجه عقله هو المحدود غير القادر على الفهم، لأنه أدرك أن الفنان بلغة صامتة يتهمه بالغباء، فغضبه وقتها هو غضب من غبائه ومن مكاشفة الفنان غير المباشرة لهذا الجهل والغباء.
ونفس اللوحة يلتقطها الحس العميق فيبدأ العقل في تحليل شفرتها وفك رموزها وترجمة لغتها وهنا يصل لأعماق الفنان وينقل الفنان إليه رسالته جيدا. لذا لا تتعجب إن وجدت إنسانًا يقف أمام لوحة ساعة بلا حَراك فهو في حوار عقلي وروحي متصل معها ومع والدها الذي تمخض بها.
كل هذا دار بعقلي وأنا في حالة ارتحال من لوحة إلى أخرى ومن حالة إلى أخرى في مَعْرِض الفنان المتميز صاحب الوعي والرسالة (وليد عبيد). كم قضيت من وقت لا أدري! فأمام الفن يتأدب ويصمت الزمن ويصبح بلا قيمة.
جالت تلك الخاطرة بذهني وقولت لنفسي:
إذا دخل إلى هذا الحرم شخصًا سطحيًا فلن يرى سوى (صور عارية)! وسيصف الفنان بأشنع الأوصاف وقد جسد الفنان الرائع تلك الفكرة في لوحة مرفقة بالمقال لامرأة بملابس مكشوفها وفي الظلال على الجدار (حمار) وبالفعل من يرى الفن بهذه النظرة الضيقة، فتلك الصفة تناسب عقليته ولا يستحق أن يتجسد في اللوحة سوى كظل بلا ملامح.
لوحات وليد تناقش قضايا سياسية واقتصادية واجتماعية، وقد أبهرتني لوحتين له عن حرب فلسطين استخدم في واحدة منها تجسيد المرأة كعادته كرمز للأرض وللوطن وللإنسانية عمومًا فأصل الإنسان وجذره وتكوينه الأولي هو أنثى.
فالأنثى في فهم الأدباء والفنانين ليست أداة للإغراء والمزايدة على الفضيلة. إنما هي الإنسان وكل ما هو ذو قيمة ويتوجب تقديره والتضحية لأجله.
فإذا أقبلت على قراءة أدبية أو مشاهدة لوحة فنية أو عمل مسرحي أو الاستماع لمقطوعة موسيقية فأخلع نعليك (أي تفكيرك السطحي وجهلك ومحدوديتك وظلامك) حتى تفهم ويرتقي وعيك، وإلا.. فنصيحتي لك ألا تقرأ وألا تشاهد إلا ما يناسب عقليتك حتى لا تصطدم وتتعثر به فتسقط.
دمتم في نور.
كيف تقيّم هذا المقال؟
← إتجاه ← التقييم ← اﻷعلى ←
المتوسط الحالي حسب تقييمات من القراء
كن أوّل من يقيّم هذا المقال
من المحزن أن يكون تقييمك للمقال سلبيا
دعنا نعمل على تحسين ذلك
أخبرنا.. كيف يمكن تحسين المقال؟