هل وافقت الكنيسة الكاثوليكيّة على زواج المثليين؟ ما موضوع وثيقة Fiducia Suplicans الصادرة عن لجنة العقيدة والإيمان، التي وافق عليها البابا فرنسيس يوم 16 ديسمبر 2023؟
منذ عدة أسابيع حدث لغط كبير في وسائل الإعلام، وعلى وسائل الاتّصال الاجتماعي، ولكن قبل أن أعرض ملخّص مضمون الوثيقة المذكورة، لدي بعض الأسئلة لمن يقرأ هذا المقال:
1. هل أنا بنفسي قرأت نصّ الوثيقة؟ وأي تَرْجَمَة؟ ومن أيّ موقع؟
2. هل يمكنني أن أصمت قليلًا لأرى ما يقوله النصّ في أثناء قراءته من دون ما أفهمه من خلال ما سمعته وما قيل لي؟
3. هل أعلم أنّ الكنيسة الكاثوليكيّة ليست كنيسة محلّية فقط وخاضعه لثقافة واحدة فقط؟ بل حاضرة في القارات الخمس وتتخطى المليار والـ 300 مليون من الأتباع؟ بالتالي الحكم على الأمور لا ينطلق من ثقافتي كمصري متأثر بالثقافة العربية والأغلبية المسلمة، أو صيني فقط أو فيتنامي فقط إلخ.
يذكر أن أغلب المعترضين لم يقرأوا الوثيقة أصلا، وكثيرين ممن قراؤها لم يفهموا المقصود، وهذا راجع نظام التعليم الخاص بنا، إننا نقرأ ما هو في عقولنا وما هو في أذننا، وليس المكتوب في النص!.
ما هي حكاية الوثيقة؟
الوثيقة هدفها الأساسي هو لاهوتي ورعوي عن مفهوم البركة، لأن في كرادلة وأساقفة وكهنة طلبوا من مجمع العقيدة والإيمان إنه يقول رأيه في مشكله يواجهونها ـ لما أنا كأسقف أو ككاهن في أثناء مروري بالشارع أو في مزار من المزارات ويطلب مني أحدهم أن أصلي من أجله ويطلب البركة. وأنا أعرف أو لاحظت أو تأكدت إن هذا الشخص متزوج مدني بعد ما طلق طلاق الكنيسة نفسها ترفضه، أو يعيش مع شخص بدون زواج سواء كان من جنس مختلف عنه أو نفس الجنس، فماذا أفعل؟ هل أضع يدي عليه وأباركه أم أرفض باعتبار إن هذا الشخص يعيش في الخطيئة؟
هذه الوثيقة ترد على هذه التساؤلات بإعداد بحث لاهوتي وتاريخي وروحي ورعوي في مفهوم البركة ومعناها في تاريخ الكنيسة وتقليدها الممتد لأكثر من ألفي عام! وتقول:
البندان 11-12 لا تملك الكنيسة السلطة على أن تمنح البركة الليتورجية للأزواج غير النظاميين أو المثليين، ولكن يجب أننا نتجنب خطر تضييق النظرة للبركة علي أنها في الأسرار والطقوس فقط، لأنه في نوع آخر من البركة غير الأسرار، ولا تتطلب صوم أو اعتراف مثل بركة المنازل في الطقس القبطي بالرغم من أنها طقسية لكن لا تعتبر سر ولا تتطلب اعتراف أو صوم قبلها!
البند 21-23 إن من يطلب البركة “يُظهر إنه في حاجة إلى حضور الله الخلاصي في حياته”، لأنه يعبر عن “طلب المساعدة من الله، ويحتاجها حتى يستطيع أن يعيش بشكل أفضل! بالتالي يجب قَبُول هذا الطلب وتقديره “خارج الإطار الليتورجي” حين يطلب أحد الأشخاص “بطريقة عفوية وحرة”. وهنا هي نوع من التقوى الشعبية. بمعنى أن البركة في هذه الحالة، هي أفعال عبادة تقوية وليست سرّ رسمي. وهنا في منحها، غير ضروري أن يطلب من الشخص اشتراط “الكمال الأخلاقي المسبق” كشرط مسبق.
ماذا يقول نص الوثيقة Fiducia Suplicans؟
تناقش الوثيقة وتتعمّق في المعنى الرعوي للبركات، وتميز بين بركات الرتب والبركات الليتورجية وبركات أخرى عفوية تشبه إلى حدٍ بعيدٍ لفئات التقوى الشعبيّة: في هذه الفئة الثانية تحديدًا، نتأمّل الآن في إمكانية استقبال حتى الأشخاص الذين لا يعيشون وفقًا لمعايير العقيدة الأخلاقية المسيحية ولكنهم يطلبون بتواضع أن ينالوا البركة.
اُفتتح إعلان Fiducia Suplicans بمقدمة عميد دائرة عقيدة الإيمان، الكاردينال فيكتور مانويل فرنانديز، الذي يوضح أن الإعلان يتعمق في “المعنى الرعوي للبركات”، مما يسمح “بتوسيع وإغناء الفهم الكلاسيكي لها” من خلال تأمُّلٍ لاهوتي. “يقوم على الرؤية الرعوية للبابا فرنسيس”. تأمل “يتضمّن تطورًا حقيقيًا مقارنة بما قيل عن البركات” حتى الآن، للوصول إلى فهم إمكانية “منح البركة للأزواج الذين يعيشون في أوضاع غير نظامية والأزواج المثليين، دون الموافقة على وضعهم بشكل رسمي أو تغيير تعليم الكنيسة الدائم حول الزواج بأي شكل من الأشكال”.
بعد الفقرات الأولى (1-3)، التي يتم فيها التذكير بالتصريح السابق لعام 2021 الذي يتم الآن تعميقه وتجاوزه، يقدم الإعلان البركة في سر الزواج (الفقرات 4-6) معلنا “عدم قبوله أي رتب أو صلوات يمكنها أن تخلق التباسًا وتشويشًا بين ما يشكّل الزواج” و”ما يناقضه”، لتجنّب الاعتراف بأي شكل من الأشكال “باعتبار زواجًا ما هو ليس كذلك”. وتعيد الوثيقة التأكيد على أنه:
وفقًا “للعقيدة الكاثوليكية الدائمة”، تُعتبر العلاقات الجنسية شرعية فقط في سياق الزواج بين رجل وامرأة.وثيقة دعاء الثقة “Fiducia Suplicans”
يحلل الفصل الكبير الثاني من الوثيقة (الفقرات 7-30) معنى البركات المختلفة المخصصة للأشخاص وأغراض العبادة وأماكن الحياة. وتذكّر الوثيقة أن: البركة، من وجهة نظر ليتورجية بحتة، تتطلّب أن يكون ما تتمُّ مباركته “متوافقًا مع إرادة الله التي يتمُّ التعبير عنها في تعاليم الكنيسة.
عندما يتم، من خلال رتبة ليتورجيّة خاصة، طلب البركة على بعض العلاقات البشرية، من الضروري أن يكون ما يتمُّ مباركته قادرًا على أن يتوافق مع مخططات الله المكتوبة في الخليقة. لذلك، لا تملك الكنيسة السلطة على أن تمنح البركة الليتورجية للأزواج غير النظاميين أو المثليين. ولكن يجب أن نتجنب خطر اختزال معنى البركات في وجهة النظر هذه فقط، وندّعي أن يكون في البركة البسيطة الشروط الأخلاقية عينها التي تُطلب لنوال الأسرار.
ماذا عن مباركة الأشخاص المثليين وغيرهم ممن يعيشون بطريقه غير نظامية؟ ما المقصود بإعطائهم “بركة”؟
بعد دراسة البركات الموجودة في الكتاب المقدس، تقدِّم الوثيقة فهمًا لاهوتيًا رعويًا، إن: الذي يطلب البركة، يُظهر أنه في حاجة إلى حضور الله الخلاصي في تاريخه، لأنه يعبر عن طلب المساعدة من الله، والتماسها لكي يتمكن من أن يعيش بشكل أفضل. بالتالي، يجب قَبُول هذا الطلب وتقديره، خارج الإطار الليتورجي، عندما يأتي بطريقة عفوية وحرة، وبالنظر إليها من منظور التقوى الشعبية. يجب تقييم البركات على أنها أفعال عبادة، بالتالي لمنحها، ليس من الضروري اشتراط الكمال الأخلاقي المسبق.
تنص الوثيقة على أن هذا النوع من البركات: يُمنح للجميع، بدون طلب أي شيء، لكي نجعل الأشخاص يشعرون أنهم يبقون مباركين رغم أخطائهم، وأن الآب السماوي لا يزال يريد خيرهم ويرجو أن ينفتحوا أخيرًا على الخير. هناك عدة مناسبات يقترب فيها الأشخاص بشكل عفوي لكي يطلبوا البركة، سواء في رِحْلات الحج أو في المزارات وحتى في الشارع عندما يلتقون بكاهنٍ ما، وهذه البركات هي موجهة للجميع، ولا يمكن استبعاد أحد عنها. لذلك، في حين أن الحظر على تفعيل الإجراءات أو الطقوس لا يزال قائمًا في هذه الحالات، إلا أنّه يمكن للكاهن أن يتّحد مع صلاة هؤلاء الأشخاص الذين على الرغم من أنَّ الاتحاد الذي يعيشونه لا يمكن مقارنته بأي حال من الأحوال بالزواج، لكنّهم يرغبون في أن يسلِّموا ذواتهم للرب ولرحمته، وأن يطلبوا معونته، وأن يتمَّ إرشادهم إلى فهم أكبر لمخطّطه، مخطّط المحبة والحقيقة.
كيف تقيّم هذا المقال؟
← إتجاه ← التقييم ← اﻷعلى ←
المتوسط الحالي حسب تقييمات من القراء
كن أوّل من يقيّم هذا المقال
من المحزن أن يكون تقييمك للمقال سلبيا
دعنا نعمل على تحسين ذلك
أخبرنا.. كيف يمكن تحسين المقال؟
صدر للكاتب:
كتاب نقدي: اللاهوت السياسي، هل من روحانية سياسية؟
تعريب كتاب جوستافو جوتييرث: لاهوت التحرير، التاريخ والسياسة والخلاص
تعريب كتاب ألبرت نوﻻن الدومنيكاني: يسوع قبل المسيحية
تعريب أدبي لمجموعة أشعار إرنستو كاردينال: مزامير سياسية
تعريب كتاب البابا فرانسيس: أسرار الكنيسة ومواهب الروح القدس
نحاول تخمين اهتماماتك… ربما يهمك أن تقرأ أيضا:
- آجيوس أوثي أوس، آجيّوس يس شيروس مُجَرّد قراءة بس واعيه لِمَا نُرددَّهُ في مِثال واحد لمديحة من مَدايح كَيهك الأكثر شهرة، والتي تقال بعد الهوس الكيهكي مباشرة: مديحة آجيوس أوثي أوس، آجيّوس يس شيروس؛...