في مثل هذا الشهر (يونيو)، تلقى الوطن هزيمة عسكرية نكراء، مشينة، مخجلة.. أستشهد فيها المئات من العسكريين مباغتة وغدرا، وهرب من تحمل المسؤولية قياداتهم العسكرية.. فخرج المدنيون بقيادة طلبة الجامعات في مظاهرات حاشدة غاضبة تريد أن تحاسب القيادات العسكرية لجمهورية يوليو.. فنظرت جمهورية يوليو لهم كتهديد لبقائكم في السلطة.. فألقت الأوامر للشرطة المدنية بتشتيتهم،، بمطاردتهم في الشوارع،، باستخدام السلاح ضد نشطائهم،، باعتقال عقولهم… وحتى لا يحدث "أي رأي" سوى رأي القائد العسكري الذي لا يُسأل عما فعل، تم اتخاذ تدابير أبعد وأعمق رويدا رويدا.. فاختنقت المساحات والمنارات الفكرية رويدا.. رويدا..

من ضمن الشهداء في هزيمة 5 يونيو، كان ملازم صغير اسمه “محيي الدين فودة“، تاريخ استشهاده كان بعد ثلاثة أيام فقط من تخرجه من الكلية الحربية، ولم يتم العثور على جثمانه.

كان لمحيي الدين أخ يكبره بعام واحد، تخرج من كلية الزراعة في نفس شهر يونيو الأسود، فشارك في مظاهرات الطلبة الغاضبين، وتم اعتقاله في عام 1968 في عهد الرئيس عبد الناصر.. هذا الأخ المدني الغاضب المعتقل لن يكون جنديًا مجهولًا اكثر من أخاه،.. فاسمه كان: “فرج فودة

 

الواقعية مقابل الحشد الديني

أثرت هزيمة يونيو في فودة بشدة، فهو يعتبرها أحد الأسباب الرئيسية لنمو التيارات الدينية في مصر والعالم العربي.. فأخبرنا أن من نتيجتها أن برز اتجاهان فكريان:

– أولهما، يدعو إلى مواجهة العدو الإسرائيلي بمزيد من العقلنه ومعرفة المعلومات عنه، وعن أسباب هزيمتنا ومعالجتها، وبمزيد من التأقلم مع حضارة العصر. ليس فقط من خلال مظاهر شكلية، بل بالأخذ بجوهرها، ممثلًا في احترام العقل والشفافية في المعلومات والمشاركة بين المدنيين والعسكريين في القرار والعمل معا.

– أما الاتجاه الثاني، فقد رأى أن الهزيمة لم تكن للإنسان المصري أو القيادة العسكرية، بقدر ما كانت هزيمة لتبني المصريين للقيم الغربية وابتعادهم عن الدين. وقد ساعد على تقوية ذلك أن الاشتراكيون العرب كانوا يرون إسرائيل نفسها كيان ديني، وأنه من الواجب أن تُواجَه إسرائيل بنفس السلاح، وهو التوحد (الإسلامي) في مواجهة الغزو (اليهودي). خاصة وأن تاريخ الدولة الإسلامية في عهد الرسول، حافل بالمواجهة مع اليهود والانتصار عليهم.

انتمى إلى الاتجاه الأول، وبرغم تصنيفه لنفسه على إنه “علماني“، إلا أن دراسة المنظومة الفكرية التي تبناها، تشير بوضوح أنه تخطى الأيديولوجيا ال التقليدية إلى نسق ليبرالي في بلد كانت تعج بالاشتراكية وتتجه نحو الأسلمة.. يبدو لنا هذا في موقفه الاقتصادي من البنوك والأوراق المالية، والانفتاح والسوق الحر.. بل هو ليس ليبراليا بالمحور الاقتصادي وحسب، بل على المحور الاجتماعي أيضا لتبنيه الواضح لقضايا قبول الأخر وحرية الاعتقاد، والسلمية وحرية الرأي حيث يصنف الإرهاب كحركات عنف..

الدائرة الجهنميةوبالرغم من منهجه الفكري المعارض لسياسات عبد الناصر، ورفضه لممارسات التعذيب التي اتسم بها عصره، أو “عنف الدولة” في المطلق، إلا أنه رفض أن يعزى عنف المسلحة إلى التعذيب والقمع الذين نالاها خلال ذلك العصر. فهو يشدد على أن عنف هذه الجماعات الموجه إلى المدنيين قد نشأ على يد التنظيم السري لجماعة في الأربعينيات قبل عصر عبد الناصر، ودون سابق تعذيب أو قمع، مما جعله يؤمن بأن استخدام العنف نابع من فكر هذه الجماعات في الأساس. ويمكن رصده وتتبعه ومحاربته على المستوى الأيديولوجي. وهو ما تتخاذل فيه الدولة العسكرية دائمًا لأن طبيعة تكوينها هو كونها “أداة قتل” للأعداء. أي أنها أداة عنف نظامية، وغير قادرة على استيعاب مفهوم السلم إلا كفترة استعداد وتدريب دائم من أجل الحرب. في نظر فودة، فكلاهما يتشاركان الأيديولوجيا ويتصارعان على السلطة، وهو بنفسه قد شرح “الدائرة الجهنمية” لوصف الدورات التاريخية لتبادل المقاعد بين السلطة العسكرية والسلطة الدينية، وقال ما معناه أنها حتمية في حال غياب المعارضة المدنية.

 

عن عصر السادات (1970-1981)

محمد أنور الساداتعمل “فرج فودة” معيدًا بكلية الزراعة، جامعة عين شمس، وحصل على الماجستير في الاقتصاد الزراعي عام 1975، ثم الدكتوراه 1981، وكانت رسالته عن “ترشيد استخدام مياه الريّ”، ثم عمل مدرسًا بجامعة بغداد في العراق، ثم خبيرًا اقتصاديًا في بعض بيوت الخبرة العالمية، ثم أسس “مجموعة فودا الاستشارية”

كان فودة يخطط للعمل في التدريس الجامعي، غير أن الاضطرابات السياسية التي شهدتها تلك الفترة ونمو الجماعات الإسلامية خلال السبعينيات، والذي انتهى باغتيال في 6 أكتوبر 1981 على المستوى الداخلي، وانتصار الثورة الإسلامية في إيران في 1979 على المستوى الخارجي، خرجت به من مهنة التدريس الجامعي إلى المجال العام. وإن كنا نرى أثر الدراسة الأكاديمية على أسلوب كتابته ومنهجه الفكري.

بصورة عامة، اتفقت سياسات السادات الاقتصادية مع منهج فرج فودة العلمي المؤمن بتفوق الأنظمة ال، وربما كان هذا سببا في عدم لمعان أفكاره بين العلمانيين يين مثلا، والذين حدثت بينهم وبين السادات قطيعة ومعارضة منذ بدأ معاهدات السلام مع إسرائيل.

أيد فودة عودة الحياة الحزبية عام 1978، لكنه حمل السادات المسئولية عن نمو التيارات الدينية، ورأى أن الجماعات الإسلامية في الجامعات، قد تكونت على يد مباحث أمن الدولة لمواجهة الناصريين واليساريين وبتوجيه من السادات، واعتبر أن اكتساحها للانتخابات الطلابية في نهاية حياته، بعد أن فقد السيطرة عليها، كان “كابوسًا يؤرق منامه”

تقبل فودة تضمن دستور 1971 لأول مرة، “أن مبادئ الشريعة الإسلامية مصدر رئيسي للتشريع”، لكنه عارض السادات عند تعديل المادة السابقة إلى أن الشريعة الإسلامية هي “المصدر” (بإضافة حرفي الألف واللام) واعتبر إضافة هذا التعديل تمهيدًا لقيام الدولة الدينية، المقوضة بالضرورة لمدنية الدولة.

جوار جول العَلمانيةاعتبر فرج فودة أن الحزب السياسي المنظم الوحيد في الساحة المصرية هو “الحزب الديني الإسلامي” بكافة اتجاهاته، وهي اتجاهات قد تتنافر في الأساليب، لكن يمكنها بسهولة شديدة أن تتجمع في إطار واحد يشمل الإخوان المسلمين (باتجاهاتهم) والجهاديين. ودعا لأن يواجهه تجمّع سياسي له جذور في الشارع المصري، يؤمن بال، ويكون قادرًا على اجتذاب جميع الاتجاهات الليبرالية في مصر، ويرفع شعار الوحدة الوطنية ليس فقط كفكر مجرد، بل كتراث سياسي عظيم، ويمثل تجمعا شعبيًا أكثر منه أيديولوجية سياسية، حيث تلتقي تحت لافتة العدل الاجتماعي كافة التيارات السياسية في ظله، أو على الأقل تناصره.

الوفد والمستقبلشارك فودة في تأسيس حزب الوفد الجديد، وبعدها خاض معركه داخله لمنع تحالف الحزب مع الإخوان المسلمين في الانتخابات البرلمانية 1984، وأفكاره السياسية خلال هذا الصراع ظهرت في كتابه الأول “الوفد والمستقبل” (1983)، وفشل فرج فودة في منع ذلك التحالف، واستقال من الحزب في 26 يناير 1984. وحاول تأسيس حزب “المستقبل” غير أن لجنة شئون الأحزاب في مجلس الشورى رفضته مرتين، فخاض انتخابات برلمان 1987 مستقلًا عن دائرة شبرا.

قبل السقوطتعرض فرج فودة إبان المعارك الانتخابية إلى حملات استهدفت شخصه وعقيدته، من مثل ادعاء الشيخ “” أن فرج فودة قد دعا في كتابه “” إلى إباحة الزنا طالبا منه أن يأتي له بزوجته وأهله، فإذا فعل فلا كرامة له، وإذا لم يفعل فهو أناني، وهو ما لم يرد عليه فرج فودة. كذلك أشاع أنصار التيار الإسلامي أن ابنته متزوجة من السفير الإسرائيلي، وأنه يقيم حفلات جنس جماعي أثناء ندواته في جمعية تضامن المرأة العربية، وهاجمته الصحف القومية بأن برنامجه السياسي يتلخص في “حماية الزناة والسكارى”، وادعت صحف الوفد والأحرار والشعب بأنه غير حاصل على شهادة الدكتوراه مما دفعه لنشر تكذيب في مجلة “آخر ساعة” موثقا بصورة منها. ولقد شبه فودة خسارته في الانتخابات لدفاعه عن العلمانية، بخسارة “” (1872-1963)، في العشرينيات بسبب دفاعه عن الديمقراطية مما عد مخالفًا للإسلام آنذاك، موقنًا بأن العلمانية ستصبح مقبولة في العالم الإسلامي في المستقبل كما أصبحت الديمقراطية مقبولة.

انتهت الانتخابات البرلمانية عام 1987 بحصول أحزاب “التحالف الإسلامي” المكون من حزب العمل الاشتراكي وحزب الأحرار الاشتراكيين وجماعة الإخوان المسلمين على نسبة 17% من مقاعد مجلس الشعب، بينما لم يحصل حزب الوفد الجديد إلا على 10% فقط من المقاعد بعد تخلي الإخوان عنه.

الملعوبرأى فرج فودة انتصار التحالف الإسلامي ونجاح الإخوان المسلمين خطرًا حقيقيًا على الدولة، وأشار فودة إلى أن التيار الإسلامي قد تعلم من خطأه في انتخابات 1984 التي خاضها تياره التقليدي (الإخوان) الساعي في رأيه إلى “تحقيق الإرهاب بالشرعية” بدون تأييد تياره الثوري (جماعات الإرهاب المسلح) الساعي إلى “ضرب الشرعية بالإرهاب”، ليتوحد التياران في انتخابات 1987. كما يرى فودة أن الحملة الانتخابية للتحالف تم تمويلها عن طريق بيوت توظيف الأموال الإسلامية والتي تمثل ما أسماه “التيار الثروي”

الإرهابعادت عمليات عنف الجماعات الإسلامية المسلحة في النصف الثاني من الثمانينيات، مثل محاولات اغتيال وزير الداخلية “حسن أبو باشا” والصحفي “مكرم محمد أحمد” ووزير الداخلية “النبوي إسماعيل” في عام 1987، ومثل قتل الأقباط وتدمير محلات الفيديو وبيع الخمور وأدوار السينما وصيدليات الأقباط في سوهاج. وفي عام 1988 سيطرت الجماعات الإسلامية على منطقة إمبابة ومارست إرهابًا ضد أقباطها، وتزايدت أعمال الفتنة الطائفية وإرهاب الأقباط خاصة في الصعيد. فكتب فرج فودة كتابه “الإرهاب” (1988) لدراسة تنامي هذا العنف، ورأى فيه أنه بالرغم من نجاح ردود الأفعال الأمنية العنيفة من قبل الدولة في عهدي إبراهيم عبد الهادي و في تحجيم عنف الجماعات الإسلامية المتمثلة آنذاك في الإخوان المسلمين، إلا أن مثل هذه النجاحات كانت لفترات محدودة ولم تستطع اجتثاث المشكلة من أساسها ومن ثم فإن حل إرهاب الجماعات الإسلامية يكمن في رأي فرج فودة في ثلاثة سبل هي: اتساع ساحة الديمقراطية حتى للتيارات الإسلامية، وأن يسود القانون، وأن يكون للإعلام خط ثابت مدافع عن أسس الدولة المدنية.

 

اغتيال على أسس تكفيرية، بمباركة المؤسسة الرسمية

في 3 يونيو 1992، نشرت جريدة النور الإسلامية، والتي كان بينها وبين فرج فودة قضية قذف بعد اتهامه بأنه يعرض أفلاما إباحية ويدير حفلات للجنس الجماعي في جمعية تضامن المرأة العربية، وهي القضية التي كانت في طريقها لخسارتها، نشرت جريدة النور بيانا من ندوة علماء الأزهر يكفر فرج فودة ويدعو لجنة شئون الأحزاب لعدم الموافقة على إنشاء حزبه (المستقبل)

وفي 8 يونيو قبيل أيام من عيد الأضحى، انتظر شابان من ، على دراجة بخارية أمام “” التي أسسها بشارع “” بمصر الجديدة حيث مكتب فرج فودة. وفي الساعة السادسة والنصف مساء، وعند خروجه من الجمعية بصحبة ابنه أحمد وصديق، وفي أثناء توجههم لركوب سيارة فرج فودة، انطلق “أشرف إبراهيم” بالدراجة البخارية وأطلق “عبد الشافي رمضان” الرصاص من رشاش آلي فأصاب فرج فودة إصابات بالغة في الكبد والأمعاء، بينما أصاب صديقه وابنه إصابات طفيفة، وانطلقا هاربين. غير أن سائق سيارة فرج فودة انطلق خلفهما وأصاب الدراجة البخارية وأسقطها قبل محاولة فرارها إلى شارع جانبي، وسقط عبد الشافي رمضان وارتطمت رأسه بالأرض وفقد وعيه فحمله السائق وأمين شرطة كان متواجدًا بالمكان إلى المستشفى حيث ألقت الشرطة القبض عليه، أما أشرف إبراهيم فقد تمكن من الهرب..

حملت سيارة إسعاف فرج فودة إلى المستشفى، حيث قال وهو يحتضر يعلم الله أنني ما فعلت شيئا إلا من أجل وطني وحاول جراح القلب د. “حمدي السيد” نقيب الأطباء إنقاذ حياة فرج فودة، لمدة ست ساعات، لفظ بعدها أنفاسه الأخيرة. كما حمل ابنه أيضا إلى المستشفى حيث تعافى من إصاباته.

بالتحقيق مع عبد الشافي رمضان، أعلن أنه قتل فرج فودة بسبب فتوى د. “” مفتي الجماعة الإسلامية بقتل المرتد في عام 1986. فلما سؤل من أي كتبه عرف أنه مرتد، أجاب بأنه لا يقرأ ولا يكتب، ولما سؤل لماذا اختار موعد الاغتيال قبيل عيد الأضحى، أجاب: لنحرق قلب أهله عليه أكثر.

مع استمرار التحقيقات، اعترف عبد الشافي رمضان بأنه تلقى تكليفًا من “صفوت عبد الغني”، القيادي بالجماعة الإسلامية والمحبوس في السجن في قضية اغتيال د. “” منذ 1990، وذلك عن طريق محاميه “منصور أحمد منصور”. وبأنه حصل على الرشاش الآلي من “محمد أبو العلا”، وتلقى تدريبات رياضية عنيفة على يد “محمد إبراهيم”، وحصل مع شريكه الهارب “أشرف إبراهيم” على الدراجة البخارية من “جلال عزازي”، وبأنهما قاما بالاختباء عند “وليد سعيد” و”حسن علي محمود” و”أشرف عبد الرحيم” حتى وقت العملية، بينما قام “محمد عبد الرحمن” و”علي حسن” برصد تحركات فودة لاختيار أفضل مكان مناسب لتنفيذ عملية الاغتيال. وألقت الشرطة القبض على كافة المتهمين وقدمتهم إلى محكمة أمن الدولة طوارئ.

في أبريل 1993، تم القبض على “أشرف إبراهيم” في المنصورة خلال مشاركته في محاولة اغتيال وزير الإعلام “صفوت الشريف”، وحكمت عليه محكمة عسكرية بالإعدام، ونفذ الحكم بينما لا تزال قضية فرج فودة منظورة أمام المحكمة.

عقدت المحكمة 34 جلسة استمعت فيها إلى أقوال 30 شاهدا. وطلب المحامون شهادة د. “محمود مزروعة”، رئيس قسم العقائد والأديان بكلية أصول الدين بجامعة الأزهر، والذي ترأس ندوة علماء الأزهر بعد سفر د. “عبد الغفار عزيز” إلى المملكة العربية السعودية

الحقيقة الغائبةوفي يوم شهادة مزروعة، تطوع للشهادة الشيخ “”، واستمرت شهادته لمدة نصف ساعة، وقال فيها: إن فرج فودة بما قاله وفعله كان في حكم المرتد، والمرتد مهدور الدم، وولي الأمر هو المسئول عن تطبيق الحد، وأن التهمة التي ينبغي أن يحاسب عليها الشباب الواقفون في القفص ليست هي القتل، وإنما هي الافتئات على السلطة في تطبيق الحد، ثم شهد د. مزروعة لمدة ثلاث ساعات قال فيها: إن فرج فودة كان يحارب الإسلام في جبهتين، وزعم [يقصد فرج] أن التمسك بنصوص القرآن الواضحة قد يؤدي إلى الفساد إلا بالخروج على هذه النصوص وتعطيلها. أعلن هذا في كتابه “الحقيقة الغائبة”، وأعلن رفضه لتطبيق الشريعة الإسلامية، ووضع نفسه وجندها داعية ومدافعًا ضد الحكم بما أنزل الله. وكان يقول: لن أترك الشريعة تطبق ما دام فيّ عرق ينبض. وكان يقول: على جثتي. ومثل هذا مرتد بإجماع المسلمين. ولا يحتاج الأمر إلى هيئة تحكم بارتداده

وأكد المتهمون أن شهادة الشيخ الغزالي ومزروعة تكفيهم ولو وصل الأمر لإعدامهم بعد ذلك.

أبو العلا محمد عبد ربهحكمت المحكمة بإعدام عبد الشافي رمضان وسجن محمد أبو العلا لتوفيره السلاح، وبرأت باقي المتهمين، غير أن وزارة الداخلية اعتقلتهم، ونقلتهم إلى سجن الوادي الجديد، وبعد 6 أشهر تفرقوا في مختلف السجون. وأفرجت وزارة الداخلية عام 1993 عن عدد من المتهمين هم وليد سعيد ومحمد عبد الرحمن وحسن علي محمود. وفي عام 2003 أفرجت عن جلال عزازي وأشرف عبد الرحيم وباقي المتهمين عدا محمد إبراهيم، الذي تم الإفراج عنه عام 2005، ثم أفرجت عن صبحي أحمد منصور وصفوت عبد الغني في عام 2006 في عهد “”. ثم أفرج “” عن أبو العلا محمد في عام 2013، والذي أعلن في أكثر من مقابلة تليفزيونية بعدها عدم ندمه على قتل فرج فودة لأنه كافر.

 

التداعيات الفكرية على مصر نتيجة اغتيال شهيد الكلمة

عقوبة الارتداد عن الدينأعلن المستشار “مأمون الهضيبي” المرشد العام للإخوان المسلمين عن ترحيبه وتبريره لاغتيال فرج فودة في اليوم التالي في جريدة الأخبار وإذاعة صوت الكويت، وبعد أسابيع من الاغتيال ألّف د. “عبد الغفار عزيز” (1937-1998) رئيس ندوة علماء الأزهر كتابًا أسماه “من قتل فرج فودة؟” (1992) ختمه بقوله: إن فرج فودة هو الذي قتل فرج فودة، وإن الدولة قد سهلت له عملية الانتحار، وشجعه عليها المشرفون على مجلة أكتوبر وجريدة الأحرار، وساعده أيضا من نفخ فيه

أحكام الردة والمرتدينكما عرض الشيخ الغزالي على الدكتور مزروعة أن يصدر مجموعة من العلماء بيانًا تضامنيا معه ومع ندوة العلماء، يتيح لهم أن يبدوا ما شاءوا من الآراء دون أن تكون هذه الآراء مدعاة لاتهمامهم بالتحريض على القتل، (حصانة الأزهر) وكان ممن وقعوا على البيان مع الشيخ محمد الغزالي الدكتور “” والشيخ “”. وأعد الدكتور “عبد العظيم المطعني” الأستاذ بجامعة الأزهر دراسة بعنوان: “عقوبة الارتداد عن الدين بين الأدلة الشرعية وشبهات المنكرين”، كما وضع الدكتور مزروعة كتابًا بعنوان “أحكام الردة والمرتدين” من خلال شهادتي الغزالي ومزروعة.

 

الإرث الثقافي الذي تركه لنا فرج فودة..

الطائفية إلى أين؟ألّف فرج فودة ما يقرب من 12 كتابًا بالإضافة لعدد من المقالات في جرائد المعارضة، وعددا أقل في الجرائد القومية، خاض فيها العديد من المعارك الفكرية دفاعًا عن مبادئ الدولة المدنية من علمانية ووحدة وطنية وحقوق إنسان. أشهر أعماله هي “قبل السقوط” (1984)، “الحقيقة الغائبة” (1984)، “الملعوب” (1985)، “الطائفية إلى أين؟” (1985) بالاشتراك مع يونان لبيب رزق وخليل عبد الكريم، و”حوار حول العلمانية” (1987)

فرج فودةوعلى الرغم من عدم شهرة فرج فودة في حياته بالنسبة للمجتمع المصري، إلا أن هذه الكتب لاقت اهتمامًا أكاديميًا، وطبع بعضها أكثر من مرة، ودرس بعضها في الجامعات والمعاهد. ولا يكاد يخلو تحوّل سياسي دون الاستشهاد بأقواله، نظرا لقدرته العالية على استشراف المستقبل، وتبسيطه لفلسفات معقدة بشكل يناسب أي قارئ.. والأهم: تلك الابتسامة الساخرة التي لا تفارق وجهه أمام الخصوم.. أمام الإرهاب.. أمام الموت ذاته..

صباح الخير أيها العالم..

كيف تقيّم هذا المقال؟

← إتجاه ← التقييم ← اﻷعلى ←

المتوسط الحالي حسب تقييمات من القراء

كن أوّل من يقيّم هذا المقال

بما أن المقال أعجبك..

ربما اﻷفضل مشاركته مع دوائرك كي يحظى بانتشار أوسع

من المحزن أن يكون تقييمك للمقال سلبيا

دعنا نعمل على تحسين ذلك

أخبرنا.. كيف يمكن تحسين المقال؟

باسم الجنوبي
[ + مقالات ]